حروب سريعة وأخرى طويلة.. تثقل ذاكرة التاريخ

لوحة "غارنيكا" التي رسمها الفنان الإسباني بابلو بيكاسو عام 1937 رفضًا للحرب في العالم (انترنت)

camera iconلوحة "غارنيكا" التي رسمها الفنان الإسباني بابلو بيكاسو عام 1937 رفضًا للحرب في العالم (انترنت)

tag icon ع ع ع

ما الذي يعنيه استمرار حرب ما لدقائق، وأخرى لمئات السنين، إذا كانت الأسلحة تخطف حياة الأبرياء خلال ثوان.

بالنسبة لأهالي الضحايا فإن الحرب الحقيقية تبدأ بعد فقدان ذويهم، وتستمر حياة كاملة، لا يعنيهم بعد لحظة الفقد تلك كل ما سيكون من معاهدات سلام أو أصوات انفجارات.

في هذا التقرير نعرض أقصر حرب في العالم أدت إلى مقتل المئات، مقابل أطول حرب لم تذكر سجلات التاريخ شيء عن ضحاياها، في حين أن الحرب الحقيقية هي ثانية قصيرة تثقب ذاكرة من بقي على قيد الحياة.

حرب الـ”45″ دقيقة

مع نهاية مهلة الإنذار الأخير الذي وجهه البريطانيون للسلطان “خالد بن برغش”، المنقلب على الحكم في جزيرة زنجبار بعد اتهامه باغتيال ابن عمه السلطان الشرعي “حمد بن ثويني البوسعيدي”، بدأت المدفعية البحريّة بقصف قصر الحكم في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم 27 آب 1896.

كانت جزيرة زنجبار، التي تتبع اليوم لدولة تنزانيا، دولة ذات سيادة على المحيط الهندي، احتلها المستعمرون البرتغال عام 1499، قبل أن تطردهم منها سلطنة عمان وتحتلها عام 1698.

بعد 160 عام من حكم العمانيين، قرر السلطان “ماجد بن سعيد” منح الجزيرة استقلالها، ومنذ أواخر القرن 19 والقوتين الاستعماريتين البريطانية والألمانية تتصارعان للحصول على امتيازات تجارية أكبر في الجزيرة الفتيّة.

إلا أن نصيب الألمان من الدبلوماسية كان أقل وفرة من البريطانيين، فبسبب رفضهم لرفع علم زنجبار في إحدى المناطق التي حصلوا فيها على حقوق تجارية، نشبت عدة اشتباكات، في المرة الأولى راح ضحيتها 20 عربيًا، وفي المرة الثانية 150 زنجباريًا وعددًا من الضباط الألمان.

هكذا استحكم الكره في نفوس الأهالي للألمان، فخسر الأخيرون امتيازاتهم، وربحها هذه المرة البريطانيون، الذين سيحرصون دومًا على بلوغ سلطان موال لهم إلى العرش.

السلطان المنقلب “خالد”، الطامع بالسلطة منذ زمن بعيد، لم يقدر قوته حق التقدير، واندفع في مواجهة غير مجدية مع الإنكليز، حتى احترق قصر الحكم، الذي يُعتبر أول بناء تصله الكهرباء في شرق إفريقيا، بعد قصف تراوح بين 38 و45 دقيقة، لتضع الحرب أوزارها.

المفارقة في الأمر أن السلطان وأصحابه لجأوا إلى القنصلية الألمانية، التي أمّنت لهم الحماية ورفضت تسليمهم للبريطانيين، على أن يعيش السلطان منفيًا في مستعمرة شرق إفريقيا الألمانية.

وفي حين وصل عدد الضحايا إلى 500 رجل وامرأة بين قتيل وجريح، خلال الحرب التي استمرت لدقائق، بينما عاش السلطان الذي تسبب انقلابه بمقتلهم حتى عام 1927، وتوفي في شرق إفريقيا بعد أن عاش في منفيين بريطانيين إثر إلقاء القبض عليه خلال الحرب العالمية الأولى، قبل أن يعفي عنه المستعمرون.

حرب في ذاكرة النسيان

لم تحظ الحرب بين هولندا وجزر سيلي بحقها من التغطية الإعلامية، لا بعدد القتلى ولا بكمية الذخيرة المتفجرة التي استخدمت في الحرب، بالرغم من استمرارها 335 عام، حتى أن موسوعة غينيس للأرقام القياسية لم تعترف بها.

تمدّ هذه الحرب الغريبة جذورها في الحرب الأهلية الإنكليزية الثانية، حين احتدم الصراع بين البرلمانيين والملكيين، ولم تكن بريطانيا حينها دولة موحدة، إنما مجموعة من الإمارات والممالك، وكانت أقوى هذه الدول مملكة إنجلترا، التي رجحت كفتها في حرب الأشقاء والأخوة.

لاحق البرلمانيون المنتصرون فلول الملكيين حتى حصروهم في جزر سيلي على شاطئ المملكة المتحدة اليوم، وهناك تحصّن أسطول المهزومين.

لكن الملكيين لم يكفوا عن مضايقة حليف البرلمانيين البارز، هولندا، فكان يهاجم سفنهم كلما أتيحت له الفرصة، ويسرق بضائعهم، ما سبب خسارات كبيرة لهولندا.

وفي 30 آذار 1651 ضاق الأميرال “مارتن هاربرتزون ترومب” ذرعًا بأفعال الملكيين، وتوجه إلى جزر سيلي يطالبهم بتعويض عمّا فعلوه، ولأن جواب الملكيين لم يكن مرضيًا له، فقد أعلن الحرب.

لكن شهر تموز من العام نفسه شهد تقدمًا كبيرًا للبرلمانيين في جزر سيلي، واضطر الملكيون للاستسلام والانسحاب من الجزر، وبذلك غادر الأسطول الهولندي أيضًا مواقع رباطه، كون الخطر الذي كان يهدد مصالح دولته قد زال.

لكن الحرب التي استمرت شهورًا قليلة بقيت قائمة حتى عام 1986، حين انتبه عالم التاريخ ورئيس مجلس جزر سيلي، روي دنكن، أن الهولنديين لم يعلنوا السلم حينها، فراسل سفارتهم في لندن، وجاءه التأكيد من موظفي السفارة، أن الحرب بالفعل ما تزال قائمة.

وفي 17 نيسان من العام نفسه وصل سفير هولندا في بريطانيا إلى الجزر، ووقع معاهدة السلام التي استمرت 335 عام في غفلة من كلا الطرفين.

إلا أن مفاجأة صغيرة ما تزال مخبأة، فالأميرال “ترومب” الذي أعلن الحرب، لم يكن مكلفًا بإعلان الحرب من قبل الحكومة الهولندية حينها، بحسب بعض الخبراء، بل حاول باجتهاد شخصي أن يحصل مصالح بلاده عن طريق التهديد، ما جعل الحرب التي وقّعت الدولتين معاهدة انتهاءها، باطلةً من الأساس.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة