خبير: دعاية سياسية ومصدر للعملة الصعبة   

هل تحتاج سوريا إلى فنادق “فخمة” مع تراجع السياحة؟

camera iconحفل افتتاح فندق "غولدن مزة" في دمشق - 11 من تشرين الأول 2022 (Golden Mazzeh)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

خلال الأشهر الأخيرة، بدت رغبة حكومة النظام السوري واضحة للعلن، بتشجيع الاستثمار السياحي في مناطق سيطرتها، وذلك عقب سنوات من الدعاية المتكررة حول “عودة السياحة إلى سوريا بأفضل أشكالها”.

ورغم أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة السياحة لأعداد السياح لا تزال “دون المأمول”، فإنه، ومنذ مطلع العام الحالي، شهدت عدة مناطق واقعة تحت سيطرة النظام إطلاق عدد من المشاريع السياحية، منها أربعة فنادق “فخمة” بمستوى خمسة نجوم، وعدد من المنشآت السياحية في طرطوس واللاذقية وغيرهما.

مدير عام “هيئة الاستثمار”، مدين دياب، أرجع اهتمام حكومة النظام بتشجيع ودعم الاستثمار السياحي إلى “دوره في العملية الإنتاجية”، معتبرًا أن الاستثمارات السياحية أسرع الاستثمارات نموًا وأسرعها عائدًا.

تصريح دياب الذي نقلته وكالة “سبوتينيك” الروسية، في 16 من تشرين الأول الحالي، جاء على هامش مؤتمر لـ”الاستثمار السياحي” أقامته حكومة النظام في دمشق لمدة يومين منتصف الشهر الحالي، بحضور رسمي ومشاركة عدد من الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، عرضت فيه أكثر من 70 مشروعًا سياحيًا للاستثمار.

شركات ومشاريع

عقب انتهاء المؤتمر، تم الإعلان عن مشاريع استثمارية سياحية عديدة، أو شركات جديدة أُسست بهدف سياحي، إذ نقل موقع “أثر برس” المحلي، في 24 من تشرين الأول الحالي، عن مصادر خاصة (لم يسمِّها)، أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أصدرت قرارًا يقضي بالتصديق رسميًا على تأسيس شركتين جديدتين للاستثمار في المشاريع السياحية والفندقية.

وأضافت المصادر أن الوزارة صدّقت على تأسيس شركة “داما روز”، التي تعود ملكيتها لوزارة السياحة، وذلك بهدف “إقامة وإنشاء واستثمار الفنادق والمجمعات السياحية وتقديم الخدمات المتعلقة بها، ويحق لها تملّك واستئجار واستثمار العقارات ووسائل النقل اللازمة لتحقيق غايتها”.

كما صدّقت على تأسيس شركة “الأصايل الملكية” التي تعود ملكيتها لثلاثة مستثمرين سوريين، وذلك بهدف “إقامة وإنشاء وتنفيذ وتملّك واستثمار واستئجار الفنادق والمنشآت السياحية بجميع أشكالها وتصنيفاتها، واستيراد وتصدير مستلزمات الفنادق والمطاعم”.

وبعد انتهاء المؤتمر، وضع رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، حجر الأساس لمشروعين استثماريين هما منشأتان سياحيتان في العاصمة دمشق، بتكلفة تقديرية تصل إلى 195 مليار ليرة سورية.

وقال عرنوس، بحسب ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، إن مستثمري المشروعين “مواطنون سوريون قرروا البقاء في البلد والإسهام بإعادة الإعمار”.

أموال ودعاية سياسية

الأستاذ المُنتسِب في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، والمشارك في مشروع “زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا”، الدكتور جوزيف ضاهر، قال لعنب بلدي، إن حكومة النظام السوري تتجه نحو القطاع السياحي، بما في ذلك السياحة الدينية، لفتح وكسب مصادر دخل جديدة من جهة، وللترويج سياسيًا من جهة أخرى.

وأوضح ضاهر أن السياح الأجانب والعرب تُفرض عليهم، عند زيارة سوريا، رسوم بالدولار الأمريكي في الفنادق السورية، ما يجعل الفنادق المملوكة للدولة مصدرًا مهمًا للعملة الأجنبية، في ظل امتلاكها احتياطيات متضائلة من القطع الأجنبي، ووسط أزمة اقتصادية حادة.
وأضاف ضاهر أن الأجانب والسوريين الذين يسافرون إلى سوريا، يستفيدون أيضًا من المواقع السياحية مثل الفنادق والمطاعم، ويعززون الاستهلاك المحلي بقوتهم الشرائية العالية، كما يمكن أن يجذب تطوير السياحة الاستثمارات الأجنبية المستقبلية، خاصة من الخليج كما قبل عام 2011، معتبرًا أنه مع ذلك “لا يزال هذا النوع من الاستثمارات محدودًا”.

وأكد ضاهر أن قطاع السياحة في سوريا قبل عام 2011 كان من بين أسرع القطاعات الاقتصادية تطورًا، إذ سجل عدد الزوار الأجانب أعلى أرقامه في عام 2010، بعدد وصل لنحو 9.45 مليون زائر إلى سوريا، وشكّل القطاع حينها ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية بعد صادرات النفط.

وحقق عام 2010 عائدات من القطع الأجنبي وصلت إلى حوالي 3.9 مليار دولار أمريكي، وقُدّرت عائدات قطاع السياحة في سوريا بنحو 8.21 مليار دولار (ما يعادل 386 مليار ليرة سورية، بحسب سعر صرف الدولار أمام الليرة حينها)، بما يعادل 13.7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

واعتبر الدكتور جوزيف ضاهر أنه بالإضافة إلى الأموال، تستخدم حكومة النظام حاليًا قطاع السياحة وتشجيع الاستثمار به، لتعزيز العلاقات مع الجهات الفاعلة الإقليمية والأجنبية، وأداة دعائية لمزيد من التطبيع معه.

وكانت أول زيارة رسمية من جانب حكومة النظام إلى السعودية مثلًا في عام 2021 “بغطاء سياحي”، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد عام 2011.

ودُعي حينها وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، من قبل وزارة السياحة في السعودية ومنظمة “السياحة العالمية” لحضور “الاجتماع الـ47 للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط”.

أرقام السياحة “لا تغري”.. ما الذي يفتح الشهية؟

في 13 من تشرين الأول الحالي، قال وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، إن حكومته كانت تنتظر موسمًا سياحيًا “غير مسبوق”، معتبرًا أن أعداد السياح لهذا العام كانت “جيدة، لكنها أقل من المتوقع”.

وأوضح مرتيني، في تصريح صحفي لموقع “هاشتاغ“، أن عدد السياح القادمين إلى سوريا في الأشهر الثمانية الماضية تجاوز مليون سائح، مضيفًا أن الوزارة تعوّل على المنشآت السياحية الجديدة ومؤتمر الاستثمار السياحي، لتحسين الواقع.

وسبق للوزير أن صرح نهاية عام 2021، أن الوزارة اعتمدت خطة لعشر سنوات مقبلة لتطوير قطاع السياحة، وخاصة الشعبية منها، متوقعًا حينها أن يكون عام 2022 “عامًا سياحيًا أفضل من الأعوام السابقة”، وهو ما لم يحدث، ما يثير التساؤلات حول أسباب إقبال المستثمرين على الاستثمار السياحي في ظل الواقع السياحي “غير المشجع”.

من جهته، أوضح الدكتور جوزيف ضاهر، لعنب بلدي، أن قطاع السياحة يعتبر جذابًا للمستثمرين، لعدم حاجتهم إلى استثمارات عالية (لا حاجة إلى بنى تحتية مهمة)، وبالمقابل قدرتهم عمومًا على الحصول على عائد سريع من الأرباح.

ويرى ضاهر أن الاستثمارات في قطاع السياحة كما في العقارات والإعمار، تتوافق مع الرأسمالية التجارية والمتعلقة بالمضاربة المهيمنة في المنطقة، بما في ذلك سوريا، وهي رأسمالية متسمة بأهداف ربحية قصيرة المدى.

حفل افتتاح فندق “غولدن مزة” في دمشق – 11 من تشرين الأول 2022 (Golden Mazzeh)

السياحة ” بروباغندا”

خلال إقامة مؤتمر الاستثمار السياحي الأخير في دمشق، انتقدت صحيفة “البعث” الحكومية، في تقرير لها، توجه حكومة النظام لدعم القطاع السياحي واعتباره أولوية، بالإضافة إلى الضخ والتوسع في المشاريع السياحية في وقت تغلق فيه منشآت مهمة، ويتعطل عمل أخرى بانتظار المحروقات والطاقة لتشغيلها.

وأوردت الصحيفة، في أثناء تغطيتها للمؤتمر، أنه “في وقت بُحّت فيه حناجر صناعيين ومستثمرين وحرفيين (…) طلبًا لأبسط حقوقهم، وجدنا أريحية غير مسبوقة في لقاءاتنا مع المستثمرين خلال ملتقى الاستثمار السياحي، إذ عبّر معظمهم عن الاستجابة السريعة لمطالبهم، وتسهيل استيراد مستلزمات منشآتهم الخمسة نجوم”.

واعتبر الخبير الاقتصادي عامر شهدا، في حديث للصحيفة، أن التركيز اليوم يجب أن يكون على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي، أما السياحة فهي “مجرد تفصيل”، مضيفًا أنه رغم أهمية قطاع السياحة وتحقيقه موارد وفرص عمل، وانعكاساته الاقتصادية، توجد أولويات ومقومات لنجاح ملتقى السياحة، أهمها استقرار المواطن من خلال معالجة مشكلاته الاقتصادية، فالاستقرار الجماعي يشجع السياحة، أما تأمين مكان لإقامة أجنبي بغياب سكن للمهجر عن منزله، فهذا “ضرب من الخيال ومجرد بروباغندا”، بحسب تعبيره.

القطاع السياحي لن يتعافى قبل 2030

تحدثت صحيفة “الوحدة” الحكومية، في تقرير لها نشرته في 10 من تشرين الأول 2021، عن تقديرات لوزارة السياحة بحكومة النظام، لخسائر القطاع السياحي منذ بداية الحرب، إذ وصلت إلى نحو 330 مليار ليرة سورية.

ونقلت الصحيفة عن مدير التخطيط في وزارة السياحة، قاسم درويش، قوله، إن تقديرات الوزارة تشير إلى أن نهوض هذا القطاع بشكل ملحوظ لن يكون قبل عام 2030، و”حتى ذلك التاريخ سيبقى الاقتصاد السوري يسجل سنويًا المزيد من الخسائر التي كان يجنيها من القطاع السياحي”، بحسب تعبيره.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة