tag icon ع ع ع

حسام المحمود | خالد الجرعتلي | محمد فنصة

“لا يوجد زعل أو خصومة دائمة في السياسة”، على هدى هذه الجملة التي قالها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تعبيرًا عن إمكانية لقائه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مستقبلًا، تسير عجلة التقارب التركي مع النظام بمباركة روسية، حاملة تصريحات شبه يومية على لسان المسؤولين الأتراك، إلى جانب حالة نشاط سياسي ماراثونية، على مستويات وزارية، ولقاءات على مستوى أجهزة المخابرات في الغرف المغلقة، بغية التوصل إلى لقاء يجمع أردوغان بالأسد.

وبعد خصومة بدأت بدعم الحراك الشعبي، واستقبال ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها منذ بداية الثورة عام 2011، تسير تركيا اليوم نحو التقارب مع النظام السوري بخطى أثقلتها ملفات تراكمت على مدار أكثر من عقد زمني تغيّرت خلاله معطيات الثورة، وأوضاع كل الأطراف المعنية بالملف السوري، التي تسعى لمعالجة مشكلاتها الداخلية أيضًا.

عنب بلدي تناقش في هذا الملف صورة التقارب المحتمل وأبعاد تأثيره، والملفات التي يمكن أن ترسم حدوده، والفائدة التي تنشدها منه الأطراف المنخرطة في هذا الملف، إلى جانب موقف أمريكي أكثر تفصيلًا من الخطوة التركية.

تقارب سياسي.. الميدان متأثر؟

منذ منتصف عام 2022، تسارعت الجهود التركية لتحقيق تقارب مع النظام السوري، وصولًا إلى لقاء وزيري دفاع الجانبين ومديري استخباراتهما بوساطة روسية في موسكو، في 28 من كانون الأول.

ملامح التقارب هذه حملت تساؤلات حول احتمالية انعكاسه ميدانيًا، خصوصًا في الشمال السوري الذي يعتبر منطقة نفوذ تركي تدعم فيه أنقرة فصائل عسكرية معارضة للنظام، ضمن تشكيل “الجيش الوطني السوري”، بينما تتركز سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وقوات النظام في منبج وتل رفعت وعين العرب، في ريفي محافظة حلب الشمالي والشرقي.

الباحث والصحفي التركي ليفينت كمال، استبعد خلال حديث إلى عنب بلدي، تأثر الجغرافيا السورية بالتقارب السياسي بين تركيا والنظام، موضحًا أن المحادثات الحالية قد لا تُحدث تغييرًا في المدى المنظور، ولا سيما في ظل الشروط المطروحة من قبل الطرفين (تركيا والنظام).

ويرى كمال أن شروط النظام وملف “قسد” قد يعوقان التوصل إلى تسوية بين الطرفين، على الرغم من إجراء المباحثات حاليًا بهذا الشأن، بينما لا يعتبر النظام هذا الملف أولوية، إذ يرى في هذه المجموعات “خصمًا قابلًا للتفاوض”.

كما يجبر الوجود الأمريكي في المنطقة النظام على التفاوض مع “قسد” التي تضم مجموعات كردية تثير مخاوف تركيا.

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان في موسكو لحضور الاجتماع الوزاري مع روسيا والنظام السوري_ 28 من كانون الأول 2022 (وزارة الدفاع التركية)

“يمكننا التحدث عن تغيير حقيقي في المعطيات إذا كانت شروط تركيا وحدها موضع تساؤل، لكن في ظل المحادثات الثلاثية أو اجتماع الأسد وأردوغان، فإن جميع الأطراف لا تملك القدرة على حل القضايا الأساسية في سوريا”، أضاف كمال.

السفير الأمريكي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، وعبر مقال له في جريدة “الشرق الأوسط“، استبعد إمكانية حدوث تغيير في الإطار الميداني، خصوصًا في مناطق نفوذ “قسد”، مبينًا أن الأمريكيين لن يبرحوا أماكنهم، ما لم تطلب منهم المجموعات الكردية المغادرة، ولا سيما أن حزب “الاتحاد الديمقراطي” (يشكّل عماد “قسد”) استطاع تحقيق توازن بين واشنطن من جهة، ودمشق وموسكو من جهة أخرى، لردع أي عملية تركية واسعة النطاق تستهدف المنطقة.

وتلوّح أنقرة بشكل متكرر بشن عملية برية شمال شرقي سوريا لإبعاد “تهديد قسد” عن حدودها، ما يقابَل أيضًا برفض أمريكي ومحاولات روسية لثني أنقرة عن موقفها.

الباحث المختص في الشأن التركي سعيد الحاج، استبعد أيضًا انعكاس حالة التقارب بين النظام وتركيا على الصعيد الميداني خلال المستقبل القريب، خصوصًا في مناطق انتشار القوات التركية، شمالي سوريا.

وفي الوقت نفسه، لفت الحاج خلال حديث لعنب بلدي، إلى تغييرات ممكنة في انتشار النظام شمالي البلاد، نظرًا إلى المقترحات التي قدمتها موسكو سابقًا حول إمكانية نشر قواته العسكرية بديلًا من “قسد” في ريفي حلب الشمالي والشرقي، مع استبعاد تخلّي تركيا عن المكاسب التي حققتها في استراتيجيتها لـ”مكافحة الإرهاب” بهذه السهولة، بحسب الحاج.

وفي مقال رأي منشور بصحيفة “الشرق الأوسط“، قبل أيام، أوضح السفير التركي السابق في دمشق، عمر أنهون، أن الصراع السوري في 2022، انتقل إلى “مرحلة جديدة” بالنسبة للعلاقات بين دمشق وأنقرة.

كما وصف الاجتماع الوزاري الثلاثي في موسكو بأنه “بداية عملية صعبة”، وجاء نتيجة مشكلات كثيرة تراكمت على مدى 11 عامًا مضت.

سعيد الحاج قال لعنب بلدي، إن “لقاء موسكو” يعكس حقيقة أن تركيا والنظام ليست لديهما مشكلة بالجلوس على الطاولة، لكن المؤشرات تدل على اتخاذ الطرفين “جانبًا عمليًا” في التقارب.

وسبق أن قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 31 من كانون الأول 2022، إن اجتماعًا ثلاثيًا بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا، قد يُعقد في موسكو، أو في دولة ثالثة، منتصف كانون الثاني الحالي، دون أن يحدد اسم الدولة، بحسب ما نقلته صحيفة “Hurriyrt” التركية، لكنه عاد وأوضح، في 3 من كانون الثاني، أن موسكو تقدمت باقتراح لتحديد موعد، وتركيا ليست جاهزة في هذه التواريخ، إذ لن تكون الاجتماعات لمرة واحدة أو ليوم واحد، لافتًا إلى أن هناك استعدادات يتعيّن القيام بها حتى اجتماع وزراء الخارجية.

مصلحة تركية وروسيا بحاجة إلى “نائب”

الباحث والصحفي التركي ليفينت كمال، اعتبر الجهود الروسية لإحلال وفاق بين تركيا والنظام، انعكاسًا لعجلة روسية وحاجة إلى طرف يملأ الفراغ في سوريا الذي خلقه غزوها لأوكرانيا، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن أنقرة ليست بموقف فعال للغاية في هذا الإطار، بسبب نفوذها في شمالي البلاد.

ولكي يتسع النفوذ التركي في سوريا لا بد من الحوار مع دمشق، رغم أن هذه الخطة ليست عملية تمامًا، فرغم تقارب تركيا وروسيا حاليًا، لا يمكن أن تتجاهل أنقرة أن موسكو كانت “عدوًا” في وقت ما، وفق كمال.

الباحث الأكاديمي في مركز “أيام للدراسات” حسن الشاغل، قال لعنب بلدي، إن الدفع الروسي لتطبيع تركيا علاقاتها مع النظام، يصب في خدمة المصالح الاقتصادية التركية، إذ وضعت موسكو مليارات الدولارات في البنوك التركية لبناء محطة للطاقة النووية، ما أسهم باستقرار الليرة نسبيًا.

كما أتاحت روسيا لتركيا دفع ربع مستحقات الغاز الطبيعي بالروبل الروسي لتخفيف الضغط عن احتياطي الدولار في الخزينة، مع السماح بتأجيل دفع المستحقات المترتبة عليها من الغاز إلى ما بعد الانتخابات.

واشنطن لا تدعم وتتحرك على الأرض

تحدثت عنب بلدي إلى وزارة الخارجية الأمريكية، عبر مراسلة إلكترونية، للاستفسار حول الموقف الرسمي من التقارب المحتمل بين تركيا والنظام السوري، إذ دعت الخارجية في ردّها الدول التي تفكر في التطبيع مع “نظام الأسد” للنظر بعناية إلى الفظائع المروّعة التي ارتكبها ضد الشعب السوري على مدار العقد الماضي، إلى جانب جهود النظام لحرمان جزء كبير من البلاد من الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأمن.

كما شددت الخارجية على عدم دعمها جهود التطبيع، أو إعادة تأهيل “الدكتاتور الوحشي بشار الأسد”، موضحة أنها لن ترتقي بعلاقاتها الدبلوماسية معه، ولا تدعم تطبيع الدول الأخرى علاقاتها معه.

وركّزت الخارجية على عدم رفع العقوبات عن النظام السوري، أو تغيير الموقف الأمريكي المعارض لإعادة إعمار سوريا، ما لم يجرِ إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو الحل السياسي.

وتعتبر الولايات المتحدة أن التقدم السياسي الذي لا رجعة فيه، شرط ضروري وحيوي لإعادة الإعمار، موضحة عبر خارجيتها أنها لم تشهد تقدمًا في هذا الجانب.

وحول الخطوات التي يمكن أن تتخذها واشنطن لكبح جماع التطبيع مع النظام، فالخارجية الأمريكية ترى في قانون “قيصر” أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة “نظام الأسد”، ولا سيما فيما يتعلق بسجله الفظيع من انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الشعب السوري.

“الاستقرار في سوريا والمنطقة لا يمكن تحقيقه إلا عبر عملية سياسية تمثّل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والشركاء والأمم المتحدة لضمان بقاء حل سياسي دائم في المتناول”.

مصدر في الخارجية الأمريكية

وفيما يتعلق بمحاولة رسم تحالفات جديدة مستقبلًا وتأثيرها على شمال شرقي سوريا، شددت الخارجية الأمريكية على أن الغرض من وجودها في سوريا، تمكين الحملة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، التي لم تنتهِ بعد.

“ملتزمون بالحفاظ على وجودنا المحدود شمال شرقي سوريا، كجزء من استراتيجية شاملة لهزيمة (داعش) و(القاعدة) بالعمل مع ومن خلال (قوات سوريا الديمقراطية) والشركاء المحليين الآخرين”.

مصدر في الخارجية الأمريكية

الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، يرى أن أمريكا تخفي “توجسًا” من هذا التقارب، ولا سيما أنه مدفوع بوساطة روسية، وقال شواخ لعنب بلدي، إن تكثيف واشنطن نشاطها وتعزيز وجودها شمال شرقي سوريا يدل على هذا القلق.

وزادت مؤخرًا قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة نشاطها في المنطقة الشرقية من سوريا، عبر رفع أعداد الدوريات العسكرية في المنطقة إثر تخفيضها سابقًا، بحسب شواخ.

كما أن عودة القوات الأمريكية وقوات التحالف للانتشار بمحافظة الرقة مؤشر في هذا الإطار أيضًا، خصوصًا أنها انسحبت منها منذ سيطرة “قسد” على المحافظة بدعم من التحالف في 2019، على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وفي منتصف كانون الأول 2022، نقل موقع “باس نيوز” الكردي، عن مصدر مطلع في “قسد” لم يسمِّه، أن التحالف الدولي بصدد بناء قاعدة عسكرية جديدة له على ضفاف نهر “الفرات” في مدينة الرقة.

والغرض من القاعدة، وفق المصدر، “تسيير دوريات مشتركة مع (قسد) على الطريق الواصل بين الحسكة والرقة وطريق تل أبيض، لمراقبة أوضاع المنطقة”.

واعتبر ليفينت كمال أن الموقف الأمريكي لن يُتخذ بوضوح إلا بناء على تحركات “قسد” المقبلة، فتصالحها المحتمل مع النظام ربما يضعف الموقف الأمريكي في المنطقة نسبيًا، دون أن يؤثر عليه بالكامل.

الباحث سعيد الحاج يرى في هذا الصدد أن العلاقة بين النظام وتركيا قد لا تحمل مؤشرات مهمة بالنسبة لأمريكا، لكن ما يهم الأخيرة هو أن التقارب بين الطرفين مؤشر على عمق العلاقات بين أنقرة وموسكو، ما قد يشكّل مصدر قلق للأمريكيين بصورة تدفعهم لتبنّي موقف أكثر وضوحًا.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في اسطنبول – 2010 (AFP)

ملفات شائكة

الشمال.. هل يدفع الثمن

قوبل اللقاء الوزاري الثلاثي في موسكو بمظاهرات ضمن عدة نقاط في مدن وبلدات شمال غربي سوريا، تنديدًا بالتصريحات التركية حول التقارب مع النظام، وتأكيدًا على استمرارية الثورة.

وجاءت المظاهرات تلبية لدعوات أطلقها ناشطون وصفحات محلية بعنوان “نموت ولا نصالح الأسد”، وأعاد خلالها المتظاهرون التذكير بانتهاكات النظام على مدار أكثر من عقد من الزمن، من قتل وتهجير واعتقال.

وتتمحور مخاوف الأهالي في الشمال السوري حول تأثر المنطقة ذات النفوذ التركي باتفاقيات مستقبلية أو تسويات محتملة بين النظام وأنقرة، كإزالة تهديد “قسد”، وإعادة اللاجئين السوريين.

ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي عبّر فيها الشمال عن رفضه فكرة التقارب، إذ خرجت هناك مظاهرات، في 12 من آب 2022، رفضًا للمصالحة مع النظام، بعد يوم على تصريحات أدلى بها جاويش أوغلو تتعلق بالسعي للمصالحة بين النظام والمعارضة.

وتتابعت حينها بيانات قيادات عسكرية في فصائل المعارضة رفضت فكرة المصالحة.

وبحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، ومنصاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة رأي الناس باحتمالية انعكاس تقارب تركيا مع النظام على مناطق نفوذ المعارضة في شمال غربي سوريا، يرى 82% من المشاركين عبر الموقع الإلكتروني، ونحو 66% من المشاركين عبر “فيس بوك”، أن للتقارب تأثيره على الشمال، بينما يرى 18% ممن صوّتوا عبر الموقع الإلكتروني، ونحو 33% ممن صوّتوا عبر “فيس بوك”، أن تقارب الجانبين لن يحمل تأثيرًا على مناطق نفوذ المعارضة شمالي سوريا.

برأيك.. هل ينعكس تقارب تركيا مع النظام السوري على مناطق نفوذ المعارضة شمالي سوريا؟

جاري التحميل ... جاري التحميل ...

ويطالب النظام لإعادة العلاقات مع تركيا بانسحاب الأخيرة من الأراضي السورية، وإيقاف دعمها لفصائل المعارضة.

وأكد وزير الخارجية التركي، في 29 من كانون الأول 2022، نية بلاده تسليم هذه الأراضي لسوريا عندما يحصل “استقرار سياسي ويسير كل شيء بشكل جيد في البلاد”، لكن حاليًا توجد منظمات “إرهابية” لا يمكن السيطرة عليها، على حد تعبيره.

وفي 3 من كانون الثاني الحالي، التقى جاويش أوغلو قادة المعارضة السياسية المتمثلة بـ”الائتلاف الوطني”، و”الحكومة السورية المؤقتة”، و”هيئة التفاوض السورية”، مؤكدًا دعم بلاده للمعارضة والشعب السوري، وفقًا لقرار مجلس الأمن “2254”.

وبشكل مشابه، أجرى الوزير التركي، في 24 من آب 2022، لقاء مماثلًا مع قادة المعارضة أيضًا، بعد أقل من أسبوعين على مظاهرات خرجت في الشمال ردًا على حديثه حول ضرورة المصالحة بين النظام والمعارضة.

وفي تسجيل مصوّر، في 2 من كانون الثاني الحالي، تحت عنوان “لن نصالح”، رفض القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني” المصالحة، وتوعّد بإسقاط النظام وبناء دمشق من جديد، معتبرًا المباحثات التركية مع النظام وحليفه الروسي “انحرافًا خطيرًا يمس أهداف الثورة السورية”.

من جانبه، أكد رئيس “الائتلاف الوطني السوري”، سالم المسلط، في كلمة مصوّرة بعد لقائه وزير الخارجية التركي، في 4 من كانون الثاني الحالي، تمسك قوى الثورة والمعارضة بمبادئ الثورة، وضرورة تركيز الجهود لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، كما حذّر من الخداع المتواصل الذي يمارسه النظام للمماطلة ومواصلة انتهاكاته بحق السوريين.

المعابر.. ورقة تركية

تخشى أوساط المعارضة السورية أن يأخذ مسار التطبيع بين تركيا والنظام منحى تصاعديًا خلال 2023، وأن يكون فتح الطرق الدولية والمعابر الداخلية أمام حركة البضائع التركية أولى علامات التطبيع بين الجانبين، وهو ما ينشده النظام في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها مناطق سيطرته.

وعلى خلفية اللقاء الوزاري الثلاثي، قالت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، إن توافقًا جرى على انسحاب تركيا من الشمال السوري، وبحث تنفيذ اتفاق عام 2020 بين روسيا وتركيا، حول افتتاح الطريق الدولي “M4”.

وفي 2 من كانون الثاني الحالي، نقل موقع “ميدل إيست آي” عن مصدر تركي وصفه بـ”المطلع”، دون تسميته، أن اللقاء في موسكو لم يسفر عن أي قرارات أو اتفاقات.

وسبق للفصائل أن جهزت معبر “أبو الزندين” قرب مدينة الباب بريف حلب الشمالي للافتتاح في 20 من أيلول 2022، بإشراف تركي مباشر، وتحولت السيطرة عليه إلى فصيل “فرقة السلطان مراد” المعروف بتبعيته التركية، على حساب “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني” (تدعمه تركيا أيضًا) خلال معارك تشرين الأول 2022 مع “هيئة تحرير الشام”.

الباحث الأكاديمي حسن الشاغل، يرى أن النظام السوري المستفيد الأكبر إذا أُعيد فتح طريق “4M”، ما قد يتيح حصوله على مواد يحتاج إليها من تركيا، وإنعاش حركة التجارة والاستيراد والتصدير بالنسبة للنظام مع العراق، إذ يمتد الطريق حتى معبر “اليعربية” الواقع على الحدود السورية- العراقية.

من جانبها، هيّأت “تحرير الشام” في إدلب، خلال أيلول 2022، معبر “سراقب” في ريف إدلب الشرقي، وأزالت الحواجز، وهيمنت بشكل كامل على “نقاط الرباط” في خطوط التماس مع النظام على جانبي المعبر بعدما أبعدت “فيلق الشام”، واستقبل المعبر بالفعل عددًا من قوافل المساعدات الإنسانية القادمة وفق آلية “عبر الخطوط” من مناطق سيطرة النظام خلال العام 2022، دون أي تغيير منذ ذلك الوقت.

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في موسكو للمشاركة في اللقاء الوزاري الثلاثي مع روسيا والنظام السوري- 28 كانون الأول 2022 (وزارة الدفاع التركية)

عودة اللاجئين.. بانتظار “العفو”

ذكرت صحيفة “خبر تورك” التركية، في 29 من كانون الأول 2022، أن اللقاء الوزاري الثلاثي في موسكو ناقش مقترحًا روسيًا لتطبيق التجربة اللبنانية أو الأردنية فيما يتعلق بملف عودة اللاجئين، على أن تبدأ اعتبارًا من شباط المقبل، لكن النظام طلب المزيد من الوقت.

ويعتبر ملف اللاجئين من أبرز “أوراق” الأحزاب التركية المختلفة لاستقطاب الشارع التركي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف العام الحالي.

ومنذ أيار 2022، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اتجاه حكومته لإعادة مليون لاجئ سوري بشكل “طوعي” إلى بلادهم.

هذا الإعلان تبعته، في تشرين الأول من العام نفسه، تصريحات للمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، شدد خلالها على عدم ثقة اللاجئين السوريين على أراضيها، والسوريين في مناطق وجود قواتها في الشمال، بالنظام، مؤكدًا أنهم محقون في ذلك.

الصحفية التركية إسراء أوزتورك، رفضت عبر مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، مقارنة عودة اللاجئين السوريين من تركيا بالتجربة اللبنانية أو الأردنية، كون الأعداد هناك أقل، والظرف المعيشي مختلف عنه في تركيا، موضحة أن العودة من تركيا قد تكون “أصعب قليلًا”.

وعزت أوزتورك طلب النظام مزيدًا من الوقت لقبول عودة اللاجئين من تركيا لـ”إعداد مرسوم عفو عام عن العائدين”.

وبحسب الصحفية التركية، فأنقرة تعلم أن النظام لم يلتزم بمراسيم “العفو” السابقة التي أصدرها، لكن النظام يدرك عدم إمكانية استغلال أو انتهاك أي قرار “عفو” مقبل، إذا حصل بضمانة تركية وروسية.

وبحسب التقرير السنوي لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، فإن كل مراسيم “العفو” أفرجت عن 7351 معتقلًا، وما زال لدى النظام قرابة 135 ألفًا و253 معتقلًا مختفيًا قسرًا.

وفي آب 2022، نشرت صحيفة “تركيا” تقريرًا تطرّق لرغبة أنقرة باتخاذ مدن حمص، ودمشق، وحلب، مناطق تجريبية لعودة “آمنة وطوعية” للاجئين السوريين في المرحلة الأولى، مع إمكانية توسيع المناطق، وضمان سلامة اللاجئين وإعادة ممتلكاتهم، ومنحهم حقوقهم الشخصية.

التصريحات التي تدفع باتجاه تطبيع العلاقات مع النظام رافقتها أيضًا “تطمينات” أطلقها مؤخرًا وزيرا الخارجية والدفاع التركيان، مضمونها عدم تعريض السوريين في تركيا وشمالي سوريا لأي انتهاك أو إيقاعهم في أي مأزق.

إنهاء ملف “قسد”.. مصلحة مشتركة

بالتزامن مع عمليتها الجوية التي حملت اسم “المخلب- السيف”، في 20 من تشرين الثاني 2022، مستهدفة مواقع ضمن نفوذ “قسد”، تهدد تركيا بشكل متواصل بشن عملية برية في المنطقة ذاتها.

وزاد من “جدّية” التلويح التركي بالعمل العسكري، اتهام أنقرة لـ”قسد” (تعتبرها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور في تركيا)، بالوقوف خلف تفجير ضرب حي الاستقلال بمدينة اسطنبول، في 13 من تشرين الثاني 2022، الأمر الذي نفته الأخيرة.

الصحفية التركية إسراء أوزتورك، أوضحت أن التعامل مع ملف “قسد” سيقرّب النظام من حقول النفط التي تسيطر عليها، وبالتالي فإن توافق النظام مع تركيا والتوصل إلى تسوية مع المعارضة، سيمنح النظام دعمًا تركيًا لسيطرته على مناطق “قسد”.

ويأتي “التحول التركي”، وفق أوزتورك، بعدما تبيّنت أنقرة أن الدعم الأمريكي لـ”قسد” لن ينتهي، ولذا تريد وضع استراتيجية تتلخص بإنشاء تحالف لطرد “قسد” من شمال شرقي سوريا.

وتشجع موسكو منذ سنوات التطبيع التركي- السوري على أساس اتفاقية “أضنة” بين البلدين لعام 1998، بما يسمح لتركيا بمطاردة “الإرهابيين” في سوريا مع الحفاظ على “السيادة السورية”، كحل بديل عن العملية التركية.

وكان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أعلن، في 4 من كانون الثاني الحالي، إمكانية تسيير دوريات تركية- روسية مشتركة، شمالي سوريا، في خطوة فسّرتها أوزتورك كبداية لإنشاء تعاون استراتيجي متعدد الأطراف بين القوات التركية والسورية والروسية.

ما الفائدة؟ وماذا بعد؟

يتعدى ملف التقارب التركي مع النظام الجانبين، وصولًا إلى الأطراف المعنية بالملف السوري، والتي تتابع عن كثب تطورات الملف.

وإلى جانب النظام التوّاق لفك عزلته، والحكومة التركية التي انتزعت ملفي اللاجئين والتطبيع مع النظام من أنياب الأحزاب التركية المعارضة، هناك أيضًا وسيط روسي يلعب منذ سنوات دور “الحليف المنقذ” للنظام، إلى جانب دور إيراني لا يمكن تجاهله في سوريا، ولا سيما في ظل الحديث عن تعزيز حضور تركي محتمل هناك، بدفع روسي.

الباحث المختص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أوضح لعنب بلدي أن سياسة طهران تقوم على عدم وجود دولة أصلًا في سوريا، مع هيمنتها على صناعة القرار، لكنها في الوقت نفسه منشغلة بمشكلاتها الداخلية والاحتجاجات التي تعيشها منذ أشهر.

وأضاف النعيمي أن إيران تخشى أي تقارب تركي- سوري مستقبلي، وتحاول فرض وجودها في الملف السوري عبر ضغطها على النظام، كما ترى في تركيا المنافس الأبرز في سوريا على ضوء التطورات الحالية، ما يتعارض قطعًا مع مصالحها.

وبالنسبة لآفاق التقارب التركي مع النظام، شكّك الباحث في قدرة النظام على تقديم ما يفيد لأنقرة، على اعتبار أن لإيران دورًا وكلمة أيضًا، قياسًا على حالة الجنوب السوري الذي تعهدت روسيا بالإشراف على تسوياته، وحماية الراغبين في البقاء ضمن مناطقهم، لكن إيران تسعى بشكل متواصل للتوغل هناك.

كما اعتبر النعيمي أن الأضرار التي قد ينتجها تقارب تركيا مع النظام، تفوق المكتسبات التركية المحتملة، ولا سيما مع عدم ترحيب أمريكي أو دولي.

وحول أسباب تسارع وتيرة النشاط السياسي والدبلوماسي بغية تتويجه بالتقارب، بيّن الباحث في المعهد العالي للدراسات الدولية بجنيف بلال السلايمة لعنب بلدي، أن التقارب مدفوع بعاملين رئيسين، أولهما الضغط الروسي بهذا الاتجاه، وتحديدًا من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسبب علاقته الشخصية مع الرئيس التركي، فمعظم تصريحات أردوغان بهذا الصدد والاتصالات الجارية، جاءت على متن طائرة العودة من موسكو، أو بعد اتصال هاتفي مع بوتين، وهذا التزامن ذو معنى.

والعامل الثاني اقتراب الانتخابات ولعب المعارضة على هذا الوتر، والحكومة التركية معنية بسحب الملف من يد المعارضة، إلى جانب وجود عامل غير مباشر يتعلق بتراجع جذوة الثورة السورية، وتراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري، ولا سيما مع التركيز الحالي على الملف الأوكراني، وعدم جدوى مسار “جنيف” السياسي، وتعطيل عمل اللجنة الدستورية، وغيرها من الأسباب التي حرّكت مجتمعة رياح التقارب.

وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو يلتقي قادة المعارضة_ 3 من كانون الثاني 2023 (جاويش أوغلو تويتر)

وحول فائدة الأطراف المعنية، أكد السلايمة أن المستفيد الأول إضافة للنظام، هما روسيا وإيران، فموسكو معنية بتعويم النظام، كما أن روسيا وإيران معنيتان بالتعاون بين تركيا والنظام، ولا سيما في شرق الفرات، لمحاولة الضغط على الوجود الأمريكي هناك.

“لثلاثي (أستانة) مصلحة مشتركة في إخراج أمريكا من شرق الفرات، ولذلك فالتقارب المستقبلي يقدّم منفعة ثلاثية، وخصوصًا لإيران وروسيا، للضغط على الطرف الأمريكي”.

د. بلال السلايمة

باحث في معهد الدراسات الدولية بجنيف

كما اعتبر الباحث أن مستقبل التقارب بين الجانبين غير مثمر على المدى القريب لسببين، أولهما مرتبط برغبة النظام فعلًا بالتقارب، فهو غير معنيّ بالعملية في ظل وجود الحكومة التركية الحالية، وقد يكون حاضرًا في المباحثات بضغط روسي مباشر، لكنه معنيّ بالتعاون الأمني مع تركيا، دون الملف السياسي، لأنه يتطلع لإمكانية حدوث تغيير على المستوى السياسي في تركيا، ما قد يسهل التعامل مع أي حكومة يمكن أن تحل محل حكومة أردوغان أو حزب “العدالة والتنمية”.

أما السبب الثاني لعدم جدوى التقارب، فيتجلى في أن تركيا تريد من النظام التعامل في مسألتين، هما عودة اللاجئين وتوفير البيئة الآمنة لعودتهم، وملف شرق الفرات، لكن النظام غير قادر على استقبال اللاجئين، ولا قدرات اقتصادية لديه بهذا الصدد، وفق السلايمة.

كما أن اللاجئين أنفسهم لا رغبة لديهم بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام في ظل وجود التركيبة الأمنية الحالية، وانعكس ذلك بوضوح في لبنان، فرغم ضغوط كبيرة من قبل الحكومة والأطراف اللبنانية والوضع الاقتصادي المتردي، لم يرجع سوى مئات السوريين، ما يعني أن الهدف الأول لتركيا صعب المنال أو التحقق في المدى المنظور.

وفيما يتعلق بإخراج “قسد” من شرق الفرات، فهذا الأمر جوابه ليس فقط بيد أنقرة ودمشق وموسكو وطهران، فهو مرتبط أيضًا، برأي الباحث، بالوجود الأمريكي في هذه المناطق، وأمريكا تتعامل مع المسألة بتحفظ واضح، سواء من حيث وجودها على الأرض، أو على مستوى التصريحات، ما يعني أن لا تقارب مثمر على المدى القريب، وإن استمرت اللقاءات، فسيحدث ذلك بضغط روسي على الطرفين.

وخلال السنوات القليلة الماضية، استعاد النظام علاقاته ببعض الدول العربية، كالإمارات والأردن، لكن هذه العلاقات خطت في مسارين مختلفين، إذ عززت أبو ظبي علاقتها بالنظام عبر افتتاح سفارتها في دمشق، عام 2018، وتبادل الزيارات، ومنح الأسد أولى زياراته الخارجية لبلد عربي منذ اندلاع الثورة، إلى جانب دعمه على أكثر من مستوى.

أما الأردن، فرغم تراجعه عن التصريحات التي طالبت الأسد بالتنحي، وإعادة استقباله السفير السوري في عمان عام 2018، والزيارات المتبادلة لوفود اقتصادية، فإنه لم يخطُ أبعد من التطلعات الاقتصادية التي تسبق تنشيط العلاقات سياسيًا، ولم يحقق في الوقت نفسه لقاء بين الأسد والملك الأردني، على خلاف الحالة مع الإمارات.

وفي هذا السياق، لا يحبذ الباحث بلال السلايمة مقارنة علاقات النظام المحتملة مع تركيا بعلاقة النظام مع الأردن أو الإمارات، باعتبار أن ديناميكيات ودوافع كل علاقة مختلفة.

English version of the article

مقالات متعلقة