مجزرة “الشعيطات”.. الذكرى الموغلة في ذاكرة أهالي دير الزور

مجموعة من الشباب اقتادهم عناصر من تنظيم الدولة لإعدامهم خلال ما يعرف باسم "مجزرة الشعيطات" شرقي دير الزور- آب 2014 (تنظيم الدولة)

camera iconمجموعة من الشباب اقتادهم عناصر من تنظيم "الدولة" لإعدامهم خلال ما يعرف باسم مجزرة "الشعيطات" شرقي دير الزور- آب 2014 (تنظيم الدولة)

tag icon ع ع ع

“يستمر شبح تنظيم (الدولة الإسلامية) في استحضار ذكريات مروعة من المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم سابقًا، ومحافظة دير الزور مثال، إذ تتبادر فورًا إلى الأذهان إحدى ذكريات العنف فيها، مجزرة (الشعيطات) التي ارتُكبت بحق عشيرة (الشعيطات) بشرق دير الزور، وكان مسرحها بلدات أبو حمام، والكشكية، وغرانيج، في آب 2014”.

بهذه الكلمات بدأ المدير التنفيذي لشبكة “دير الزور 24″، عمر أبو ليلى، حديثه تمهيدًا لتقرير أعده في وصف “المجزرة المنسية”.

وشكّلت مجزرة “الشعيطات” بالنسبة لأبناء العشيرة بريف دير الزور ثأرًا بعيد المدى، إذ انضم عدد من أبنائها لفصائل عسكرية عديدة لمحاربة تنظيم “الدولة”.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” خلال المجزرة نفسها مقتل قرابة 367 شخصًا، و240 مفقودًا، و33 ألف نازح في مدينة أبو حمام وحدها، التي تشكّل جزءًا صغيرًا من منطقة الشعيطات الممتدة شرقي دير الزور.

قتل على الهوية

بدأت أحداث المجزرة مطلع شهر آب عام 2014، حين كانت مجموعات التنظيم تلاحق أبناء عشيرة “الشعيطات” وعشائر أخرى تنحدر من بلدات وقرى في ريف دير الزور الشرقي، وتقتلهم بناء على مكان الولادة المسجل في هوياتهم المدنية، بحسب الملازم أول المنشق عن قوات النظام ومن أبناء بلدة الكشكية أحمد العلي.

العلي قال لعنب بلدي، إنه بعد سيطرة تنظيم “الدولة” على معظم مناطق دير الزور، ارتفعت وتيرة مضايقات التنظيم لأبناء المنطقة، إذ كان “يجلد” مدنيًا بسبب التدخين تارة، وأخرى بسبب الملابس، لكن أحمد العلي يرى أن ممارسات التنظيم كانت مرتبطة بالمعارك التي خاضها أبناء المنطقة ضده عندما حشد قواته على تخوم الحسكة باتجاه دير الزور، تمهيدًا للسيطرة عليها.

وتشكلت الملامح الأولى للمجزرة عندما احتشدت كتيبة “ﺍﻟﺒﺘﺎﺭ” (معظم مقاتليها ليبيو الجنسية)، التابعة للتنظيم، في محيط منطقة الشعيطات (أبو حمام، الكشكية، غرانيج)، وﻧﺼبت ﺍﻟﻤﺪﻓﻌيﺔ الثقيلة في قمة ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﻤﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻓﻲ ﺜﺎﻟﺚ أيام ﻌﻴﺪ ﺍﻟﻔﻄﺮ، وبدأت بقصف المنطقة، بحسب العلي.

وتزامنًا مع حصار المنطقة، اعتقل تنظيم “الدولة” نحو 40 شخصًا ﻣﻦ أبناء عشيرة “الشعيطات” ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ آﺑﺎﺭ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ، وأعدموهم ميدانيًا ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺟﺴﺮ “ﺍﻟﺮﻱ”، أحدهم أُعدم حرقًا، بحسب العلي، واسمه ﻏﺪﻳﺮ ﺍﻟﻌﺒﻴﺪ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻭﻫﻮ ﺭﺟﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻦ.

“ﺍﻟﻤﻬﺎﺟﻤون ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ كانوا بمعظمهم من الأجانب، إذ ﺃﺛﺨﻨﻮﺍ أﻫﺎﻟﻲ المنطقة، ﺣﺘﻰ ﻣﺆﺫﻥ ﺟﺎﻣﻊ (ﺍﻟﻘﻬﺎﻭﻱ) الشيخ ﻣﻮﺡ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺕ، قُتل ﺫﺑﺤًا ﺑﺎﻟﺴﻜﻴﻦ”.

الملازم أول أحمد العلي – ضابط سوري منشق عن قوات النظام

عائشة (23 عامًا)، فضلت عدم ذكر اسمها كاملًا خوفًا من خلايا التنظيم المنتشرة في المنطقة، قالت لعنب بلدي، إن هجوم التنظيم على بلدتها الكشكية أدى إلى نزوحها مع عائلتها إلى البساتين الواقعة على ضفة نهر “الفرات” على مقربة من بلدة البحرة.

“كان عناصر التنظيم يقتلون أبناء المنطقة بكل دم بارد، حتى إن أحدهم كان يذبح شابًا وكأنه دجاجة، على مرأى من أعين المدنيين وسكان المنطقة. قتلوا زوجي رغم أنه مدني، ولم ينتسب لأي فصيل مسلح، بسبب محاولته الدفاع عن شاب آخر كانوا مقبلين على إعدامه”.

عائشة – ناجية من مجزرة “الشعيطات”

وخسرت وضحة الحمود أبناءها الأربعة في بلدة البحرة شرقي دير الزور أيضًا، بعد أن داهم التنظيم مدرسة كانت تؤوي نازحين من بلدة الكشكية، بحسب ما قالته لعنب بلدي، إذ كان يعمد التنظيم لاختيار ضحاياه بناء على البطاقة الشخصية التي يحملونها، والقرية التي ينحدرون منها.

أحمد العلي قال لعنب بلدي، إن التنظيم أصدر مع بداية المواجهات في الشعيطات ﻓﺘﻮﻯ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﻘﺘﻞ ﻛﻞ ذكر بالغ، ﻭﺗﻄبيق “أﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺮﺩﺓ” على السكان، إذ بدأ عناصر التنظيم بإعدام أي شاب من أبناء المنطقة.

ضحايا مدنيون

ﺑﻌﺪ 16 يومًا قُتل فيها مئات المدنيين، أﺻﺪﺭ التنظيم “ﻋﻔﻮًا” ﻋﻦ ﺃﻫﺎﻟﻲ ﺍﻟﺸﻌﻴﻄﺎﺕ، بعد أن تجاوزت أرقام القتلى 700 شخص، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، وبدأ من بقي حيًا منهم بالعودة إلى مسقط رأسه، إذ عاد ﺃﻫﺎﻟﻲ بلدة ﻏﺮﺍﻧﻴﺞ ﺑﻌﺪ نحو ثلاثة ﺃﺷﻬﺮ على نزوحهم، ثم ﺃﻫﺎﻟﻲ ﺍﻟﻜﺸﻜﻴﺔ ﺑﻌﺪ ستة ﺃﺷﻬﺮ، فيما عاد ﺃﻫﺎﻟﻲ بلدة ﺃﺑﻮ ﺣﻤﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻌﺎﺕ آخرها ﺑﻌﺪ عام على المجزرة.

الملازم أول أحمد العلي، عاد إلى بلدته بعد أشهر طويلة على المجزرة، وجد كثيرًا ممن يعرفهم قتلى أو مفقودين بحسب ما قاله لعنب بلدي، من أبرزهم أبناء إبراهيم الرفيش، سليمان (32 عامًا) وخليل (30 عامًا) ومحمد (28 عامًا) وأحمد (25 عامًا).

وفي تقرير أعده موقع “عين المدينة” المحلي حول المجزرة، روى قصة الشباب الأربعة الذين لم يكن لهم مشاركة تذكر في أي من الأحداث التي عصفت ببلدتهم الكشكية، ولم يقاتلوا التنظيم، بل لم يحمل أي منهم السلاح في يوم من الأيام، إذ دائمًا ما كانوا منصرفين لشؤونهم الخاصة.

وفي ظهر الجمعة 10 من آب 2014، رافق خليل نساء وأطفال العائلة الكبيرة هاربًا بهم على دفعات عبر نهر “الفرات” القريب من منزلهم، وعندما رجع ليلًا وجد رأس أخيه محمد على حافة الساقية الصغيرة قرب المنزل، وفي الفناء كان أخوه سليمان يتدلى مشنوقًا، وقريبًا منه كان أحمد مقتولًا بضربة فأس ظلت في رأسه.

لم يجد خليل وقتًا كافيًا للهروب، إذ كشفته صيحاته على إخوته لعناصر التنظيم الذين كانوا يجلسون في إحدى الغرف، فخرجوا إليه وقتلوه رميًا بالرصاص على الفور، واستعمل قائد مجموعة التنظيم حينها هاتف أحد القتلى، ليجيب عن أسئلة أقاربهم عبر تطبيقات المحادثة، بأن الشباب الأربعة قُتلوا “ولقوا جزاءهم المستحق”، وأرسل صورته الشخصية معرفًا عن نفسه بأنه القائد الذي أمر بقتل “هؤلاء المرتدين”، بحسب التقرير.

ما قبل العاصفة

تعود أسباب المجزرة، بحسب ما رواه الضابط المنشق عن قوات النظام، والمشارك بالعمليات العسكرية إلى جانب فصائل المعارضة ضد التنظيم في المنطقة أحمد العلي، لعنب بلدي، إلى الخلاف الحاد الذي حصل بين التنظيم وفصائل المعارضة السورية حينها، وأدى إلى طرد التنظيم من شمال غربي سوريا، ومناطق من دير الزور.

ومع تمكن التنظيم من استجماع صفوفه العسكرية، وتركيز معاركه ضد فصائل “الجيش السوري الحر” و”جبهة النصرة” (“تحرير الشام” حاليًا) و”حركة أحرار الشام”، عاد إلى مناطق انسحب منها شرقي سوريا، وتشمل معظم جغرافيا محافظة دير الزور.

الملازم أول أحمد العلي كان قائدًا لمجموعة عسكرية في “الجيش السوري الحر” خلال فترة الخلاف مع تنظيم “الدولة”، قال لعنب بلدي، إن الخلاف وصل حد الصدام المسلح بعد انتهاكات التنظيم المتكررة في دير الزور بحق أبنائها، والاعتقالات العشوائية لهم، وعمليات الجلد في الشوارع.

وفي كانون الثاني من عام 2014، أُطلقت أولى رصاصات فصائل المعارضة في هجوم شامل استهدف التنظيم بدير الزور، وتمكنت من طرد مجموعات التنظيم باتجاه محافظة الحسكة.

وعقب شهر واحد تمكن التنظيم من استعادة صفوفه، والسيطرة على مدينة الشدادي شرقي الحسكة بالكامل، على حساب “الجيش الحر” و”جبهة النصرة”، وبدأ التجهيز للعودة إلى المناطق التي انسحب منها في دير الزور.

“قررنا التوجه إلى بلدة ﻣﺮﻛﺪﺓ التابعة لمحافظة الحسكة والمطلة على مدخل دير الزور، خلال ﻭﻗﺖ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ في مطلع شباط من عام 2014، لكننا وجدنا مقاتلي ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻢ تمركزوا في المنطقة قبلنا، وسيطروا على ﺍﻟﺠﺒﻞ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ، وكنت القائد العسكري لـ(الجيش الحر) على ضفة نهر الخابور الشرقي خلال العملية”.

الملازم أول أحمد العلي – ضابط سوري منشق عن قوات النظام

وكانت هذه المعركة التي شارك بها مقاتلون من مختلف العشائر السورية في محافظة دير الزور سببًا لتتشكل لدى تنظيم “الدولة” رغبة بـ”الثأر” من عديد من أبناء المنطقة، بحسب العلي، إذ تكبد التنظيم خسائر كبيرة خلال المعركة.

وعقب ساعات، ﺣﻀﺮﺕ ﻣﺆﺍﺯﺭﺓ عسكرية ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ، ﻋﻠﻰ ﺭأﺳﻬا “ﺃﺑﻮ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺸﻴﺸﺎﻧﻲ” و”أمير” التنظيم في سوريا آنذاك “ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ” إلى جانب كتيبة “ﺍﻟﺒﺘﺎﺭ” التي يشكّل الليبيون معظم مقاتليها، ما أجبر فصائل المعارضة على التراجع.

أيام على المواجهات دفعت بالفصائل العسكرية للخروج من شرقي سوريا بالكامل، إذ اتجه قسم منها نحو شمال غربي البلاد، وآخر باتجاه الجنوب، بينما سيطر التنظيم على معظم محافظة دير الزور باستثناء مركز المدينة حيث كان يتمركز النظام السوري.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة