موافقة روسيا على المساعدات “عبر الحدود” رهن التقارب السوري- التركي

camera iconعمال يتفقدون قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة بعد دخولها سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا- 28 تموز 2022(عنب بلدي- إياد عبد الجواد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – لجين مراد

قبيل التصويت على قرار مجلس الأمن رقم “2642”، الذي يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غربي سوريا عبر معبر “باب الهوى”، ظهرت تصريحات روسية ترجح تمديد القرار وتناقض تصريحات سابقة أكدت فيها رفض ذلك.

وفي مطلع كانون الثاني الحالي، قال دبلوماسيون لوكالة “رويترز”، إن روسيا أبلغت أعضاء مجلس الأمن الدولي بأنها ستسمح على “الأرجح” بتسليم المساعدات الإنسانية لستة أشهر إضافية، على خلاف تصريحات لسفير روسيا لدى الأمم المتحدة في أواخر كانون الأول 2022، أكد فيها رفض بلاده لذلك القرار باعتباره “انتهاكًا لسيادة سوريا”.

تغيّر مفاجئ سبق التصويت على القرار المقرر إجراؤه في 10 من كانون الثاني الحالي، أعطى إشارة مطمئنة للسوريين بعدم استخدام روسيا حق “النقض” (الفيتو)، وأثار تساؤلات حول أسباب تراجعها عن موقفها.

مرونة “متوقعة”

واصلت روسيا خلال السنوات الماضية التحكم بقرار تمديد المساعدات من خلال استخدام حق “الفيتو”، ونجحت بتقليص عدد معابر إيصال المساعدات لتقتصر على معبر “باب الهوى”.

وخفضت روسيا مدة تمديد القرار خلال تصويت مجلس الأمن في 12 من تموز 2022 إلى ستة أشهر، في حين كانت المدة المقترحة سنة.

ويعود موقف روسيا إلى رغبتها بأن تكون المساعدات “عبر الخطوط” (عبر الأراضي الخاضعة لنفوذ النظام)، لتمكّن السلطة المركزية في دمشق من التحكم بملف المساعدات الأممية، وهو ما ظهر مرارًا في التصريحات الروسية حول الملف.

في المقابل، ظهر موقف روسيا الجديد مخالفًا للتوقعات بالثبات على رفض تمديد قرار المساعدات “عبر الحدود”، تزامنًا مع وجود تقدم في مسار التقارب التركي- السوري الذي تدفع روسيا باتجاهه منذ أشهر.

الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن “ليونة روسيا تجاه ملف المساعدات متوقعة ومرهونة بمستقبل التقارب بين تركيا والنظام السوري”.

ويرى السيد عمر أن التقارب التركي- السوري والتفاهمات المستقبلية المتوقعة بين الطرفين تعد “حاسمة” في الموقف الروسي.

ومن المتوقع أن يكون الموقف الروسي أكثر مرونة تجاه ملف المساعدات بالمستقبل في حال انسجام المواقف بين تركيا والنظام السوري، بينما سيعيد عدم الانسجام الموقف الروسي إلى ما كان عليه سابقًا، وفق ما قاله السيد عمر.

وأشار الباحث إلى ضرورة أخذ الموقف الأمريكي من التقارب بعين الاعتبار، فالقضية مرتبطة بأطراف عدة بينها أمريكا التي لم تُظهر موقفًا واضحًا حتى الآن.

وشهد ملف التقارب السوري- التركي بدفع روسي عديدًا من التحركات منذ أواخر عام 2022، أبرزها عقد لقاء ثلاثي جمع وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري، بالعاصمة الروسية موسكو، في كانون الأول من العام نفسه.

عمال يتفقدون قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة بعد دخولها سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا- 28 تموز 2022(عنب بلدي- إياد عبد الجواد)

معركة سياسية بـ”غطاء إنساني”

تتهم روسيا المجتمع الدولي بتسييس ملف المساعدات من خلال الإصرار على إيصال المساعدات “عبر الحدود”، بينما تواصل موسكو التعامل مع الملف على أنه ورقة ضغط لتحقيق مصالح سياسية.

ورغم أن مصير حوالي أربعة ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا مرهون بملف المساعدات “عبر الحدود”، تعمّد النظام السوري وحليفه الروسي تسييسه ليخدم مصالحهما.

ويعد موقف روسيا الرافض لإيصال المساعدات “عبر الحدود” لأسباب “قانونية”، ذريعة للضغط على أعضاء مجلس الأمن للموافقة على إدخال المساعدات “عبر الخطوط”، وفق ما قاله الدكتور يحيى السيد عمر.

من جهته، قال مدير منظمة “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء)، رائد الصالح، لعنب بلدي، إن روسيا ربطت استمرار المساعدات بتنازلات من المجتمع الدولي هدفها دعم النظام السوري ومحاولة تعويمه سياسيًا، معتبرًا أن الملف تحوّل إلى “معركة سياسية بغطاء إنساني”.

وترفض المنظمات المحلية والدولية إخضاع الملف الإنساني والمساعدات المنقذة للأرواح للابتزاز الروسي، ومنح النظام السوري مزيدًا من السيطرة على المساعدات الإنسانية من خلال الضغط لزيادة وتيرة قوافل المساعدات “عبر الخطوط”، بحسب ما قاله الصالح.

خطوات للحد من تسييس المساعدات

أمام الضغط الروسي لإيقاف إيصال المساعدات “عبر الحدود”، اتخذت المنظمات المحلية والدولية إلى جانب الدول المانحة خطوات للحد من تسييس ملف المساعدات، وإنقاذ ملايين السوريين في شمال غربي سوريا.

وفي ظل تفاقم الأزمة الإنسانية وتزايد أعداد الأشخاص الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات، تتعمق حاجة المنطقة إلى استمرار تمرير المساعدات بعيدًا عن خطر التلاعب بها، أو تحويلها إلى أداة بيد النظام السوري.

عمال يتفقدون قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة بعد دخولها سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا- 28 تموز 2022(عنب بلدي- إياد عبد الجواد)

مبادرة “إنصاف”

برز الحديث خلال الأيام الماضية عن آلية جديدة لإيصال المساعدات إلى شمال غربي سوريا.

مدير منظمة “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح، قال إن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية تعملان على آلية مستقلة لإيصال المساعدات بمعزل عن المنظمات الأممية، أُطلق عليها اسم “إنصاف”.

وتقدم الآلية ثلاثة أنواع من المساعدات، هي مساعدات نقدية للسكان في شمال غربي سوريا، ومساعدات تعليمية، بالإضافة إلى مساعدات طبية، وسيبدأ تطبيقها في منتصف كانون الثاني الحالي أو أواخره.

ويمكن أن تسهم المبادرة بتخفيف الأزمة الإنسانية، سواء جُدد التفويض الأممي لإدخال المساعدات أم لم يجدد، وفق ما قاله الصالح، لافتًا إلى أنها يمكن أن تغطي الحاجة بشكل “جزئي” فقط في حال نجحت روسيا بتعطيل تمديد القرار.

أدلة على قانونية المساعدات

أعدّ “التحالف الإغاثي الأمريكي من أجل سوريا” (ARCS) ومجموعة من المنظمات السورية دراسة حول قانونية تمديد قرار المساعدات “عبر الحدود” في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية بالمنطقة، واستمرار النظام السوري وحليفه الروسي بمحاولة تسييس المساعدات، دون تصويت مجلس الأمن.

وتعد الدراسة التي أصدرتها منظمة “Guernica 37” بتفويض من “ARCS” وشركائه، بينهم “الخوذ البيضاء”، في تشرين الثاني 2022، أول دليل يثبت أن المساعدات “عبر الحدود” قانونية، وغير قابلة للتسييس.

وفي حين تعد الإشكالية بالنسبة للنظام السوري وحليفه الروسي بعبور المنظمات الأممية الحدود السورية، أثبتت الدراسة أن آلية نقل المساعدات من خلال معبر “باب الهوى” عابرة للحدود، إذ ينتهي دور ممثلي الوكالات الأممية عند الحدود التركية، بينما تسلّم المساعدات للمنظمات المحلية الشريكة غير الحكومية في سوريا.

واجتمعت المنظمات التي عملت على الدراسة مع عديد من الدول الفاعلة لإطلاعها على نتائج الدراسة، لتأكيد ضرورة إخراج آلية المساعدات “عبر الحدود” من مجلس الأمن، وفق ما قاله مدير “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح.

لا بدائل تسد الحاجة

رغم زيادة وتيرة قوافل المساعدات “عبر الخطوط” خلال الأشهر الستة الماضية، اتفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، والمبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال إحاطتهما الأخيرة لعام 2022، على أن المساعدات “عبر الخطوط” كانت “مخيّبة للآمال”.

كما أكدت عديد من التقارير أن المساعدات “عبر الخطوط” غير كافية، خصوصًا في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية.

ورغم طرح بدائل للمساعدات “عبر الحدود”، ودفع روسيا والنظام باتجاه الاكتفاء بالمساعدات “عبر الخطوط”، تواصل المنظمات الإنسانية المطالبة بتمديد القرار “2642” والتحذير من عواقب تجميده.

مدير “الخوذ البيضاء”، رائد الصالح، قال إنه لا بديل للمساعدات “عبر الحدود”، خصوصًا بعد أن أثبتت التجارب السابقة استخدام نظام الأسد المساعدات الإنسانية كسلاح.

وأوضح الصالح أن النظام السوري عرقل وصول المساعدات مرارًا إلى المناطق الخارجة عن سيطرته كجزء من تكتيكات الحرب والعقاب الجماعي وحصار السكان.

وتعد معظم الحلول المطروحة بالوقت الراهن مؤقتة ولا تغطي الحاجة، بما في ذلك المساعدات “عبر الحدود”، إذ تشهد أعداد الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات تزايدًا مستمرًا.

وبلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص في العام الحالي، وفق إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة