tag icon ع ع ع

علي درويش | نور الدين رمضان | حباء شحادة

كان نزوحًا “سريعًا” اضطر إليه عبد الفتاح مع عائلته عند مغادرتهم قرية الحواش في سهل الغاب، نهاية عام 2019، حمل خلاله بعض الأغراض الخفيفة والأوراق الثبوتية، تاركًا وراءه أرضه ومعداته ومحاصيله، التي ما زال مقيدًا دونها عن العمل والإنتاج الزراعي، وهو ينتظر المساعدة أو الفرج في مستقره بمخيمات ريف إدلب الشمالي.

حال عبد الفتاح حيان تشبه آلاف العائلات التي غادرت ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، إذ اضطر أكثر من مليون شخص للنزوح من أرضهم الخصبة جراء تقدم قوات النظام وحلفائها، وخسروا ما يفوق ديارهم واستقرارهم، من أراضٍ زراعية كانت المصدر الأول لرزقهم، وكانت المورد الأكبر للمحاصيل والمنتجات الغذائية في المنطقة التي تعاني من تصاعد مستمر بالأسعار والبطالة والفقر معًا.

لم يكد يجلب “وقف إطلاق النار”، المتفق عليه من قبل الدول الضامنة قبل تسعة أشهر، الفرصة للاستقرار ومحاولة البدء بالعمل من جديد، حتى انطلق خطر فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) ليضيّق الخناق على المنطقة بإغلاق معابرها الداخلية والخارجية.

تسلط عنب بلدي الضوء في هذا الملف على الحال الاقتصادية للقطاع الزراعي في شمال غربي سوريا، وأثر فقدان أكثر من نصف الأراضي الخصبة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، مع إغلاق المعابر التجارية، على المزارعين والمشترين، ودور “الحكومتين” القائمتين بتقديم الدعم والرعاية للسوق الغذائية.

الفلاحون فقدوا العدة وخسروا المحصول

يملك المزارع عبد الفتاح حيان أرضًا في سهل الغاب، لا يحمل سندات الملكية الخاصة بها، لكنه يحفظ شتلات القمح والشعير والبرسيم والبازلاء والفول التي زرعها فيها مع إخوته، قبل انتقاله إلى واقع آخر في المخيم الذي لا يملك فيه مساحة تكفيه.

50 دونمًا زرعها الشاب مع عائلته، محققًا ربحًا يتراوح ما بين 3000 و 3500 دولار سنويًا، قبل أن يمر عليه العام الحالي بلا أرباح ولا زراعة، “إمكانية الزراعة من جديد تتطلب الكثير من الأمور والاحتياجات التي فقدناها عند النزوح”، حسبما قال لعنب بلدي.

عامل يحرق جزء من محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة الفريكة في بلدة احتيمالات شمالي حلب - 18 أيار 2020 (عنب بلدي/ عبد السلام مجعان)

عامل يحرق جزء من محصول القمح قبل نضجه لتحضير مادة الفريكة في بلدة احتيمالات شمالي حلب – 18 أيار 2020 (عنب بلدي/ عبد السلام مجعان)

فقدان معدات الفلاحة والسقاية، مع نقص الإمكانيات المادية، حرم عبد الفتاح من مزاولة مهنته التي يتقنها، كما حرم أسواق المنطقة من إنتاج أرضه.

تعتمد الأراضي الزراعية الشمالية على الزراعات الشتوية، بسبب النقص في الآلات، وعدم وفرة الماء وهو الأهم، حسب رأي عبد الفتاح، ما سبب نقص محاصيل “استراتيجية” في المنطقة، مثل الزيتون والفستق الحلبي والتين والرمان والخضار التي كانت تشتهر بها قرى حماة الشمالية والمناطق الجنوبية من إدلب.

يتنهد عبد الفتاح وهو يتحدث عن مصادر الدخل التي يعتمد عليها الفلاحون الذين اعتادوا العمل والنشاط بأراضيهم، إذ دفع نقص فرص العمل بعضهم إلى الاعتماد على المساعدات الإغاثية، أو الأنشطة التجارية، “وبعض الشراكات بين السكان الأصليين والنازحين بزراعة الأراضي بمحاصيل لم تكن تزرع في المنطقة”.

وآخرون اختاروا المخاطرة بأرواحهم لجني المحاصيل التي علقت على خطوط التماس مع قوات النظام السوري، والتي امتلأت أراضيها بالألغام والبقايا غير المتفجرة، ونقل البعض مواشيهم معهم إلى مراعي الشمال، حيث اضطروا لبيعها نتيجة الغلاء ونقص المراعي، “لم نتلقَّ تلميحًا حتى للتعويضات من المنظمات أو الجهات المعنية بالشأن الزراعي. لا يوجد تعويض مادي ولا معنوي”، كما قال عبد الفتاح، مضيفًا أن تقدير الأضرار التي عانتها المنطقة وأهلها لم يحصل حتى الآن.

قدر مركز “نورس للدراسات” في شمال غربي سوريا، فقدان المنطقة نحو ثلاثة آلاف و140 كيلومترًا مربعًا، منذ 27 من آب 2019، منها 60% من الأراضي الزراعية التي كانت تسيطر عليها المعارضة.

ورغم إقامة مشاريع سابقة لدعم المزارعين في المنطقة، فإن الاستجابة لاستدراك الضرر الأكبر الذي عاناه القطاع الزراعي اقتصرت على بعض المشاريع الإغاثية، والقرارات الحكومية التي لم تستقر نتائجها الاقتصادية بعد.

شراء الأغنام في بلدة أرشاف قبل أيام من عيد الأضحى - 27 تموز 2020 (عنب بلدي/ عبد السلام مجعان)

شراء الأغنام في بلدة أرشاف قبل أيام من عيد الأضحى – 27 تموز 2020 (عنب بلدي/ عبد السلام مجعان)

مشاكل تنظيمية ونقص مستلزمات.. مزارعون تخلوا عن الزراعة

تواجه المزارعين في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا مشاكل تنظيمية، ونقص في القدرات المالية، واستخدام الآلات الزراعية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود المستخدم في عمل المعدات ووسائط النقل، والانخفاض المتواصل لقيمة الليرة السورية والتركية، على الرغم من استبدال العملة التركية بالسورية من قبل سلطات الأمر الواقع للخروج من مشاكل تفاوت أسعار الصرف، انتهاء بصعوبة تسويق المنتجات.

ودفعت صعوبة حراثة الأرض، وعدم وجود آبار ارتوازية للسقاية، ونقص المبيدات الحشرية والأسمدة، وصعوبة تصريف المحاصيل الزراعية، المزارع محمد الأحمد (40 عامًا) إلى تأجير أرضه بريف إدلب الشمالي، التي تبلغ مساحتها عشرة دونمات (تقريبًا هكتار)، والاستغناء عن إنتاجها لمدة ثلاث سنوات، لبناء مخيم “أرض الوطى” عليها.

تحولت الأرض التي كانت تزرع بالقمح والشعير والعدس والحمّص إلى واحد من الملاجئ الخاصة، التي تصل نسبتها إلى نحو 70% من مجموع الأراضي التي يقوم عليها 1172 مخيمًا، وتضم أكثر من 900 ألف نازح في المنطقة، من أصل 1.5 مليون يسكنون المخيمات، وفق إحصائيات قطاع الملجأ وتنظيم المخيمات التابع للأمم المتحدة.

وتعتبر الأراضي الزراعية مقصدًا للنازحين الذين يفضلون مساحاتها الواسعة للإقامة في تجمعات مع عائلاتهم وأقاربهم، رغم معاناتهم من غياب البنى التحتية المناسبة للسكن فيها، من الصرف الصحي والطرقات المعبدة، إذ تعد 10% من الأراضي الخاصة المستخدمة للمخيمات غير صالحة للسكن، ونحو 50% بحالة معلقة، قد يواجه سكانها الترحيل عند انتهاء عقود إيجارهم لها.

رجل يقوم بزراعة المحاصيل الموسمية في سهل الروج بريف إدلب – 16 من نيسان 2020 (عنب بلدي)

وسلّطت عنب بلدي الضوء في ملف “تحت أسقف مهترئة.. سكان المخيمات في مواجهة الشتاء مجددًا” على ما تعانيه المخيمات بسبب نقص البنى التحتية وإقامتها في أراضٍ غير ملائمة، مع بحثها في الخيارات والحلول التي يمكن للنازحين المهددين بالرحيل من مخيماتهم المقامة على أراضٍ زراعية اتباعها، ضمن برنامج “شو مشكلتك”، وكان الرد من “دائرة الخدمات” التابعة لحكومة “الإنقاذ” النافذة في إدلب وريف حلب الغربي، بأن “العمل جارٍ” على استصلاح أراضٍ مناسبة لنقل المخيمات من الأراضي الزراعية، دون تحديد جدول زمني لإتمام ذلك.

من جانبه، أوضح محمد أن المزارعين لم يتلقوا الدعم من أي من الجهات المسؤولة، التي تبرر ذلك دومًا بنقص التمويل وغياب القدرة على تأمين ما يلزم.

مطالب وحاجات مستمرة.. من يسمع المزارعين؟

بعد نزوحه تحت القصف والغارات الجوية من قرية النقير بريف إدلب الجنوبي، لم يتخلَّ المزارع محمد رماح (49 عامًا) عن عمله في الزراعة، واستأجر قطعتي أرض عند نزوحه لكفردريان بريف إدلب الشمالي قبل سنة وثمانية أشهر، مساحتهما 175 دونمًا، بتكلفة تتراوح بين 35 و50 دولارًا لكل دونم مدة عام.

“ندفع التسعة لنأكل العشرة”، كما قال محمد لعنب بلدي، مشيرًا إلى غلاء التكاليف الزراعية شمالًا لزراعة العصفر والحبة السوداء والكزبرة التي كان يزرع مثلها في أرضه، “ما نحصل عليه الآن لا يعادل ربع ما كنا نحصل عليه في قريتنا”.

ولا تتوقف المسألة على استئجار الأرض، فأمام محمد مصاريف أخرى كثمن البذار والسماد وأجور العمال، التي رغم قلة ما تعنيه للعاملين فإنها تضغط على أرباب العمل، الذين لا تحاسبهم ولا تراقبهم أي جهة مسؤولة، “بالنسبة للعمال فهم لا يعملون لقاء أجر يذكر، كلهم يريدون تأمين الخبز والطعام وحسب”، حسب تقديره، وسط ارتفاع الأسعار غير المضبوط في المنطقة.

وحتى بالنسبة للمزارعين الذين يعملون على إنتاج المحاصيل الأكثر شهرة في المنطقة، مثل الزيتون والرمان، كان الموسم في العام الحالي مخيّبًا للآمال، مع نقص الدعم والتصريف وغلاء الأسعار.

وفي حين تشكل زراعة المحاصيل المعدة للأكل مصدر الدخل لـ77% من المقيمين في شمال غربي سوريا، والمحاصيل الزراعية المعدة للبيع مصدر دخل 68% منهم، وفقًا لأحدث إحصائيات مبادرة “REACH” المتعلقة بالوضع الإنساني في المنطقة خلال أيلول الماضي، وتبلغ تلك النسب 12% و10% على التوالي بالنسبة للنازحين، فإن العاملين بالقطاع الزراعي لا يشعرون بالاهتمام من المؤسسات الحاكمة.

ونقل برنامج “شو مشكلتك” صوت مربي الدجاج في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، الذين اشتكوا من نقص الدعم والخدمات المقدمة لهم، مع زيادة الإتاوات والقيود على أعمالهم، دون الالتفات إلى ما فقدته المنطقة من مكاسب اقتصادية.

فرص للعمل بعيدًا عن الأرض

تعمل فاطمة على تنقية الثوم من الأوراق والشوائب والحشائش، لمدة عشر ساعات في اليوم، تحوّل العمل السهل إلى مهمة مضنية، تضطر لتحملها لقاء أجر قدره عشر ليرات تركية يوميًا.

لم تجد الأم التي ترعى أطفالها الخمسة عملًا أفضل في مخيم “أطمة” على الحدود السورية- التركية، إذ كانت سابقًا تعتمد على تنقية الفستق الحلبي، والعمل بورشات قطاف الزيتون وحصاد الكمون والكزبرة والحمّص وحبة البركة، لتأمين عيشها في ريف إدلب الجنوبي.

كان العمل في القطاع الزراعي “أفضل” سابقًا، حسب تقدير فاطمة المحمد، التي قالت لعنب بلدي، إن تنوع المحاصيل سابقًا ووفرة المساحات الزراعية كانت تؤدي إلى خلق فرص عمل متنوعة، أما الآن فتلك الفرض تعتمد على المواسم، مثل موسم قطاف المحاصيل.

وأشارت فاطمة إلى أن المصاريف التي كانت تضطر لدفعها كانت أقل وهي في قريتها، كما أن العملة السورية كانت أكثر استقرارًا حينها، لكن “الأجر قليل مقارنة بالجهد وساعات العمل”، حسبما قالت، مضيفة “لو وجدت عملًا أفضل ما كنت لأختاره”.

تشجع إمكانية العمل من المسكن النساء على المشاركة في العمل الزراعي، إذ تعتمد مشاريع كاملة عليهن، مثل إعداد “المونة“، أو تنقية النباتات والمحاصيل من الشوائب قبل بيعها أو تصديرها، إلا أن قلة الأجور تبقيهن ضمن فئة “الأكثر ضعفًا” في المنطقة، وفق التصنيف الإغاثي.

لكن ما يركز عليه دعم سبل العيش، الذي يشرف عليه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، الإنتاج الغذائي البسيط، ودعم النشاط الزراعي وإنتاج الأغذية المرتكزة على المواشي، من خلال مساعدة المربين على تلقيح قطعانهم، مقدمًا المساعدة لأكثر من 11 ألفًا من العائلات المربية، وفق تقريره الصادر في 20 من تشرين الثاني الماضي.

وحسب أحدث تقارير “OCHA” الخاصة بعدد المستفيدين من الدعم الموجه إلى سبل العيش، فإن أكثر من 400 ألف شخص حصلوا على مساعدة زراعية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، كان أغلبها متعلقًا بلقاح المواشي، في حين أتت المدخلات الزراعية وإعادة تأهيل البنى التحتية في المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي.

ويقدر القطاع الغذائي التابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، حاجة القطاع الزراعي والغذائي إلى مساعدات بقيمة 1.1 مليار دولار.

حصادة زراعية في بلدة احتيمالات بريف حلب الشمالي - 18 أيار 2020 (عنب بلدي/ عبد السلام مجعان)

حصادة زراعية في بلدة احتيمالات بريف حلب الشمالي – 18 أيار 2020 (عنب بلدي/ عبد السلام مجعان)

إغلاق المعابر في وجه “كورونا”..

ما حال الاستيراد والتصدير؟

“نحن اليوم في سجن كبير ما دامت المعابر مغلقة، تبيع لي وأبيع لك فقط”، حسب تعبير التاجر عبد الحميد الزمر من مدينة الباب، الذي تحدث لعنب بلدي عن أثر انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، على حركة استيراد وتصدير المنتجات الزراعية في مدينته “المنكوبة”.

يقتصر استيراد المنتجات الغذائية، و أبرزها التفاح والبرتقال والبطاطا، على البوابة التركية، التي تغلق وتفتح وفقًا لموجات انتشار الفيروس وإجراءات الوقاية منه، حسبما قال عبد الحميد.

كان العمل الذي يديره عبد الحميد كافيًا لتوفير فرص العمل لـ15 عاملًا قبل انتشار الفيروس الذي بدأ في تموز الماضي بالمنطقة، لكن إغلاق المعابر التجارية الداخلية والخارجية ضمن إجراءات الوقاية التي اتخذتها كل من “الحكومة المؤقتة” و”الإنقاذ”، قلّص أعدادهم إلى الثلث، “وكورونا لم يتوقف”، كما أضاف التاجر.

تخبّط العملة وارتفاع تكلفة الجمارك، التي تدفع مرتين عند الاستيراد من تركيا، مرة في أضنة التركية ومرة عند المعبر السوري، يزيد من المشاكل التي يواجهها التجار، “إذا استمر التاجر بالخسارة فسيتوقف عن العمل”، حسبما قال عبد الحميد، مشيرًا إلى أن إجراءات إغلاق المعبر تسببت بإتلاف بضاعة كانت في طريقها من مناطق النظام، ورفض القائمون عليه السماح بتعقيمها أو دخولها.

أما التصدير فهو “الأربح”، حسب تعبير التاجر عدنان الزمر، الذي قال إن الرمان والبصل هما السلعتان اللتان تصدّران عن طريق تركيا إلى العراق، كما كانت المنتجات الزراعية تصدّر إلى المنطقة الشرقية ومناطق النظام.

“حين يكون هناك تصدير يربح المزارع ويرتفع سعر بضاعته، وإلا ستتكدس وسيخسر عند نزول الأسعار”، كما قال عدنان لعنب بلدي، مضيفًا أن “نسبة صغيرة” هي ما يصدّره، مع قلة المحاصيل المتوفرة في ريف حلب الشمالي.

وأوضح التاجر في إدلب أحمد أبو صطيف لعنب بلدي، أن قيمة أي منتج ترتفع عند التصدير بنسبة 20% على الأقل، وفي حين يقتصر تصدير المنتجات الغذائية على الفائض منها، خاصة البقوليات والبهارات، فإن أثرها على الاستهلاك الداخلي “ضعيف نسبيًا”.

للتصدير جانبان “سلبي وإيجابي”، حسب رأي أحمد، الأول هو رفع الأسعار حين يقل المنتج المصدّر في السوق الداخلية، وهذا محدود بالمنتجات التي لا تستهلك بكثرة، مثل حبة البركة والكمون، والثاني يتجلى بتحرك السوق والربح.

أما بالنسبة للمحاصيل المصدّرة فهي “تتعلق بالصنف”، إذ إن نسبة تصدير البهارات تصل إلى 90%، ومع نقص نسبة التصدير من الهند في العام الحالي، وصل سعر طن حبة البركة في أسواق الخليج إلى ثلاثة آلاف دور بعد أن كان لا يزيد على 1300 دولار في الأعوام السابقة، ويصدّر 50% من البقوليات، التي تعتبر العراق وجهتها الأساسية، بعكس القمح والشعير اللذين يستهلكان بشكل كامل داخليًا.

وأما الاستيراد إلى إدلب فطلبه الأول هو الأسمدة الكيميائية والعضوية، حسب تقدير أحمد، الذي أضاف أن أثر “كورونا” على الاستيراد والتصدير، داخليًا وخارجيًا، كان “كبيرًا”، لأنه سبب ضعف الاستهلاك.

حصادة في ريف حلب الشمالي تحصد االشعير- 30 من أيار (عبدالسلام مجعان/عنب بلدي)

حصادة في ريف حلب الشمالي تحصد االشعير- 30 من أيار (عبدالسلام مجعان/عنب بلدي)

الزراعة مصدر دخل لا يكفي الأمن الغذائي

في البلدان النامية، تعتبر الزراعة مصدر دخل رئيسًا للدولة، وتعمل الحكومات على تطويرها والاهتمام بها بشكل دائم، لكن في سوريا، أثرت ظروف الحرب بشكل واضح على القطاع الزراعي والمزارعين.

تشكل الأراضي القابلة للزراعة ما يقارب 32% من مساحة سوريا، وتنقسم إلى أراضٍ مروية، وتبلغ مساحتها مليونًا و500 ألف هكتار، وأراضٍ بعلية (تعتمد على مياه الأمطار للري) تبلغ مساحتها ثلاثة ملايين و600 ألف هكتار.

مع دخول الثورة السورية عامها العاشر، تقول منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو)، إن الاحتياجات الإنسانية في سوريا مرتفعة بشكل غير عادي، بسبب النزوح وتدمير البنية التحتية الزراعية بشكل أثر على سبل العيش والأمن الغذائي.

حسب تقييم “فاو”، فإن 9.3 مليون شخص يعانون من نقص الأمن الغذائي الحاد في سوريا، و1.9 مليون آخرين بخطر الوقوع في نقص الأمن الغذائي، مع توقع ارتفاع عدد فاقدي الأمن الغذائي للعام الحالي، بسبب نقص فرص العمل وارتفاع أسعار الغذاء.

في شمال غربي سوريا 4.3 مليون شخص فاقدون للأمن الغذائي، وثلثا السكان هم نازحون ويعتمدون على المساعدات الغذائية في معيشتهم، ولا تؤمّن الزراعة سوى 58% من احتياجات السكان للخبز، حسب تقييم القطاع الغذائي التابع لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

ووفقًا لتقدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع الأمم المتحدة (OCHA)، فإن 237 ألف شخص محتاجين لا تتوفر لهم المساعدات الغذائية في المنطقة، في حين تقدم المساعدات الغذائية لأكثر من 1.3 مليون شخص.

وزادت أسعار المواد الغذائية في شمال غربي سوريا بنسبة 100%، خلال الأشهر الستة الممتدة ما بين آذار وأيلول الماضيين، وبلغ معدل سعر السلة الغذائية 158.130 ليرة سورية (74 دولارًا)، وفق تقييم مبادرة “REACH”.

جهود حكومية لتنظيم العمل.. هل تفي بالغرض؟

تجري عملية التنظيم الزراعي في مناطق نفوذ “الحكومة المؤقتة”، بريف حلب الشمالي، عبر التنسيق مع المجالس المحلية، والخطوة الأولى هي “الاتفاق” على تجهيز السجلات الإحصائية اللازمة لتنظيم العمل الزراعي مع المجالس، حسب حديث معاون وزير الإدارة المحلية والخدمات لشؤون الزراعة، نزيه قداح، لعنب بلدي.

والعمل جارٍ حاليًا لمنح الرخصة الزراعية للفلاح أو المربي وفق حيازته الحقيقية، بناء على وثائق عقارية وكشف حسي تقوم به مديريات الزراعة، لكن إلزام الفلاحين بتنفيذ الخطة الزراعية “غير ممكن حاليًا”، حسب قداح.

وتعمل الحكومة عبر المؤسسات الزراعية، مثل مؤسسة “إكثار البذار”، على تأمين بذار القمح والبطاطا والأسمدة والمبيدات بـ”مواصفات ممتازة وأسعار مخفضة”، وتقدم “المؤسسة العامة للأعلاف” و”المديرية العامة للزراعة” خدمات مجانية، كالتحصينات الوقائية للثروة الحيوانية والأعلاف المركزة، وخدمات زراعية بسعر مخفض، كالحصاد والفلاحة ورش المبيدات.

أما في مناطق حكومة “الإنقاذ” بإدلب وريف حلب الغربي، فقال معاون وزير الزراعة والري، المهندس أحمد الكوان، لعنب بلدي، إن العمل الزراعي ينظم من خلال عدة حلول وخطوات، تتمثل بما يلي:

· افتتاح شعَب زراعية جديدة في النواحي، بحسب ما تقتضيه الحاجة، لتقديم الخدمات المطلوبة للقطاع الزراعي (حيواني ونباتي).

· العمل على وضع خطة عامة لتلقيح الثروة الحيوانية، ضد أهم الأمراض التي تصيبها.

· العمل “قدر المستطاع” على إعادة حماية الغابات من أعمال القطع والرعي الجائر، وإفساح المجال للغابة لإعادة ترميم نفسها، وخاصة غابات جسر الشغور، بعد تعرض الأحراج لأكثر من 1200 حريق منذ بداية العام الحالي وحتى تشرين الثاني الماضي، وفق إحصائيات “الدفاع المدني”.

· رفد الدوائر والشعَب بالمهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين.

· تأمين مرشات “ميكرونيرية” وظهرية للإسهام في حملات المكافحة العامة للمحاصيل الاستراتيجية عند الضرورة (كمكافحة السونة والنطاط).

· تأمين محطات مناخية ونشرها بتوزع جغرافي مدروس، يساعد المزارعين في توقع الصقيع وغير ذلك.

· إعداد دراسات لاستخدام الطاقة البديلة.

· تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل الاستراتيجية، كالقطن والشوندر.

إضافة إلى تطوير المشاريع التي تعتمد على حصاد الأمطار، وذلك من خلال ضخ أكبر كمية من مياه الأمطار والسيول إلى خزان “البالعة” بريف جسر الشغور جنوب غربي إدلب، من المجمع الرئيس للمصارف الرئيسة في سهل الروج غربي إدلب، وزيادة نسبة التخزين في سد “قسطون”، الوحيد في سهل الغاب، من خلال تحويل مجاري السيول المحيطة بالسد إلى داخله.

نسوة نازحون في مخيمات باريشا يقصون حشائش الخبيزة والدردار من براري الجبل لإعدادها للطعام - 13 آذار 2020 (عنب بلدي)

نسوة نازحون في مخيمات باريشا يقصون حشائش الخبيزة والدردار من براري الجبل لإعدادها للطعام – 13 آذار 2020 (عنب بلدي)

ويضاف إلى ذلك، تجهيز الآبار العامة والخاصة ومشاريع الري على نهر “العاصي” بمنظومات الطاقة الشمسية ذات الاستطاعات المناسبة، لتخفيف استهلاك الوقود إلى أدنى حد، والعمل على تخفيف استهلاك المياه في أعمال الري من خلال استخدام شبكات الري بالتنقيط والري بالرذاذ، بدل الري بالجريان، وإنشاء شبكات ري “متطورة”، عبر خطوط ري من “بولي إيثلين” ذات المواصفات والجودة العالية والتكلفة الاقتصادية المعتدلة.

ورغم الخطط المعلنة فإن البيانات الإحصائية تظهر نقص فرص العمل وانتشار البطالة، نتيجة نقص الدعم والقدرة على بدء المشاريع الزراعية والتجارية، ووفقًا لتقييم مبادرة “REACH” للأوضاع الإنسانية في شمال غربي سوريا، في أيلول الماضي، فإن فرص العمل هي مطلب 78% من السكان المقيمين في المنطقة، ومطلب 61% من النازحين.

وكان سبب البطالة حاجة 79% من المقيمين و53% من النازحين إلى المعدات الخاصة بالعمل، واحتياج 72% من المقيمين و68% من النازحين إلى المشاريع الإنسانية التي تقدم التدريب وفرص المعيشة، مع توقف 36% من المقيمين والنازحين عن العمل لحاجتهم إلى تمويل لبدء مشاريعهم.

 


أسهم مراسلا عنب بلدي، إياد عبد الجواد بريف إدلب الشمالي، وعاصم الملحم بمدينة الباب، في إعداد هذا الملف.

English version of the article

مقالات متعلقة