تسليم “زعيم مافيا” إيطالي.. “تطمينات أمنية” من إدلب إلى الغرب

قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني ومتزعم ووريث "مافيا كامورا" برونو كاربوني (عنب بلدي)

camera iconقائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني ومتزعم ووريث "مافيا كامورا" برونو كاربوني (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

تصدّرت حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب المشهد عقب تسليمها متزعم ووريث “مافيا كامورا”، برونو كاربوني، للسلطات الإيطالية، كواجهة مدنية، رغم وجود “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في المنطقة.

وفتحت عملية تسليم كاربوني الباب أمام الحديث عن إمكانية تحقيق مكاسب سياسية أو غيرها لحكومة “الإنقاذ”، ومدى اعتبار العملية إيجابية أو سلبية، خاصة بعد اتهامات بأن المنطقة أصبحت ملجأ للمطلوبين والهاربين.

ملاحَق دوليًا في قبضة “الإنقاذ”

أعلنت وزارة الداخلية في حكومة “الإنقاذ”، أنها سلّمت السلطات الإيطالية متزعم ووريث “مافيا كامورا”، وأحد المطلوبين الدوليين، برونو كاربوني، بعد القبض عليه في آذار الماضي من قبل حرس الحدود خلال عبوره إلى شمال غربي سوريا.

وقال وزير الداخلية في “الإنقاذ”، محمد عبد الرحمن، عبر تسجيل مصوّر في 16 من تشرين الثاني الحالي، إنه بعد التحقيقات تبيّن ضلوع كاربوني بأعمال إجرامية، على رأسها الاتجار بالمخدرات على مستوى دولي ولسنوات عديدة.

وكان كاربوني ينوي العبور إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وفق الوزير، الذي أشار إلى أن المطلوب الدولي ضالع بجرائم قتل، ويرأس عصابة مسلحة في إيطاليا.

وبعد جمع البيانات والمعلومات، بدأت “داخلية الإنقاذ” العمل على إجراءات تسليمه لحكومة بلاده أصولًا لأجل استكمال القضية وتثبيت الأدلة، وقدم الوزير الشكر للجانب التركي لتقديم التسهيلات اللازمة.

إعلان الوزير جاء بعد يوم من منشورات عديدة تحدثت عن تسليم كاربوني لإيطاليا، أبرزها ما نشره المدير العام للإعلام في حكومة “الإنقاذ”، محمد سنكري، في 15 من تشرين الثاني، بأن كاربوني جرى تسليمه أصولًا لبلاده.

كما نشرت صفحة عبر “فيس بوك” في اليوم نفسه، حملت اسم المتحدث الرسمي باسم “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب، ضياء العمر، أن “الجهاز” أوقف كاربوني الذي انتحل شخصية مكسيكية، مدعيًا هروبه بسبب غرامة فُرضت عليه كعقوبة لعمله بساعات “رولكس” مزوّرة.

المكتب الإعلامي لـ”جهاز الأمن العام”، أوضح لعنب بلدي أن قضية اعتقال كاربوني تشرف عليها “داخلية الإنقاذ”، وأن صفحة المتحدث التي نشرت المعلومات عن الإيطالي غير رسمية.

في إدلب أم في دبي؟

لاقى حديث تسليم كاربوني لإيطاليا تشكيكًا في جزئية اعتقاله بإدلب، خاصة بعد إعلان سابق بأنه اعتُقل في الإمارات العربية، إذ اعتقلت الأجهزة الأمنية في الإمارات رجل الأعمال دومينيكو ألفانو بالمطار في كانون الأول 2019، لاشتباهها به بكونه كاربوني، لكنها أفرجت عنه في كانون الثاني 2020، بعد توقيفه لمدة 32 يومًا في السجن.

وزير العدل الإيطالي، كارلو نورديو، أصدر بيانًا، في 15 من تشرين الثاني الحالي، شكر فيه نظيره الإماراتي، عبد الله النعيمي، على اعتقال كاربوني بعد وصول المطلوب في اليوم نفسه إلى إيطاليا.

وقال نورديو، “هذا الاعتقال الأخير يشهد على توطيد التعاون القضائي بين إيطاليا والإمارات”، وفق ما نقلته صحيفة “الجارديان” البريطانية.

وأكد رئيس مجموعة التحقيق الخاصة ضد المنظمات “الإجرامية” في مدينة نابولي الإيطالية، المقدم دانيلو توما، وصول كاربوني من دبي، وفق ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

وذكرت الشرطة الإيطالية أن عضو “مافيا كامورا” اعتقل في مطار “شيامبينو” بروما بعد تسليمه من الإمارات، دون أي ذكر لاعتقاله في سوريا.

في حين أشارت صحيفة “IL Foglio” الإيطالية إلى أن الإمارات ربما تكون الوسيط في تسليم كاربوني من سوريا.

من كاربوني؟

ينحدر كاربوني (45 عامًا) من إيطاليا، وهو أحد المطلوبين للاتحاد الأوروبي، ويُتهم بالمشاركة في منظمة “إجرامية” تعمل بالاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية وتهريب المخدرات، محكوم عليه بالسجن 20 عامًا.

وكان كاربوني ناشطًا في كولومبيا وهولندا وإيطاليا، وهو “سمسار” مخدرات معروف.

وفي عام 2018، بعد مرسوم تفتيش صادر عن “مديرية مكافحة المافيا” في المقاطعة، صادر الأمن 240 ألف يورو نقدًا في فيلا بجيوجليانو في كامبانيا، وتم تسجيل المنزل، الذي يقع في منطقة لاغو باتريا الإيطالية، لزوجة كاربوني السابقة.

“نموذج أمني وإداري”

أجرت حكومة “الإنقاذ”، المظلة السياسية لـ”هيئة تحرير الشام”، عمليات تسليم عديدة منذ سنوات لمواطنين أجانب بجنسيات مختلفة، فرنسية، وكندية، ويابانية، وإيطالية، وغيرها، تعرضوا لحالات اختطاف دون تحديد الجهة الخاطفة.

ولعبت دورًا في هذه العمليات، رغم حضور “تحرير الشام” وإدارتها الأمنية والعسكرية للمنطقة، ووجود “جهاز الأمن العام” المسؤول عن العديد من عمليات ملاحقة المطلوبين أمنيًا، والذي ينفي تبعيته لـ”الهيئة”.

الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي، يرى أن حكومة “الإنقاذ” تحاول، ومن خلفها الجسم السياسي والإداري الذي يقود “الهيئة”، تقديم تطمينات للمجتمع الدولي وللدول الإقليمية بأنها ليست تجمعًا عسكريًا يتبع أيديولوجيا معيّنة، وإنما هي إدارة متكاملة.

وقال علاوي لعنب بلدي، إن هذه الخطوة للدلالة على أن الحكومة قادرة على أن تكون نموذجًا أمنيًا جيدًا في المنطقة، خاصة مع الفشل الواضح لمثيلاتها في الشمال وفي مناطق سيطرة النظام.

وتشهد مناطق سيطرة “الإنقاذ”، التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، حالة من “الانضباط الأمني” مقارنة بمناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” في ريفي حلب الشمالي والشرقي ومدينتي تل أبيض ورأس العين.

ولفت علاوي إلى أن توجه “الهيئة” نحو سعيها لتكون شريكًا في أي عملية قادمة يفرض عليها تقديم الكثير من التنازلات وكذلك أوراق اعتماد، لاعتبارها جسمًا سياسيًا وإداريًا وأمنيًا ناجحًا يمكن الاعتماد عليه.

عناصر من قوات الشرطة في وزارة الداخلية بحكومة “الإنقاذ” في أحد الشوارع بمدينة إدلب- 15 من آذار 2022 (وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ)

خطوة إيجابية أم سلبية؟

القبض على كاربوني المطلوب في جميع أنحاء أوروبا من قبل إدارة شؤون نزع السلاح في إيطاليا ومن قبل وكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول)، في منطقة جغرافية ضيقة، خلق انقسامًا بين من اعتبرها خطوة إيجابية لضبط الأمن، ومن اعتبرها أمرًا سلبيًا بكونها منطقة مخترقة وملجأ للمطلوبين والهاربين من الجنايات والجنح.

الباحث في معهد “الشرق الأوسط” تشارلز ليستر قال عبر “تويتر“، إنه عمل على ملفات وقضايا تخص إدلب لمدة 11 عامًا، لكنه لم يكن يتوقع أن عضوًا سابقًا في “القاعدة” (في إشارة إلى قادة “تحرير الشام”) يعتقل أحد أكثر المطلوبين من الهاربين في أوروبا، وزعيم “مافيا”، ثم يسلّمه إلى إيطاليا.

صحيفة “”IL Foglio” الإيطالية ذكرت مؤشرين يجعلان وجود كاربوني شمال غربي سوريا خيارًا محتملًا، الأول أن المنطقة واحدة من محاور الاتجار بالمواد المخدّرة في البلاد، سواء القادمة من مناطق النظام أو التي تتورط في عملها بعض الفصائل، والثاني مرتبط بالحماية التي توقع أن يجدها كاربوني في المنطقة.

الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي قال، إن ما يجعل الانعكاسات والآثار لعملية التسليم سلبية أو إيجابية، هو نتيجة التحقيق التي تقدمها “هيئة تحرير الشام” وقدرتها على الاستفادة من هذه الخطوة.

وأوضح علاوي أن المنطقة هشة أمنيًا، معتبرًا أن دخول شخصيات كهذه أمر طبيعي في مناطق تشهد نزاعات وحروبًا، والمقصود بالمنطقة ليست فقط منطقة سيطرة “الهيئة”، بل المحيط الجغرافي الممتد من العراق حتى تركيا ومن كردستان العراق حتى الأردن، وبالتالي قد يكون انعكاسه سلبيًا على المنطقة وإيجابيًا على مناطق سيطرة “تحرير الشام”.

ما المقابل؟

مع أي عملية تسليم مطلوبين أو تحرير مختطفين يجري الحديث عن مكاسب مالية أو فدية يتلقاها الطرف الأول مقابل تسليم الأشخاص إلى الجهات التي ينحدرون منها أو التي تلاحقهم.

حديث وزير “داخلية الإنقاذ” لم يذكر أي مقابل أو مكسب لأجل تسليم كاربوني، كما لم تتضمن عمليات تسليم المختطفين السابقة أي حديث عن مقابل سواء مالي أو غيره.

وتُتهم التشكيلات العسكرية بكسب أموال طائلة لقاء الإفراج عن المختطفين، إلا أن قيمة هذه الصفقات بقيت طي الكتمان، وقوبل بعضها بالنفي.

في 15 من تشرين الثاني 2015، أطلقت “جبهة النصرة” (التي فكت ارتباطها بتنظيم “القاعدة” وتحولت إلى “تحرير الشام”) سراح غريتا راميلي وفانيسا مارزولو، عاملتي الإغاثة الإيطاليتين اللتين اختُطفتا في تموز 2014 شمالي سوريا، وذكرت تقارير إعلامية أن الإفراج عنهما كان مشروطًا بدفع فدية مالية.

وأعلنت “جبهة النصرة” حينها أن عملية الاختطاف جاءت ردًا على مشاركة إيطاليا في التحالف الدولي الذي استهدف عددًا من مواقع “النصرة” بغارات جوية في سوريا.

ونفى رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، باولو جينتيلوني (كان وزير الخارجية حينها)، دفع فدية لإطلاق سراح المتطوعتين الإيطاليتين، وقال إن “الفدية فقط تكهنات”.

عدم صدور بيان أو توضيح من “النصرة” بخصوص الفدية، ونفي المسؤول الإيطالي لدفعها، لم يمنع خروج التسريبات لبعض المواقع المحلية التي ذكرت دفع مبلغ 12 مليون دولار أمريكي للإفراج عن الفتاتين.

ورصدت عنب بلدي في وقت سابق صفقات للإفراج عن ناشطين ومقاتلين سوريين من خاطفين يتبعون لفصائل متشددة، قُدّرت قيمتها وسطيًا بـ100 ألف دولار لكل شخص.

سجل تسليم سابق

أعلنت “الإنقاذ”، في أيار 2019، تسليم مختطف إيطالي الجنسية، وهو أليساندرو سارديني، لبلاده، بعد فك أسره من قبل الجهة الخاطفة، وهي “عصابة تمتهن الخطف والابتزاز المالي”، دون تحديد هويتها.

في حين ذكرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن ساندريني مكث عند “جبهة النصرة” (تحرير الشام حاليًا) نحو ثلاث سنوات قبل الإفراج عنه في 2019، مقابل فدية مالية، دون ذكر قيمتها.

وسلّمت “الإنقاذ” الطفلة ياسمين، وهي فرنسية الأصل، إلى سفارة بلادها في تركيا، في كانون الأول 2018، بعد اختطافها على يد مقاتلين فرنسيين “جهاديين” في إدلب، ويعود تاريخ خطفها إلى عام 2017.

وفي تشرين الأول 2018، أُفرج عن الصحفي الياباني جومبي ياسودا بعد غياب المعلومات عنه لنحو عامين، ودخل إلى تركيا بعد عملية قادتها المخابرات التركية بالتعاون مع قطر، ووُجهت أصابع الاتهام إلى “جبهة النصرة” كون الصحفي الياباني اختُطف في جسر الشغور بريف إدلب، التي كانت تسيطر عليها “النصرة”، لكن “تحرير الشام” نفت ضلوعها باختطاف الصحفي حين تم الإفراج عنه.

وسلّمت “الإنقاذ” مواطنين كنديين إلى تركيا، في شباط 2018، بعد التنسيق مع السفارة الكندية، وذكرت أن الكنديين شان وجولي، دخلا عن طريق التهريب من لبنان إلى الأراضي السورية، مرورًا بمناطق النظام، ووصلا إلى قلعة المضيق في ريف حماة الغربي، بنية العبور إلى تركيا من سوريا، عبر تجار ومهربين في المناطق الحدودية.

واختُطف الإيطالي سيرجيو زاتوني في سوريا عام 2016، على يد مجموعات مسلحة لم تحدد هويتها، وأُطلق سراحه في 6 من نيسان 2016، بعملية مخابراتية واستقصائية ودبلوماسية “معقدة”، وفق بيان لمكتب وزير الخارجية الإيطالي حينها.

وتسيطر “هيئة تحرير الشام” على محافظة إدلب وجزء من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية وسهل الغاب، شمال غربي حماة، وتتحكم بالمنطقة على الصعيد الأمني والعسكري.

ولا تزال “تحرير الشام” مصنفة على لوائح “الإرهاب”، ولا يزال قائدها، “أبو محمد الجولاني”، مُدرجًا ضمن المطلوبين لأمريكا، بمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.

وتدير “تحرير الشام” المنطقة إداريًا وخدميًا عبر حكومة “الإنقاذ”، كما ينشط في المنطقة “جهاز الأمن العام” لمتابعة الملفات الأمنية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة