العنصرية تخسر في “النار بالنار”.. الواقع مختلف

الممثل عابد فهد بدور عمران من أحد مشاهد مسلسل "النار بالنار"

camera iconالممثل عابد فهد بدور "عمران" من أحد مشاهد مسلسل "النار بالنار"

tag icon ع ع ع

مع نهاية عرض المسلسل المشترك “النار بالنار”، الذي توقف عند 30 حلقة، على عدد أيام موسم العرض الدرامي الرمضاني، انتصر الحس الإنساني على حالة العنصرية التي هيمنت على العمل منذ بدايته، وحولت ممثليه إلى فريقين.

وبعد تصاعد الأحداث، وتغير تدريجي في وجهة نظر “عزيز” حيال السوريين، ينقلب هذا الكره إلى حب، ليجد نفسه بعد سنوات طويلة من التفكير العنصري وإقصاء الآخر واقعًا في غرام “مريم”، سيدة سورية بسيطة أسهمت بحضورها اللطيف في تغيير قناعاته.

ورغم مساعي العمل لتجسيد إشكالية حاضرة، خلافًا للأعمال المشتركة التي تحلّق بعيدًا عن قضايا الناس نحو عوالم نموذجية وحياة ترف لا يراها المشاهد إلا عبر الشاشة، مع تركيزه على قضية ملموسة لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها، فإن ما جرى فعلًا هو تحجيم وتوجيه للمشكلة في مسار واحد فقط، رغم وجود آخر أقرب زمنيًا، ويعتبر امتدادًا للمسار الأول.

في المسلسل يبرر “عزيز” حالة كراهيته للسوريين بالوجود العسكري السوري في لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي حتى 30 من نيسان 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في 14 من شباط في العام نفسه.

وخلال هذا الوجود، وفق المسلسل، فقد “عزيز” والده، معتقدًا أنه قُتل على يد السوريين، ما تركه في حالة حقد لا تتطور لانتقام، ولا تتراجع إلى تسامح، في ظل عدم معرفته يقينًا بالمتورط باختفاء والده لعقود من الزمن، ما يعني أن مصير الأب مجهول، وليس محسومًا أصلًا.

تركّز كثير من حوارات “عزيز” مع “جميل”، الجار اليساري الفقير المثقف المتصالح مع البشرية جمعاء، على نظرة الأول للسوريين، ليقود الحديث نحو نظرة “عزيز” المبنية على ثقافة ومستوى اجتماعي وعلمي وفكري للقادم من البلد الجار، دون نجاة من تحميل المقيم السوري مسؤولية ما اقترفه “الجيش السوري” من “فظائع” في لبنان.

مريم تتحدث إلى عزيز في أحد مشاهد مسلسل "النار بالنار"

السوري واللبناني ضحايا

ابتعد “النار بالنار” عن صورة الوجود السوري في لبنان حاليًا، وتجاهل تحميل الحكومة اللبنانية وشريحة من المواطنين مسؤولية تدني الواقع المعيشي وتدهور الوضع الاقتصادي للاجئين السوريين، كما لم يتطرق لأسباب لجوئهم، ومحاولة السلطات اللبنانية الدفع نحو إعادتهم إلى مناطق سيطرة النظام، واستخدمهم سياسيًا كوسيلة لتعزيز الدعم الدولي المقدم لهم، على اعتبار أن لبنان غير قادر على تحمل أعبائهم.

هذا السلوك الذي يمكن أن يتطور لحادثة تعذيب أو قتل أو إحراق مخيم بدافع الكراهية، وصولًا إلى وضع السوريين في المرتبة التالية بعد اللبنانيين عند تحصيل أساسيات الحياة في الأزمات، وضرورة الفصل بين اللاجئ السوري وقوات النظام، على اعتبار أن القمع العسكري والأمني هو ما دفع بالسوريين خارج بلادهم، ما يحولهم إلى “ضحايا” كاللبنانيين للنظام نفسه، كل ذلك غائب عن العمل، مع حالة تنميط غير مقنعة، ولا تقدّم صورة إيجابية (إذا كان العمل صاحب رسالة) تجاه السوريين، فـ”مريم” لا تميّز بين “البيانو” و”الأورغ” لسبب مجهول، وتصر على أن الاثنين لا يختلفان.

وخلال فترة عرض العمل، وما تبعها، ومحاولته تصوير السوري كضحية لواقعه، و”العمشات” التي سجنت “عدنان” لنحو خمس سنوات، بعدما سجنه النظام لعام ونصف ربما، وتصوير اللبناني ضحية لحكومته التي لم تؤتمن على أمواله في البنوك، يتواصل الخطاب العنصري والتمييزي، على مستوى فردي من جهة، وعلى مستوى وسائل إعلام أيضًا، بما يتعارض مع القيم الأخلاقية للمهنة، وفق مختلف مواثيق الشرف، بهذا الصدد.

خطاب تمييزي

لم تسلم بعض وسائل الإعلام العربية من فخ الخطاب التمييزي القائم على ترسيخ الكراهية تجاه اللاجئين، إذ نشرت قناة “MTV” اللبنانية، في 11 من نيسان الحالي، تقريرًا مصوّرًا حمل عنوان “لبنان تحت وصاية غازي كنعان جديد”، في إشارة إلى اللاجئين السوريين على أراضيه.

ويعتبر غازي كنعان الحاكم الفعلي و”الآمر الناهي” في لبنان، خلال الوجود العسكري السوري على أراضيه، قبل عودته إلى سوريا لاحقًا ووصوله إلى وزارة الداخلية، ثم النهاية الغامضة التي بلغها وطالت فيها أصابع الاتهام النظام السوري بتصفيته.

التقرير الذي استمر لنحو دقيقتين ونصف، اقتدى بتوجه بعض الدول الأوروبية لترحيل اللاجئين السوريين وإعادتهم “طوعًا أو بالقوة”، متحدثًا عن أكثر من مليوني سوري في لبنان، معتبرًا وجودهم “غزوًا”.

كما اعتبر التقرير أن “الخطوة الوقحة” تتجلى بطلب المفوضية منح النازحين المساعدات الأممية بالدولار الأمريكي، وإقرارها مبالغ للحوامل، داعيًا في الوقت نفسه لإسقاط صفة “النزوح” عن السوريين الذين يذهبون إلى سوريا ويعودون بعدها إلى لبنان، وقارن قيمة المساعدات الأممية لـ”النازحين” بالرواتب التي يتقاضاها اللبنانيون والتي أقرتها حكومتهم.

وللقناة ذاتها تقرير نشرته عبر موقعها الرسمي في أيلول 2018، عزت فيه حينها زيادة الالتهابات إلى “تكاثر اللاجئين السوريين في لبنان”، ما تسبّب، وفق القناة، بمرض السرطان، باعتبار أن “هؤلاء بسبب ظروف سيئة عانوها مرغمين، يأتون ببكتيريا خطيرة قد تخلق الأمراض لدى الإنسان”.

ترحيل قسري

إلى جانب ذلك، عاد الجدل السياسي حول ترحيل اللاجئين السوريين، منذ نحو أسبوع، إذ أصدر مركز “وصول” لحقوق الإنسان، اللبناني- الفرنسي، في 18 من نيسان الحالي، بيانًا أدان خلاله عمليات الترحيل القسري الجماعية الأخيرة للاجئين سوريين من قبل السلطات اللبنانية.

وبحسب ما أحصاه المركز، فإن 29 لاجئًا سوريًا في حارة الصخر، بمنطقة جونية، رحّلهم الجيش اللبناني بشكل جماعي، إلى جانب 35 لاجئًا سوريًا من وادي خالد، شمالي لبنان.

وبرر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، هيكتور حجار، عمليات الترحيل بأنها “متوافقة مع قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في 2019، بترحيل أي شخص يدخل لبنان بطريقة غير شرعية”.

تتضارب التصريحات الرسمية اللبنانية حول أعداد السوريين في لبنان، كما لا يوجد توافق على مسمّى وجودهم (نازحون، لاجئون).

وخلال تشرين الأول 2022، قدّم مدير الأمن العام اللبناني حينها، عباس إبراهيم، أحدث أعداد السوريين في لبنان وأضخمها في الوقت نفسه.

وبحسب إبراهيم، يوجد في لبنان مليونان و80 ألف “نازح” سوري، وهو عدد بعيد عن الذي طرحه الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، الذي تحدث، في 13 من تموز 2022، عن 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان.

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يوجد 805 آلاف لاجئ سوري في لبنان، بحسب أحدث الأرقام المنشورة في 19 من نيسان الحالي.

في مسلسل “النار بالنار” طوى “عزيز” اللافتة التي تمنع السوريين من التجول بعد الساعة الثامنة مساء، وتصالح مع وجودهم كبشر، وفق وجهة نظر جاره وصديقه “جميل”، لكن الواقع المبني على غياب أي توافق يمنح البلاد رئيسًا للجمهورية، أو حكومة فاعلة تنوب عن الحالية التي تصرّف الأعمال، يدفع على لسان ساسة لبنانيين نحو تفعيل إعادة السوريين من لبنان، وعقد مؤتمرات بهذا الصدد.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة