صلاح دهني.. مخرج يغادر “سينما الحب الذي كان”

السينمائي السوري الراحل صلاح دهني (انترنت)

camera iconالسينمائي السوري الراحل صلاح دهني (انترنت)

tag icon ع ع ع

توفي اليوم السينمائي السوري صلاح دهني، عن عمر ناهز 92 عامًا، بعد مسيرة سينمائية طويلة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.

وولد دهني في درعا سنة 1925، والتحق بالمعهد العالي للدراسات السينمائية بباريس سنة 1947، ليتخرج منه كأول أكاديمي سينمائي سوري سنة 1950، فضلًا عن دراسته في معهد الفيلمولوجي (علم الفيلم) في جامعة “السوربون”.

عاد دهني إلى سوريا حاملًا معه آمالًا بصناعة تغيير سينمائي حقيقي، فتولى دائرة “السينما والتصوير” سنة 1960، التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومي، في الجمهورية العربية المتحدة (خلال الوحدة بين سوريا ومصر).

إلا أن جمال عبد الناصر لم يمنحه كثيرًا من الوقت، إذ سُجن دهني ثمانية أشهر بعد حملة اعتقالات للشيوعيين في سوريا ومصر، شنها عبد الناصر.

السينما في مقبرة البعث

وبعد انقلاب حزب “البعث” على السلطة في الستينات وتفكك الجمهورية المتحدة، خرج دهني من السجن وهو يعتقد أن الوضع لابد من أن يكون أفضل حالًا.

فتقدم بمشروع تأسيسي للمؤسسة العامة للسينما، والتي تم إقرارها بمرسوم تشريعي عام 1963، وتولى دهني إدارة الشؤون الفنية فيها.

إلا أن الاستقلال المادي والإداري الذي نص عليه المرسوم التشريعي لم يتجاوز حدود الحبر على الورق، وسرعان ما ستخيب الوقائع دهني المولع بالسينما والابتكار.

ففي أول اجتماع مع وزارة الثقافة، طُلب منه أن يخرج أفلامًا تعلم الأطفال النظافة وغسيل اليدين والأسنان، ولم يكن وزير الثقافة حينها سوى مدير مدرسة، مكّنه ولاءه السياسي مما حُرم منه دهني وزملاءه.

دبابة تدمر مبنى السينماتيك

لم ينكسر دهني سريعًا، فتوجه إلى باريس حيث تلقى دراسته وسوريا نصب عينيه، فأقنع مدير السينماتيك (دار لحفظ النسخ الأصلية من الأفلام) الفرنسي، بمنح سوريا 100 فيلم مجانًا، لتأسيس سينماتيك سوري، فكان شرط المدير، هنري لانغلوا، أن تُعد سوريا مبنى مهيأ لهذا الغرض.

عاد دهني بإنجازه التاريخي إلى سوريا التي كانت تفتقر لمؤسسات سينمائية حقيقية، إلا أن وزارة الثقافة رفضت الاتفاق بسبب التكلفة العالية لإعداد المبنى، موضحةً أن الوطن بحاجة إلى دبابة للدفاع عنه، وليس دار سينماتيك.

ويرى دهني في كتابه “سينما الحب الذي كان”، أن هذه التصرفات أدت إلى ضياع الكثير من الأفلام الوثائقية في فترة الانتداب الفرنسي، والثورة السورية الكبرى، فضلًا عن أفلام تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي عن دمشق والقدس، محفوظة الآن في فرنسا.

مكتبة ثقافية سينمائية على أرض الخيبة

أطلق دهني أول مهرجان سينمائي دولي في الوطن العربي بمشاركة 13 دولة، سنة 1956، على هامش معرض دمشق الدولي، لكنه لم يتمكن من تكرار التجربة كما يريد بسبب تلكؤ مدير المعرض.

أدت هذه الخيبات التي تعرض لها دهني إلى توجهه نحو الكتابة والنقد، لعدم توفر إمكانات ومناخ ملائم لصناعة أفلام أصيلة.

فما كان منه إلا أن أخرج عبر الإذاعة أول برنامج سينمائي عربي بعنوان “صوت وصورة”، استمر بتقديمه من سنة 1989 وحتى 2005، كما قدم برنامج “السينما في أسبوع” من سنة 1952 حتى 1974، لتكون أول وأضخم مرجع سينمائي للسوريين والعرب.

قدّم صلاح دهني خلال أكثر من 70 عامًا من مسيرته الفنية محتوى سينمائيًا نقديًا وتثقيفيًا جعله في طليعة الرواد السينمائيين العرب، بالرغم من أنه لم يُخرج سوى فيلم روائي طويل سنة 1977، بعنوان “الأبطال يولدون مرتين”، وعشرات من الأفلام الوثائقية القصيرة.

وتناقل زملاء صلاح دهني ظهر اليوم نبأ وفاته، مشيدين بأهمية ما قدمه رغم ضعف الإمكانات، في إغناء المكتبة السينمائية الفكرية في سوريا والعالم العربي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة