اللاذقية تقتصد في الخبز والمال يتحكم بالشبع

يبلغ سعر ربطة الخبز "الحر" في سوريا 1300 ليرة- 19 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

camera iconيبلغ سعر ربطة الخبز "الحر" في سوريا 1300 ليرة- 19 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

tag icon ع ع ع

تضطر ميرنا (29 عامًا)، وهي موظفة حكومية في اللاذقية، إلى فرض تقنين بـ”السندويشات” لطفليها، وصار ممنوعًا عليهما تناول أكثر من سندويشة واحدة يوميًا، يأخذانها معهما إلى الروضة والمدرسة.

أكثر ما يؤلم ميرنا، أن طفليها صغيران ومثل أي طفل آخر في العالم، فإن السندويش وجبة محببة بين الوجبات، لذا فإنها تحاول ادخار الخبز لهما ما أمكن، لدرجة أنها من الممكن أن تتناول مع زوجها على العشاء صحن سلطة صغير، دون المساس بالخبز.

في سوريا يوجد نوعان من الخبز، الأول مدعوم بسعر 200 ليرة للربطة الواحدة المؤلفة من سبعة أرغفة، والثاني هو الخبز “الحر” بسعر 1250 ليرة، ودائمًا يصبح 1300 لعدم وجود فئة 50 ليرة لدى صاحب الفرن.

وتكون نوعية الخبز ذاتها، لكن يقصد بـ”الحر” الذي يباع خارج البطاقة الذكية بسعر الكلفة، دون تحديد مخصصات له فالمخصصات مرهونة فقط بالخبز المدعوم.

تقنين الخبز

بدأت الحكاية نهاية عام 2021، حين فرضت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في سوريا، تقنينًا على الخبز، وحددت المخصصات اليومية للأفراد، لدرجة أنه تم تخصيص رغيفي خبز ونصف يوميًا للمحظوظين، وأقل من ذلك بقليل لغير المحظوظين.

قالت ميرنا، إن مخصصات الخبز المحددة لعائلتها المؤلفة من أربعة أشخاص، هي عشر ربطات خبز أسبوعيًا، تتكون الربطة الواحدة من سبعة أرغفة، ما يعني أنه يحق لكل فرد من عائلتها رغيفا خبز ونصف يوميًا.

وتسخر الأم الشابة من الوضع، وقالت “قننوا لنا الخبز، لكن ما فرضوا علينا كيف نأكله: حاف مع كاسة مي، أو مُترف مع كاسة شاي”.

ولا تستطيع ميرنا شراء الخبز “الحر” باستمرار، حيث يبلغ ثمن الربطة الواحدة منه 1300 ليرة، ولتكفي حاجتها تحتاج يوميًا إلى ربطة خبز “حر” مع مخصصاتها، أي 39 ألف ليرة شهريًا، فقط للخبز.

"بسطة" لبيع الخبز بالقرب من مديرية المالية في مدينة اللاذقية- 19 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

“بسطة” لبيع الخبز بالقرب من مديرية المالية في مدينة اللاذقية- 19 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ ليندا علي)

اطلب كلية ولا تطلب خبزًا

تسخر الستينية “أم هاشم”، من مسألة تقنين الخبز، وقالت إن أكثر ما يؤلمها حين يأتي إليها أحد الجيران بخجل مطالبًا إياها باستعارة رغيف خبز، ويؤكد لها أنه سيعيده بمجرد شرائه خبز اليوم التالي.

وأضافت السيدة “حاليًا بسوريا، الواحد يمكن أن يقول أعطوني كلية، ولا يطلب خبزًا”.

وتشترط “أم هاشم” على أولادها الذين يزورونها في عطلة نهاية الأسبوع أحيانًا أن يحضروا خبزهم معهم، لتضمن كفايته. مع ذلك من المستحيل أن يكفي بسبب وجود الأطفال، الذين يطلبون السندويش باستمرار، موضحة “لا يمكنني أن أخيّب أحفادي”.

وتلجأ السيدة لحيلة تتشاركها مع غالبية السوريين اليوم، وهي إعداد طبق غداء من الأرز أو البرغل، أو أي نوع آخر يؤكل من دون خبز.

وتبلغ مخصصات الخبز الأسبوعية لها ولزوجها، خمس ربطات موزعة على ربطة واحدة يوم السبت، واثنتين يوم الاثنين ومثلهما يوم الأربعاء، أي أن عليها مع زوجها أن يعيشا من الأربعاء وحتى السبت على 14 رغيف خبز فقط.

المال يتحكم بالشبع

يجد سامر (31 عامًا) أن تطبيق هذه الآلية وإتاحة الخبز “الحر” بسعر 1300 للربطة الواحدة لمن يرغب، ما هو إلا تكريس جديد للطبقية في سوريا، قائلًا “باختصار معك مصاري بتشتري (حر) وبتاكل خبز، ما معك صف على جنب وكول هوا”.

سامر الذي يعيش مع والديه المسنين، ويعمل في أحد مقاهي اللاذقية، يضطر للاستيقاظ كل يوم عند الخامسة فجرًا ليحضر الخبز، لوجود قرار سابق بعمل كل الأفران صباحًا فقط.

وأوضح لعنب بلدي أنه في أحيان كثيرة يأتي من عمله عند الثانية فجرًا ويبقى ساهرًا حتى يحضر الخبز ثم ينام، مضيفًا أنه وبحسب مخصصاتهم الأسبوعية البالغة سبع ربطات خبز، فإن نصيب كل فرد بالعائلة رغيفا خبز وثلث، “مقسومين على الليبرة، المسؤولون يعرفون تمامًا كيف يجبرونا على الدايت بـ(الصرماية)”.

مخصصات الخبز الحالية من المستحيل أن تكفي العائلات السورية، كما أنه من المستحيل أن تمتلك غالبية تلك العائلات شراء الخبز “الحر” بشكل مستمر، إضافة إلى استحالة شراء الخبز “السياحي” بعد وصول الربطة الواحدة منه إلى نحو 7000 ليرة.

في عام 2020، أعلن مدير المخابز زياد هزاع حينها، عن وجود نقص في مادة الخبز لكونه أصبح الجزء الأساسي من طعام الناس، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية عمومًا، وهو ما جعل الطلب عليه كبيرًا، وأدى لقلة توافره.

وجاء بعده قرار بتقنين الخبز، رغم إدراك المسؤولين أن السوريين لم يعودوا قادرين على شراء سوى الخبز المدعوم، إذ يبلغ الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع العام حوالي 186 ألف ليرة سورية (نحو 13.4 دولارًا أمريكيًا).

اقرأ أيضًا: لا حيلة لموظفي اللاذقية أمام غلاء الأسعار وغياب الحوالات




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة