العمليات “الانغماسية” تتراجع في إدلب.. نقص موارد أم تكتيك سياسي؟

مقاتلان في كتيبة "العصائب الحمراء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" قبيل عملية "انغماسية" بريف اللاذقية شمال غربي سوريا- 26 من شباط 2023 (أمجاد)

camera iconمقاتلان في كتيبة "العصائب الحمراء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" قبيل عملية "انغماسية" بريف اللاذقية شمال غربي سوريا- 26 من شباط 2023 (أمجاد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

انخفضت وتيرة العمليات “الانغماسية” التي نفّذتها “هيئة تحرير الشام” ضد قوات النظام السوري، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد أن سجلت نشاطًا ملحوظًا استهدفت به قوات النظام في أماكن متفرقة خلف خطوط التماس بمناطق سيطرة “الهيئة” التي تشمل محافظة إدلب وجزءًا من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية، وسهل الغاب شمال غربي حماة.

عمليات خلف الخطوط لم تنقطع لكنها تراجعت بعد أن وصل عددها إلى 27 “انغماسية” منذ نهاية أيلول 2022 حتى منتصف نيسان الماضي، في أعلى حصيلة لعمليات من هذا النوع تنفذها “تحرير الشام” في المنطقة منذ اتفاق “موسكو” أو اتفاق “وقف إطلاق النار” في 5 من آذار 2020، بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان.

42 يومًا على أحدث “انغماسية”

كانت أحدث العمليات “الانغماسية”، في 6 من أيار الماضي، ونفذها مقاتلون في “جيش النصر” المنضوي في غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تدير العمليات العسكرية في إدلب، ضد مواقع قوات النظام على محور العمقية بسهل الغاب غربي حماة.

مراسلون عسكريون يرافقون الفصائل ومنها “تحرير الشام”، قالوا إن العملية أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر وجرح اثنين، واغتنام أسلحتهم.

وقبلها بنحو 20 يومًا، في 16 من نيسان الماضي، نفذ مقاتلون في “لواء عبد الرحمن بن عوف” التابع لـ”الهيئة”، عملية ضد مواقع قوات النظام على محور بلدة بسرطون في ريف حلب الغربي.

ولم تعلن “تحرير الشام” عبر مؤسسة “أمجاد” التابعة لها، أو إعلامها الرديف، عن تسجيل إصابات أو مصادرة أسلحة وغنائم خلال تلك العملية، واقتصر الحديث على بث تسجيلات مصوّرة من مراسلين عسكريين لاشتباكات وتسلل.

سبقت “انغماسية بسرطون” عملية مماثلة نفذها مقاتلو “لواء أبو عبيدة بن الجراح” التابع لـ”الهيئة” أيضًا، في 31 من آذار الماضي، ضد مواقع قوات النظام في محور الدانا جنوبي إدلب، ونتج عنها مقتل ثلاثة عناصر من قوات النظام، بينهم ضابط برتبة نقيب وإصابة أربعة آخرين.

ونعت “تحرير الشام” قائد سرية “الانغماسيين” في العملية، قتيبة صبيخان، في حين لا يذكر الإعلام الرسمي لدى النظام الخسائر في صفوف قواته التي تعلن عنها “الهيئة”، وتنشرها حسابات إخبارية موالية للنظام، بالإضافة إلى منشورات النعي المتزامنة لعناصر من قواته في منطقة الاشتباك أو الاستهداف.

ما العمليات “الانغماسية”؟

هجمات ينفذها مقاتلون خلف الخطوط تبدأ بالتسلل أو الالتفاف على نقاط قوات النظام، والاشتباك مع عناصرها وقتلهم، والاستيلاء على أسلحتهم، ويتخلل بعضها تفجير مبنى النقطة العسكرية بالكامل، بعد انتهاء العملية.

ويشنّ هذه العمليات مقاتلون في ألوية مختلفة منضوية تحت راية “تحرير الشام”، وفي مقدمتهم قوات “نخبة” مدربة على هذه العمليات، كـ”القوات الخاصة” و”العصائب الحمراء” وكتائب “خالد بن الوليد” و”الوحدة 82″.

أسباب لوجستية وقراءة للمشهد

تراوح عدد العمليات “الانغماسية” خلال الأشهر الثلاثة الماضية بين عملية واحدة وثلاث في كل شهر، بعد أن سجلت حضورها ونشاطها خاصة مع نهاية تشرين الأول 2022 بين أربع وست عمليات كل شهر.

رئيس وحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، الباحث نوار شعبان، يرى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن “هيئة تحرير الشام” ليست منظومة دولة، وأنها قوى أمر واقع لديها قدرة تنظيمية معيّنة وإمكانيات لوجستية وموارد إلى حد معيّن، رغم وجود مظلة سياسية متمثلة بحكومة “الإنقاذ”.

وقال الباحث، في حديث إلى عنب بلدي، إن تراجع العمليات “الانغماسية” يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب، منها لوجستية وهو احتمال مستبعد لكنه وارد، فانخفاض الموارد أمر يؤثر على تنفيذ العمليات العسكرية، ويدفع أي فصيل إلى العمل ضمن أولويات بالتحركات العسكرية.

ورجّح شعبان أن يكون سبب تراجع العمليات تكتيكًا عسكريًا خاصة بالتزامن مع تغيرات بالمناخ العام فيما يتعلق بالتعاطي مع الملف السوري، فـ”تحرير الشام” ترى أن من الذكاء تخفيف وتيرة هذه العمليات حاليًا، وإعادة دراسة للخارطة الفاعلة في المنطقة ومن ثم إعادة العمل.

وعلى صعيد السياسة، يشهد مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري حالة تجاذب مستمر منذ 28 من كانون الأول 2022، حين بدأ رسميًا بلقاء ثلاثي لوزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام بموسكو، وكذلك التغييرات الحاضرة عربيًا، منها حضور بشار الأسد مؤتمر القمة العربية بجدة في 19 من أيار الماضي، وما تبعه من لقاءات مسؤولي النظام والسعودية.

اعتبر الباحث نوار شعبان، أنه في حال تغير التوجه وصار هناك تقارب عام مع النظام السوري، ستبقى “تحرير الشام” تنفذ هجمات ضد القوات والميليشيات الإيرانية في سوريا، لأن المنطقة ستبقى ملاذًا لعديد من الميليشيات التي تعمل ضمن مناطق سيطرة النظام.

وفي حال حدوث التقارب العام، يستبعد الباحث تنفيذ “تحرير الشام” عمليات ضد قوات النظام، ولكن بالمقابل، تزيد “الهيئة” من هجماتها على التجمعات التي تُصنّف “إرهابية” في الدول التي تطبّع مع النظام.

وعود بـ”التحرير” وتغيير الخريطة

تخضع منطقة شمال غربي سوريا لاتفاقية “موسكو” الموقعة بين روسيا وتركيا، وتوقفت العمليات العسكرية من معارك وفتح جبهات منذ توقيعها في 5 من آذار 2020.

ولم تنفذ فصائل المعارضة أي عمل عسكري يغيّر خريطة السيطرة بعد الاتفاقية، واقتصرت العمليات على صد محاولات تسلل، وقنص وعمليات “انغماسية”.

ويترافق أي ظهور لقائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، أو قياديين في “الهيئة”، بحديث عن “عمليات تحرير مقبلة”، وأن المعركة في المدى القريب والبعيد ذهبت في “مصلحة الثورة”، وأن للمعركة تكاليف، و”تحرير الشام” مستعدة لها.

القائد العسكري في “تحرير الشام” مجد الأتاسي، قال في تصريح سابق لعنب بلدي، إن خريطة السيطرة العسكرية لن تستقر حتى يتحرر كامل تراب سوريا، لافتًا إلى أن الوقت لا يهم بقدر أهمية الاستعداد للحرب، وهذا ما تقوم به “الهيئة” منذ توقف المعركة الماضية (2020).

وأضاف الأتاسي أن الأعمال العسكرية يجب أن تُدرس من جميع الجوانب، لأن لها ارتباطات بكل جوانب الحياة في المنطقة، وأن “القيادة العسكرية” تسعى إلى إعادة تشكيل القوات وجميع الاختصاصات وتنظيمها والاهتمام بالتدريب الأكثر نجاحًا، مع التسليح المناسب بما يتوافق مع متطلبات وتطورات المعركة.

وعن الرؤية المستقبلية للعمل العسكري في المنطقة، أوضح الأتاسي أنه لا يمكن الإفصاح عن نيات الأعمال العسكرية، لكن ما يستطيع قوله إن “القيادة العسكرية في المنطقة لن تقبل بأنصاف الحلول، ولا بالوقوف في منتصف الطريق، وأنها تبذل ما بوسعها لاستعادة جميع الأراضي المغتصبة”.

مقتل 33 مدنيًا في ستة أشهر

في المقابل، تتعرض مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا لقصف شبه يومي وغارات للطيران الروسي بوتيرة غير ثابتة، بالتزامن مع طيران مسيّر روسي في سماء المنطقة يوميًا.

وصعّدت روسيا غاراتها الجوية من 20 حتى 26 من حزيران الماضي، وارتكبت “مجزرة” في سوق خضراوات بمدينة جسر الشغور غربي إدلب

وفي أحدث إحصائية وصلت من “الدفاع المدني السوري” إلى عنب بلدي، استجابت فرقه لـ300 هجوم منذ بداية العام الحالي حتى 30 من حزيران الماضي شنتها قوات النظام وروسيا، وأخرى من مناطق سيطرة مشتركة لقوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهجمات بطائرات مسيّرة وانفجارات، في شمال غربي سوريا.

واستهدفت الهجمات أكثر من 80 مجتمعًا محليًا، منها 241 هجومًا مدفعيًا وصاروخيًا وسبع هجمات جوية روسية، وأدت هذه الهجمات والانفجارات إلى مقتل 33 شخصًا بينهم خمسة أطفال، كما أصيب أكثر من 150 شخصًا بجروح بينهم أكثر من 30 طفلًا و20 امرأة.

ووثّقت فرق “الدفاع المدني“، خلال عام 2022، مقتل 165 شخصًا من بينهم 55 طفلًا و14 امرأة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة