المصابون بالأمراض المزمنة.. هل يصومون

المصابون بالأمراض المزمنة

camera iconImage Source: Canva

tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

مع اقتراب حلول شهر رمضان، لا بد من تعريف أصحاب الأمراض المزمنة بإمكانية صيامهم من عدمها، وما التوصيات الخاصة لكل مرض في حال قرر صاحبه الصيام، وما مدى تأثير الصيام على صحة هؤلاء، مع التأكيد أن لكل مريض خصوصيته، لذا فإن القول الفصل في صيام المريض أو عدمه يكون للطبيب المعالج.

الداء السكري والصيام

ليست هناك قاعدة ثابتة لتحديد إمكانية صيام مريض السكري من عدمها، إذ يختلف القرار من مريض لآخر وفقًا لطبيعة مرضه، فالمرضى المعالَجون بحقن الإنسولين ويأخذون جرعة واحدة يوميًا أو جرعتين يمكنهم الصيام على أن يراجعوا أطباءهم قبيل بدء رمضان لتعديل كميات الجرعات ومواعيدها، والمرضى الذين يأخذون عدة حقن من الإنسولين يوميًا لا يمكنهم الصيام، لأنه يسبب خطرًا مؤكدًا على صحتهم.

أما المرضى المعالَجون بخافضات السكر الفموية (حبوب)، فالذين يتناولون جرعة واحدة يوميًا يمكنهم الصيام على أن يؤخذ الدواء قبل وجبة الإفطار مباشرة، والمرضى الذين يتناولون جرعتين يوميًا يمكنهم الصيام أيضًا بحيث تؤخذ جرعة قبل وجبة الإفطار وجرعة قبل وجبة السحور على أن تخفض جرعة السحور إلى النصف.

ويجب على مريض السكري الصائم أن يلتزم ببعض القواعد، فمن المتفق عليه أن جرعة الدواء الصباحية قبل رمضان تصبح قبل وجبة الإفطار وجرعة المساء تصبح قبل السحور، وعلى المريض أن يتناول ثلاث وجبات يوميًا، وجبتين رئيستين هما الفطور والسحور، ووجبة ثالثة خفيفة بين الوجبتين مع تأخير وجبة السحور إلى ما قبل أذان الفجر مباشرة. ويجب الإكثار من تناول الماء والسوائل غير المحلاة في أثناء فترة الإفطار لتعويض فترة الصيام وتجنب التجفاف.

ويجب تجنب الإجهاد خلال الساعتين الأخيرتين قبل الإفطار لتجنب انخفاض سكر الدم بشكل زائد، وفي حال ظهور أعراض هبوط السكر (إحساس بالجوع مع دوخة وصداع وتعرق وشعور بالعصبية واضطراب رؤية ورعشة بالأطراف وتسرع بضربات القلب ونعاس)، يجب كسر الصيام فورًا وتناول مادة سكرية وعدم الانتظار، حتى لو كان ذلك قبل أذان المغرب بفترة وجيزة.

قرحة المعدة والصيام

يشكو المريض المصاب بالقرحة الهضمية المعدية أو الاثني عشرية من الألم عند الجوع، فإذا ما عولجت القرحة وشفيت يمكن للمريض الصيام، ولكن إذا كانت القرحة حادة (آلام عند الجوع، ألم يوقظ المريض من نومه) أو حدثت انتكاسة حادة في قرحة مزمنة أو عند حدوث مضاعفات القرحة، كالنزيف الهضمي أو عند استمرار الأعراض رغم العلاج الدوائي، فيجب الإفطار في كل هذه الحالات.

الأمراض القلبية والصيام

معظم المصابين بالأمراض القلبية يستطيعون الصيام دون مشكلات، بل على العكس، يؤدي الصيام في أثناء النهار إلى توقف عملية الهضم، وبالتالي لا توجد حاجة لكميات كبيرة من الدم في الجهاز الهضمي، ما يخفف الجهد عن القلب ويحقق راحة أكبر. وكذلك يستطيع مرضى ارتفاع التوتر الشرياني الصيام بشرط تناول أدويتهم بانتظام، والابتعاد عن “الموالح” و”المخللات” وتخفيف ملح الطعام.

ولكن هناك بعض الحالات التي لا يسمح فيها بالصيام، كاحتشاء العضلة القلبية (الجلطة) الحديث خاصة خلال أول ستة أسابيع من الإصابة، والخناق الصدري (الذبحة) غير المستقر، وقصور عضلة القلب الحاد غير المستقر، والتضيق الشديد أو القصور الشديد في صمامات القلب، والاضطرابات الخطيرة في نظم القلب.

أمراض الكبد والصيام

بالنسبة للكبد السليمة، فإن الصيام عمومًا له دور إيجابي عليها، فعند الصوم تقل معالجة الكبد لكثير من المواد الغذائية الموجودة في الطعام، ما يتيح إمكانية تعافيها، وخاصة الكبد الدهنية.

في حين أن الصيام غير ممكن لجميع مرضى الكبد، إذ يقسمون بشكل عام إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: المرضى الذين يعانون التهابًا فيروسيًا مزمنًا في الكبد (“B” أو “C”) أو أمراض الكبد المزمنة الأخرى، وعادة ما يكون هؤلاء المرضى قادرين على الصيام، خاصة في الحالات التي تكون فيها أنزيمات الكبد سويّة.

المجموعة الثانية: مرضى تليف الكبد البسيط مع وظائف الكبد الطبيعية، وعادة ما يكون هؤلاء المرضى قادرين على الصيام بشرط ألا يواجهوا أي مضاعفات.

المجموعة الثالثة: مرضى تليف الكبد المتقدم، وهؤلاء بشكل عام غير قادرين على الصيام بسبب العلاجات المطلوبة.

القولون العصبي والصيام

قد تتفاوت أعراض القولون العصبي في رمضان من شخص لآخر، إذ يمكن أن تتحسن حالة مريض القولون العصبي في رمضان في حال كان تناول الطعام يسبب تفاقم الأعراض، ففي هذه الحالة قد يستفيد المريض من الصيام في تخفيف هذه الأعراض والتحكم بها، ولكن في بعض الحالات قد يزداد ألم القولون في رمضان، بسبب ميل الصائم لتناول كميات كبيرة من الطعام بعد الصيام الطويل، ما يؤدي إلى تفاقم الأعراض.

ولذلك يُنصح مرضى القولون العصبي في رمضان بـ:

تناول الأطعمة المحتوية على الشوفان لعلاج الانتفاخ والغازات.

تناول الطعام ببطء.

تجنب المشروبات الغازية.

عدم شرب أكثر من ثلاثة أكواب من القهوة يوميًا.

تجنب بعض الخضراوات والفواكه التي قد تسبب انتفاخ البطن والغازات.

شرب كميات كافية من السوائل.

عدم تناول كميات كبيرة من الطعام على الإفطار.

التخفيف من مستويات التوتر والقلق.

الشقيقة والصيام

ليس للصيام تأثير سلبي على تكرار صداع الشقيقة أو ما يُعرف بالصداع النصفي إذا تجنب المريض النوم لفترات طويلة، واتبع نظامًا غذائيًا متزنًا، ولكن يمكن أن تزداد هجمات الصداع النصفي خلال شهر رمضان خاصة في الأسبوع الأول من الصيام نتيجة لعديد من الأسباب مثل:

نقص الماء من الجسم، حيث يؤدي ذلك إلى إفراز مادة الهيستامين التي بدورها توسع الأوعية الدموية في الرأس، ما يزيد من خطر الإصابة بهجمات الصداع.

نقص السكر في الدم.

ارتفاع مستوى الكاتيكولامين في الجسم، الذي يحدث في الصيام.

الإجهاد وتغير نظام الحياة اليومي.

سوء جودة النوم، والنوم بشكل متقطع ولعدد ساعات غير كافٍ.

توقف المريض عن التدخين بشكل مفاجئ.

انقطاع الكافيين عن الجسم بشكل مفاجئ، ما يسبب أعراض سحب الكافيين.

تناول الكربوهيدرات بشكل مفرط خلال وجبة الإفطار أو السحور، حيث يؤدي ذلك إلى الارتفاع السريع للإنسولين في الدم، وهذا قد يؤدي إلى نقص مفاجئ للسكر في الدم.

ولكن يمكن لبعض النصائح الغذائية أن تساعد على التخفيف من أثر الصيام على تكرار هجمات الصداع النصفي، مثل شرب كميات كافية من الماء في المساء، وتجنب الإكثار من شرب الكافيين لأنه يعمل كمدر للسوائل، والتخفيف من تناول الكافيين الموجود في الشاي والقهوة بشكل تدريجي في الأسابيع السابقة لشهر رمضان، وتناول وجبة منخفضة الكربوهيدرات على السحور لتجنب ارتفاع الإنسولين الذي ينقص مستوى السكر خلال الصيام، وإضافة نسبة من الألياف على وجبة السحور لإطالة تأثير وجود السكر في الدم، فالألياف يتم امتصاصها بشكل بطيء في الجسم، وتشمل الأطعمة ذات الامتصاص البطيء والتي تحتوي على القليل من السكر والفاصولياء والعدس وجميع الخضراوات غير النشوية والبطاطا والحبوب الكاملة (مثل خبز القمح الكامل، والخبز المحتوي على نسبة عالية من الألياف، وحبوب الإفطار) ومعظم الفواكه.

الربو والصيام

عادة ما يتحسن الربو على الصيام، إذ إنه يحسّن كفاءة الرئتين ويساعد على راحة المريض، ففي أثناء الصيام يقل نتاج البدن من الفضلات الغازية التي تطرح عن طريق الرئتين، ما يخفف عنهما العبء، ويؤدي إلى تخلصهما من عوامل الإثارة والتهيج.

ولكن رغم ذلك فقد يصاب المريض بأزمة ربو، فإذا كانت خفيفة يمكنه استخدام بخاخ موسع القصبات، وقد أفتى كثير من العلماء بأن هذه البخاخات لا تعتبر من المفطرات كونها تؤخذ استنشاقًا وتصل عن طريق القصبات إلى الرئتين لا إلى المعدة، وبالتالي فهي ليست طعامًا ولا شرابًا ولا شبيهًا بهما، ولكن إذا اشتدت الحالة فترافقت بضيق نفس مع حكة في البلعوم أو ضيق بالحنجرة وقشع لزج يصعب إخراجه، عندها يجب على المريض أن يفطر ويتناول كميات كبيرة من السوائل الدافئة ويستنشق بخار الماء الحار.

وأما أزمات الربو الحادة الشديدة (نوبة ربوية) فهي تعتبر حالات طوارئ تستدعي الإفطار وإعطاء السوائل الوريدية وحقن الكورتيزون وغيرها.

ويجب على مريض الربو الصائم أن يستعمل الأدوية بشكل دقيق ما بين الفطور والسحور حسب تعليمات الطبيب، وأن يتناول السوائل الحارة عند الإفطار، ويشرب كميات كافية من الماء ما بين الفطور والسحور حتى لا يصاب بالجفاف وتزداد بالتالي لزوجة القشع، كذلك يجب أن يتجنب كل ما يثير الحساسية كالفلفل والبهارات أو الرائح المخرشة والدخان والغبار، إضافة إلى الابتعاد عن بذل أي مجهود جسمي شديد والابتعاد عن الانفعالات النفسية قدر الإمكان.

أمراض الكلية والصيام

إذا كانت الكليتان سليمتين فإن الصيام راحة لهما وعافية، ولكن عندما مرضهما يصبح عبئًا عليهما خصوصًا في المناطق الحارة.

ففي حالة الإصابة بالحصوات الكلوية قد تزداد الحالة سوءًا بسبب الجفاف لعدم شرب السوائل بكميات كافية، ولذلك يستحسن عدم الصيام في الأيام الشديدة الحرارة، ولكن عند الصيام يُنصح المرضى بتناول كميات وافرة من السوائل في المساء وعند السحور، مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني في أثناء النهار.

كذلك يُنصح المصابون بالفشل الكلوي المزمن بعدم الصيام، إلا إذا كان المريض يتلقى الغسل الكلوي فربما يستطيع الصوم في اليوم الذي لا يجري فيه غسل الكلى، ويفطر في يوم الغسل الكلوي.

الأمراض العصبية والنفسية والصيام

يستطيع المرضى المصابون بالصرع أو الاختلاجات الصيام ما داموا يتناولون الأدوية بشكل منتظم، وقد تبيّن أن الصيام يحدّ من بعض الأمراض النفسية، كالاكتئاب والقلق والخوف والهلع، ويمكن أن تتحسن الأعراض عند هؤلاء المرضى على الصيام، وعادة ما يبدأ التحسن المزاجي في الظهور بعد حوالي ثمانية أيام من بدء الصيام، ويحدث هذا التأثير من الناحية العضوية نتيجة انتظام عمل الجهاز العصبي اللاإرادي، وكذلك منظومة الغدد في الجسم المفرزة للهرمونات، فقد تبيّن أن الصيام يؤدي إلى:

زيادة الوسائط العصبية والهرمونات التي يفرزها الجسم، مثل: الأدرينالين، والكورتيزون، والدوبامين.

انخفاض في إفراز هرمون الغدة الدرقية.

زيادة إفراز الأندورفين، الذي يعد بمنزلة مورفين طبيعي يفرزه الجسم.

وبهذا يتبيّن أنه ليس هنالك مانع طبي من صيام المريض النفسي، شرط استمراره بتناول أدويته بشكل منتظم وفق مشورة الطبيب المعالج، ويمكن تغيير موعد أخذ الدواء بما يتناسب مع فترة الصيام، وقد يلجأ الأطباء النفسيون إلى استخدام العلاجات ذات المفعول الطويل التي تعطى مرة واحدة في اليوم وتغني المريض عن أخذ جرعات متكررة.

ولكن لا يستحسن الصيام لمرضى الفصام، خشية أن يؤدي التوقف عن استعمال الأدوية إلى نوبات من العنف والاعتداء على الآخرين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة