محللون يفسرون ارتباطها بتطورات جديدة بعد الانتخابات

تركيا تصعّد عسكريًا في شمالي سوريا

camera iconتنتشر قوات أمريكية إلى جانب "قسد" في مناطق شرق الفرات وتقتصر مهمتها على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"- 1 أيار 2018 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

لم تكد تمضي عدة أيام على انتهاء انشغال أصحاب القرار في تركيا بالانتخابات الرئاسية في البلاد، حتى عاد التصعيد العسكري في الشمال السوري.

تصعيد أطرافه تركيا وحليفها المحلي “الجيش الوطني السوري” من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المتحالفة مع أمريكا في معظم مناطق نفوذها من جهة ثانية، وروسيا والنظام السوري في مناطق أخرى من جهة ثالثة.

تجلّى التصعيد بحملة قصف جوي أطلقتها تركيا بمناطق متفرقة من الشمال السوري، قالت إنها ردًا على استهداف قواعدها في المنطقة قبل أيام، وخلّف القصف بالطائرات المسيّرة قتلى وجرحى عسكريين.

وتزامن الصعيد مع جملة من الأحداث، أبرزها تعليق حزب “العمال الكردستاني” عمله باتفاقية وقف إطلاق النار مع تركيا، وعودة عملياته العسكرية ضد الجيش التركي، إلى جانب تعزيز أمريكا وجودها العسكري في سوريا، ردًا على الخروقات الروسية.

وإلى جانب ما سبق، يرى باحثون أن تدخل تركيا العضو بـ”حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) في كوسوفو، دعمًا لقوات الحلف هناك، تسبب بحالة من عدم الرضا من جانب روسيا تجاه تركيا، ما دفعها لتوجيه رسائل في سوريا.

عودة التصعيد

في 6 من شباط الماضي، ضرب زلزال مدن الجنوب التركي وشمال غربي سوريا، مخلّفًا أضرارًا كبيرة في المنطقة، وعشرات الآلاف من القتلى، أعقبته الانتخابات الرئاسية التركية، التي انتهت في أيار الماضي بفوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بولاية رئاسية جديدة.

وكان لذلك تأثير مفصلي على مجرى الأحداث الميدانية في الشمال السوري، بحسب ما يراه الباحث السياسي سامر الأحمد، إذ قال لعنب بلدي، إن التصعيد التركي الأحدث في سوريا، أظهر أن التحركات العسكرية “عادت بقوة” عقب نهاية الانشغال التركي بالملفات الداخلية.

وأضاف الأحمد أن تركيا أوقفت عملية عسكرية برية في سوريا نهاية عام 2022، مقابل إطلاق يد سلاح الجو التابع لها في الشمال السوري، لاستهداف القياديين في حزب “العمال الكردستاني” (PKK) المدرجين على لوائح “الإرهاب” لديها.

وبالنظر إلى المفاوضات الحاصلة اليوم بين تركيا والنظام السوري وروسيا، يمكن اعتبار أن تركيا تحاول تركيز مزيد من الضغط على المنطقة، لتحقيق حرية جوية أكبر لمقاتلاتها في الأجواء السورية.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، يرى من جانبه أن التصعيد الأحدث في الشمال السوري مرتبط بـ”الرد على اعتداءات (قسد) على القواعد التركية” في الشمال السوري.

علوان قال لعنب بلدي، إن رد تركيا جاء عن وعي بأن روسيا هي من حرضت “قسد” لاستهداف القواعد التركية شمالي سوريا، واستهداف معبر “باب السلامة” الحدودي بين تركيا وشمالي حلب.

وأضاف أن التدخل التركي لتهدئة الأوضاع المتجهة صعودًا في كوسوفو مع صربيا هو ما لا تريده روسيا فعلًا، ما قد يدفع موسكو للتصعيد ضد تركيا في ملف أكثر حساسية بالنسبة لأنقرة مثل الملف السوري.

الباحث الكردي ومدير شبكة “جيوستراتيجي للدراسات”، إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي، إن الاتفاقيات التي يجري البحث فيها اليوم بين تركيا والنظام وروسيا، غالبًا ستكون موجهة ضد “قسد”، وستحاول الضغط على القوات الأمريكية الداعمة لها.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في 15 من حزيران الحالي، أن قواتها المسلحة “تمكنت من تحييد 67 إرهابيًا بضرب مقارهم في منطقتي تل رفعت ومنبج“، ردًا على استهداف القواعد التركية شمالي سوريا قبل يومين.

وردًا على بيان الدفاع التركية، قال المركز الإعلامي في “قسد”، إن الأخيرة ليس لديها عناصر في تل رفعت، بينما قُتل خمسة من مقاتليها في مدينة منبج.

وقالت وكالة “هاوار“، المقربة من “قسد”، إن سلاح الجو التركي استهدف ريف مدينة عفرين الجنوبي وقرى بمحيط مدينة تل رفعت، مخلّفًا قتلى وجرحى من قوات النظام، ودمّر عربة عسكرية لهم، إلى جانب خمسة قتلى من “قسد” في مدينة منبج.

هل التصعيد مستمر؟

شنت تركيا خلال السنوات الماضية ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري، وسيطرت خلالها على مساحات جغرافية من شمالي وشرقي حلب، ومناطق من أرياف الحسكة والرقة، ولا تزال تتمركز فيها حتى اليوم، لكن الوضع الميداني في المنطقة عاد للهدوء منذ 2020، بموجب تفاهمات دولية بين روسيا وأمريكا وتركيا، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

الباحث سامر الأحمد يرى أن تركيا لا تزال تسعى جاهدة لإنهاء تجربة “الإدارة الذاتية” التي تسيطر عليها “ا” بقوة حزب “العمال الكردستاني”.

وخلال السنوات الماضية، أعطت تركيا عدة مهل لواشنطن من أجل فصل “قسد” أو الجناح الكردي السوري عن “العمال الكردستاني”، لكن الأخيرة لم تنجح في ذلك، إذا افترضنا أنها ترغب بذلك.

وقبل أيام أعلن حزب “العمال الكردستاني” إنهاء وقف إطلاق النار “الأحادي” مع تركيا، الذي أعلن عن بدئه في أعقاب كارثة زلزال شباط الماضي، ويرى الأحمد في هذا الصدد أن التصعيد يمكن أن يستمر ضد قياديي الحزب الكردي، مستبعدًا أن يتحول إلى عمل بري في المستقبل القريب.

الباحث وائل علوان، يعتقد أن الأوضاع الميدانية لا تتجه بالضرورة إلى عمل عسكري، لكن في الوقت نفسه تستمر تركيا بـ”سياسة الردع” القائمة على استهداف أي تحرك لـ”قسد”.

وقال علوان لعنب بلدي، إن “سياسة الردع التركية” قائمة على استهداف الأفراد المنتمين لـ”PKK” ضمن “قسد”.

التصعيد اليوم هو جزء من تبادل رسائل الاستياء ما بين الدول، وأيضا ربما يحمل تخوفات من تغيرات سياسية مقبلة مرتبطة بالملف الأوكراني وملف إيران في المنطقة، لكن من المبكر الحديث عن هذا الأمر، بحسب ما يراه علون.

وأضاف أن القصف الذي يستهدف الأراضي التركية جاء من محيط تل رفعت، وهي مناطق تحت سيطرة “قسد”، لكنها مناطق نفوذ روسية، وغالبًا ما يكون الأمر متعلقًا بالاستياء الروسي من المواقف التركية في وسط أوروبا بملف كوسوفو، ولا علاقة له بملف التطبيع مع النظام أو ملفات تتعلق بسوريا.

وكون النظرة الأمريكية إلى المنطقة لا تصب في مصلحة مخطط تركيا للمنطقة، بحسب ما يراه الباحث إبراهيم كابان، فإن تركيا تعمل على تكثيف ضغطها نحو “قسد”، بغية إجبارها على القبول بمبادرة روسية قد تصب في مصلحتها.

ما مستقبل المنطقة

الباحث الكردي كابان، يرى فيما يتعلق بمستقبل المنطقة، أن الضغوط على “قسد” قد تنتج “تسوية” مع روسيا، وهو ما سيستفيد منه النظام السوري، باعتباره سيستعيد السيطرة على مناطق جديدة.

وبطبيعة الحال، تعتبر أي “تسوية” بين تركيا والنظام السوري في مصلحته أيضًا، خصوصًا فيما يتعلق بمستقبل فصائل المعارضة في المنطقة، مهما كان المقابل الذي سيقدمه النظام لتركيا.

من جانبه، يرى سامر الأحمد أن اشتراط النظام على تركيا انسحابها من سوريا لا يمكن تطبيقه، خصوصًا أن موسكو مهتمة بمصالح تركيا، باعتبارها منفذها الوحيد بعد الحصار الذي فُرض عليها عقب حربها بأوكرانيا.

ويمكن أن تضغط روسيا أكثر على النظام للقبول بتوسيع اتفاقية “أضنة”، والاعتراف بالوجود العسكري التركي بالشمال السوري.

وأضاف الأحمد أن المواقف الأمريكية صارت اليوم في إطار ترتيب رؤية جديدة مع الأتراك، تقوم على تخفيف الدعم عن “قسد”، أو وضع حد لتصرفات كوادر “العمال الكردستاني” في منطقة شرق الفرات، مقابل فتح علاقة أوسع مع العشائر العربية.

ويعتقد الأحمد أن استراتيجية واشنطن قد تنتقل من محاربة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتعاون مع “قسد” إلى محاربة خلايا التنظيم والميليشيات الإيرانية في سوريا، التي باتت تشكّل خطرًا على القوات الأمريكية بمنطقة الجزيرة السورية.

وقد تأخذ الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعين الاعتبار المخاوف التركية أو المصالح التركية في المنطقة، خصوصًا أن رئيس المخابرات التركية الجديد، إبراهيم قالن، ووزير الخارجية، هاكان فيدان، مطلعان على هذه المخاوف والمصالح الأمريكية، في المنطقة.

إدراك تركيا لهذه التفاصيل قد يدفعها لبلورة اتفاق ما شمال شرقي سوريا، يتيح وضع حد لقوة “قسد” أو امتداد وتغوّل “العمال الكردستاني” فيها، وإفساح مجال أكبر للعشائر العربية.

تحالفات “قسد” تثني تركيا

على الرغم من كون الولايات المتحدة الأمريكية هي التي وضعت حجر الأساس لبناء ما يُعرف اليوم بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عقدت الأخيرة تحالفات جديدة مع أعداء داعميها دون تعليق أو رد فعل من واشنطن خلال السنوات الماضية.

ومع المعارك التي أطلقتها تركيا و”الجيش الوطني” من جهة، وأمريكا و”قسد” من جهة ثانية، وروسيا والنظام السوري من جهة أخرى، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودحر التنظيم من سوريا، تسابقت الجهات الثلاث للسيطرة على مناطق جديدة والتمركز فيها، لكن أمريكا فضّلت الانسحاب لاحقًا من مناطق شرقي وشمالي حلب، وبقيت “قسد” بمفردها هناك.

ومع تكرار العمليات العسكرية التركية ضد “قسد” في المنطقة، أُجبرت الأخيرة على عقد تحالف مع روسيا، لتنشئ قاعدة عسكرية في مطار “منغ” العسكري شمالي تل رفعت، معلنة توقف التقدم التركي على حساب “قسد” في المنطقة.

وبين الحين والآخر، تنتشر شائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول انسحاب القوات الروسية من تل رفعت ومحيطها، لتسهيل دخول القوات التركية إلى المنطقة، لكن سرعان ما يخرج النظام السوري حليف روسيا الأساسي، لنفي هذه المعلومات.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة