درعا.. عندما ينقذ طفل مخطوف أجهزة الأمن السورية

قائد شرطة محافظة درعا ضرار الدندل بعد الإفراج عن سراح الطفل فواز قطيفان الذي خطفته عصابة في درعا لمدة ثلاثة أشهر - 12 من شباط 2022 (الوطن)

camera iconقائد شرطة محافظة درعا ضرار الدندل بعد الإفراج عن سراح الطفل فواز قطيفان الذي خطفته عصابة في درعا لمدة ثلاثة أشهر - 12 من شباط 2022 (الوطن)

tag icon ع ع ع

حاول النظام السوري الظهور بموقف حامي الديار ومحرر المخطوفين، مستثمرًا قضية إطلاق سراح الطفل فواز قطيفان، الذي استعادته عائلته من عصابة خاطفة بعد دفع الفدية المطلوبة.

واختطف مجهولون الطفل فواز في أثناء عودته من مدرسته في بلدة إبطع شمال غربي درعا منذ ثلاثة أشهر وعشرة أيام.

وأرسلت العصابة لذويه تسجيلًا مصورًا، في 4 من شباط، يظهر فيه وهو ينادي ويستنجد خاطفيه للتوقف عن ضربه.

وأعيد فواز لأهله بعد دفعهم للفدية التي طلبت منهم والتي وصلت إلى 500 مليون ليرة سورية (نحو 150 ألف دولار).

تعقب أمني تأخر ثلاثة أشهر

تجاهل الإعلام الرسمي السوري تغطية قضية الطفل، إلى أن تحدثت صحيفة “الوطن“، في 4 من شباط الحالي، عن فواز وجهود لإعادته إلى ذويه، بعد انتشار التسجيل المصوّر الذي يظهره وهو يتعرض للتعذيب، وتفاعل عدد من الناشطين والمؤثرين مع التسجيل.

واستغلت الصحيفة حادثة فواز لتتحدث عن الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب في درعا بشهادات ذويهم، مطلع الثورة السورية، لتقول إنها روايات كاذبة دون أي دليل أو إثبات يدل على حدوثها.

وفي اليوم الذي عاد فيه الطفل إلى ذويه، السبت 12 من شباط، صرح قائد شرطة محافظة درعا، ضرار الدندل، أن التنسيق بين الأمن الجنائي وشرطة الإنتربول الدولية، أفضى إلى رصد الرقم الذي تواصل عبره أحد أفراد العصابة الخاطفة مع أهل الطفل.

وقال الدندل إن عناصر الشرطة داهموا قرية الكتيبة في خربة غزالة في ريف درعا، وألقوا القبض على أربعة أشخاص من بينهم الشخص الذي ارتبط رقمه بالعصابة الخاطفة، بحسب ما نقلت الوكالة السورية للأنباء (سانا).

وأضاف أن “الخاطفين قطعوا تواصلهم لمدة يوم كامل بعد إلقاء القبض على هذا الشخص تحسبًا منهم لأي اعترافات منه، وبما أننا لم نصرح بما اعترف به عاودوا الاتصال بعائلة الطفل مرة ثانية، وتم الاتفاق على موعد لإطلاق سراحه وتسليم الفدية يوم الأربعاء إلا أنهم لم يلتزموا”، على حد تعبير الدندل.

وعند تحديد موعد جديد، يوم السبت 12 من شباط، قدم والد الطفل، محمد قطيفان، ووالدته المبلغ لأفراد العصابة في مدينة نوى قرب صوامع الحبوب على الطريق باتجاه القنيطرة، والتي “تنتشر فيها مجموعات مسلحة”، على حد تعبير قائد شرطة المحافظة.

وترك الخاطفون الطفل بعد جلبه على دراجة نارية، ولم تتدخل الشرطة، بحسب الدندل، “حفاظًا على حياة الطفل فواز وذويه”.

وبحسب الوكالة، أعرب محمد قطيفان (والد الطفل) عن فرحته الكبيرة “بتحرير طفله وعودته بخير وصحة جيدة، وشكر كل من شعر بمعاناة العائلة ولقيادة الشرطة وعناصرها التي قامت بكل ما تستطيع ليلًا ونهارًا من أجل تحريره”.

شكر للأسد.. ولا أحد من الخارج

ومن جهته تشكر عم الطفل مصعب قطيفان الجهود التي قامت بها الجهات الأمنية وخاصة قيادة الشرطة والأمن الجنائي ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، بحسب مقابلة لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام.

بينما نفى أحد أعضاء عشيرة قطيفان، موسى قطيفان، وجود أي ممثل للعشيرة في الخارج يمثلها.

وتشير هذه التصريحات، بشكل ضمني، إلى عدم وجود أي علاقة لدور الممثل السوري المعارض، عبد الحكيم قطيفان، الذي شارك بالحملة التي أطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم “#أنقذوا_الطفل_فواز_القطيفان“.

وخرج عبد الحكيم قطيفان في تسجيلات مصورة لأكثر من مرة خلال فترة اختطاف الطفل فواز، وأكد أن عائلة قطيفان جمعت المبلغ المطلوب من العصابة.

ونبه إلى أن عائلة قطيفان لم تطلب أي مبلغ من أي شخص أو جهة أو منظمة لجمع المبلغ المطلوب لدفع الفدية، وأن أي جهات تقوم بالادعاء أنها تمثل عائلة الطفل هي لا ترتبط بهم بصلة.

عم الطفل السوري، فواز، مصعب قطيفان في مركز شرطة درعا – 12 من شباط 2022 (سانا)

مسلحون تحت كنف النظام

عضو مكتب “توثيق الشهداء والمعتقلين في درعا”، عمر الحريري، قال لعنب بلدي، إن أكثر ما يدين النظام فيما حصل تذرعه بأن منطقة التبادل تنتشر فيها مجموعات مسلحة، ما يعني الإقرار بوجود مناطق فيها مسلحون ومجرمون والنظام يعرف بوجودهم ولا يقوم بأي دور لضبط الأمن.

ويرى الحريري أن هذه “الكذبة” (وجود مسلحين) بحد ذاتها هي غير صحيحة، والمنطقة التي جرى فيها التبادل، مثل بقية مناطق درعا والقنيطرة، والنظام هو المسيطر عليها.

وخرج الطفل فواز بعملية دفع فدية “سواء كانت بمساعدة النظام أم لا، وبذلك لا يكون له أي دور فيها”، بحسب الحريري، الذي تساءل عما هو “الإنجاز” في ذلك.

وفيما يخص اعتقال أربعة أشخاص من خربة غزالة، والإفراج عن ثلاثة واعتقال واحد منهم، يتساءل الحريري، أنه إذا كان هذا المعتقل متورطًا فعلًا، فكيف أكملت العصابة العملية ودفعت الفدية.

ولا ينفي الحريري أي تفاصيل تؤكد تورط الشخص الذي اعتقل أو ينفيها لعدم توافر أدلة، لكنه يؤكد أن “الحبكة التي يقولها النظام تضمن ثغرات عديدة، وغير مقنعة أبدًا”.

ويحاول النظام صناعة إنجاز ودور له، ولكن الوقائع تؤكد أن النظام مقصر تمامًا عن واجباته ولا يقوم بأي من مهامه، بل وقد يكون نفسه متورطًا في القضية، وقد يكون الخاطفون أنفسهم من عناصر الأمن، بحسب الحريري.

في 7 من شباط الحالي، نشرت مواقع إعلامية، أن قوات “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” المدعوم روسيًا و”المخابرات الجوية” طوّقت بلدة ابطع للبحث عن فواز.

بينما نفى قيادي في “اللواء الثامن” تتحفظ عنب بلدي على ذكر اسمه، الأنباء التي تشير إلى انتشار وتطويق بلدة ابطع بريف درعا الأوسط من قبل قوات اللواء، للبحث عن فواز.

لا أمن ولا أمان

الناشط حبيب كسابرة المقيم في درعا، قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن معدل الخطف ازداد بوتيرة متسارعة بعد سيطرة النظام على المحافظة في تموز 2018، في حين يعكس الواقع سيطرة شكلية على المنطقة على خلاف ما تدعي الرواية الرسمية بفرض الأمن والأمان.

ولم يعطِ النظام أهمية لموضوع الخطف عند تقديم السكان بلاغات عن حالات الخطف، وظهر ذلك جليًا في تعامل الأجهزة الأمنية مع قضية الطفل فواز قطيفان في البداية، قبل تحولها إلى قضية رأي عام.

ولم يستبعد كسابرة أن تكون عمليات الخطف بالتنسيق مع رئيس “الأمن العسكري”، لؤي العلي، صاحب النفوذ حاليًا في المحافظة، وذلك لبث الفوضى والاستفادة من عوائد الأموال التي يتلقاها الخاطفون، كما أن الفوضى تدفع السكان للتفكير بالهجرة لإفراغ المنطقة من شبابها.

أحد وجهاء درعا (60 عامًا) قال لعنب بلدي، إن الاهتمام الكبير بقضية خطف الطفل فواز وتحويلها إلى قضية رأي عام انعكس في اهتمام ملحّ لأجهزة الدولة لتحفظ ماء وجهها، وهذا ما دفع الخاطفين للتخوف من التواصل مع أهله رغم “شبقهم” السابق للفدية.

كما قال قيادي سابق في المعارضة السورية، لعنب بلدي، إن “السلطة غائبة الآن في درعا، إذ إن النظام عاجز عن إثبات سيطرته على أرض الواقع، وفصائل المعارضة فقدت السيطرة على الأرض بعد عام 2018، لذلك فالجهود الحالية في البحث عن المخطوفين هي جهود مجتمعية من دون قوة تنفيذية”.

وأشار القيادي إلى أن الفصائل استطاعت تحرير طفل في عام 2017 بالقوة العسكرية التي كانت تمتلكها في بلدة الجيزة بريف درعا الشرقي.

ووثّق “مكتب توثيق الشهداء في درعا” مقتل 15 شخصًا من المدنيين والمقاتلين السابقين في عمليات اغتيال واستهداف مباشر بالرصاص خلال كانون الثاني الماضي، بحسب بيان صدر مطلع شباط الحالي.

وذكر المكتب في  بيان  منفصل، أن الوتيرة المتصاعدة لعمليات ومحاولات الاغتيال في درعا تستمر رغم مرور ثلاثة أشهر على اتفاقية “التسوية” الثانية، ومنذ سيطرة قوات النظام على المحافظة في آب 2018، بعد اتفاقية “التسوية” الأولى.

أطفال مخطوفون وفديات

وكان المحامي العام في درعا، بسام العمري، أعلن عن وقوع خمس جرائم خطف لأطفال في درعا بين عامي 2021 و2022، آخرها حادثة خطف الطفل فواز قطيفان.

وقال العمري، إن طفلين عادا إلى عائلتيهما بعد القبض على الخاطفين، والثالث من خلال دفع فدية بلغت 20 مليون ليرة، بينما لا تزال طفلة مختطفة منذ سنتين.

وانخفض عدد حالات الخطف في درعا، إذ شهدت المحافظة ثماني حالات خطف خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، بينما لم تسجل سوى حالتي خطف منذ بداية العام الحالي، بحسب ما قاله العمري.

ولاتزال الطفلة سلام الخلف، ذات العشر سنوات، مختفية بعد خطفها في أثناء عودتها من مدرستها في بلدة الطيبة بريف درعا الشرقي عام 2020.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة