صمت رسمي عقب تدهور متسارع لليرة السورية.. ما التفسير والتوقعات
خسرت الليرة السورية خلال فترة قصيرة تمثلت بنحو تسعة أيام جزءًا كبيرًا من قيمتها، في انهيار متسارع، لم تقابله حكومة النظام بأي تعليق أو ردود فعل ظهرت نتائجه في سوق النقد.
وفي 11 من تموز الحالي، كسر الدولار الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ الليرة السورية حاجز عشرة آلاف ليرة، لتبدأ مسيرة التدهور المتسارع، إذ أغلقت تداولات يوم أمس الخميس عند 12100 ليرة للدولار الواحد.
يأتي التدهور خلال الأيام الماضية، بعد استقرار نسبي شهدته قيمة الليرة مؤخرًا، إذ كسر الدولار حاجز تسعة آلاف ليرة للمرة الأولى في 11 من أيار الماضي، ومنذ ذلك الوقت، سجلت صعودًا وهبوطًا في قيمتها بما يقارب هذا الحد.
وبحسب موقع “الليرة اليوم“، المتخصص برصد أسعار العملات الأجنبية، سجل سعر مبيع الدولار الأمريكي اليوم، الجمعة 21 من تموز، 12100 ليرة سورية، وسعر شرائه 11900 ليرة.
بينما وصل مبيع اليورو الأوروبي إلى 13480 ليرة، وسعر شرائه إلى 13252 ليرة.
وتزامنًا مع الانخفاض المتسارع في قيمة الليرة، لم يصدر مصرف سوريا المركزي، منذ 18 من تموز الحالي، أي تعديل على سعر العملات الأجنبية أمام الليرة في نشرة “الحوالات والصرافة” الصادرة عنه، والتي يجري تعديلها يوميًا بالتوازي مع تغير قيمة الليرة في السوق السوداء، مع الأخذ بالاعتبار عطلة يومي الأربعاء والخميس بسبب رأس السنة الهجرية.
وينعكس انخفاض قيمة الليرة على المقيمين في مناطق سيطرة النظام بشكل مباشر، لما يرافقه من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأساسية، ما يفاقم من ضعف القوة الشرائية لديهم، وهو ما قابلته الحكومة بوعود سابقة بضبط سعر الصرف لم تنعكس على الواقع.
صامت.. لا أثر للتحرك في الأسواق
لم تعلق حكومة النظام السوري على تدهور الليرة المتسارع مؤخرًا رسميًا، حتى ساعة نشر هذا التقرير، كما لم يلحظ وجود أي تدخل نقدي في الأسواق لضبط سعر الصرف.
ووفق دراسة صادرة عن مركز “جسور للدراسات”، في 14 من تموز الحالي، يلاحظ أن سياسات مجلس النقد والتسليف التابع لمصرف سوريا المركزي، وكذلك سياسات وزارة المالية متضاربة فيما بينها بشكل عام، ولا تدل على أي رغبة في ضبط سعر الليرة.
على سبيل المثال رفع المصرف المركزي سعر الفائدة إلى 11% منتصف عام 2022، ثم ضخ كمية كبيرة من النقود في الأسواق مطلع عام 2023، ويلاحظ أن المركزي قام برفع سعر صرف الحوالات عدة مرات بغرض مواكبة السوق وجمع أكبر مبلغ من العملات الأجنبية المحولة إلى سوريا، وهو الهدف الرئيسي لعمل المصرف المركزي السوري، والذي يفسر توجهاته.
واعتبرت الدراسة، أن النظام يوجه رسالة للدول العربية عبر سعر صرف الليرة، بشكل رئيسي بعد تطبيع العلاقات معه، بأن الأوضاع في سوريا متدهورة وتزداد تدهورًا، وهو ما ركز عليه القادة العرب لتفسير خطوة التطبيع.
لا ملاءة مالية
الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، مناف قومان، قال لعنب بلدي، إن النظام لا يمتلك ملاءة مالية لضخ النقود في السوق، وأنه اتضح له بعد كل هالسنوات أن ضخ النقود في السوق استنزف الاحتياطي النقدي والحيازات دون جدوى على المدى المتوسط والبعيد.
وفسر قومان، التدهور المتسارع لليرة، بإدراك النظام مرة أخرى أن الدول الحليفة له، لم تعد تدعمه كما في السابق، إذ باتت خطوط الائتمان والمساعدات المالية والمادية شحيحة.
وقد يؤثر التضييق الحاصل على تجارة المخدرات في مناطق سيطرة النظام على قيمة الليرة، وفق قومان، مشيرًا إلى أن انخفاض حجم المساعدات الأممية إلى سوريا، قد يسهم بانخفاض التدفقات الأجنبية على المصرف المركزي بطبيعية الحال.
تدهور مرهون بظروف
يرتبط سعر الصرف في ظل المعطيات الحالية في سوريا بعدة عوامل اقتصادية مجتمعة تؤدي إلى انخفاض قيمة الليرة، منها عدم وجود الإنتاج، ونمو الناتج المحلي سلبًا، والاعتماد على الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى العجز الكبير في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، والموازنة العامة للدولة، فضلًا عن هروب الاستثمارات الأجنبية، ووجود سوق “سوداء” واسعة لتصريف العملة عبرها.
بحسب دراسة مركز “جسور”، في ظل بيئة متقلبة وغير مستقرة من الصعب توقع سعر صرف الليرة السورية، لكن المسار الطبيعي لها هو مسار هابط من حيث القيمة، وبالتالي مزيد من الارتفاع في سعر الصرف.
ووسط غياب رغبة النظام بضبط سعر صرف الليرة، بل جمع مزيد من العملات الأجنبية، وغياب القدرات النقدية أو المالية الحقيقية لضبط السعر، يرجح أن يستمر سعر صرف الليرة بالتدهور حتى نهاية عام 2023، مع احتمالية استقراره خلال موسم الصيف الحالي وحتى مطلع الشتاء، وفق الدراسة.
الباحث الاقتصادي، مناف قومان، من جهته أكد ارتباط تحسن قيمة الليرة بعدة معايير موجودة حاليًا، تغييرها قد يؤثر في تحسن الليرة، فيما سيؤدي بقاؤها كما هي إلى تدهور أكبر.
تتمثل هذه المعايير وفق قومان، باستمرار العقوبات، غياب الاستثمارات، التجارة الخارجية، السياحة، القوة الشرائية، الحل السياسي وعوامل أخرى غيرها تلعب دورًا مهمًا بمصير الليرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :