عوز في دير الزور يدفع المرضى إلى دمشق

مستشفى "الفرات" في بلدة أبو حمام ريف دير الزور الشرقي - 12 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

camera iconداخل مستشفى "الفرات" في بلدة أبو حمام ريف دير الزور الشرقي - 12 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

tag icon ع ع ع

يواجه القطاع الصحي في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” ودير الزور خاصة عوزًا في جميع الأصعدة، إذ تعد المرافق الصحية قليلة نسبة إلى عدد السكان، بالإضافة إلى افتقارها إلى الكوادر والخدمات من أجهزة وغرف عناية مركزة.

وتخلو مجمل مناطق شمال شرقي سوريا من شركات أو معامل الأدوية، وتعتمد المنطقة على الأدوية المستوردة من مناطق سيطرة النظام وبعض الأدوية الأجنبية النادرة وباهظة الثمن.

مستشفيات واشتباكات

يبلغ عدد المستشفيات في دير الزور 28 مستشفى، ثمانية مستشفيات عامة و20 مستشفى خاصًا، في حين يبلغ عدد المستوصفات 11 مستوصفًا، بحسب دراسة أجراها مركز “آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية“، في 2022.

وتعاني هذه المرافق من قلة الكوادر، من أطباء وممرضين ومسعفين ومخبرين، ومن قلة الأجهزة الضرورية لتشخيص الكثير من الحالات المرضية الحرجة وعدم القدرة على التعامل مع جميع الحالات، كمرضى السرطان والقلب والكلى.

وخلال الاشتباكات الأخيرة بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ومقاتلي العشائر، تضرر مستشفيان، حسب “الأمم المتحدة“.

ينعكس هذا العوز على المرضى، ويضاعف من معاناتهم، سواء المادية أو الجسدية، إذ يضطر المرضى للسفر إلى دمشق أو محافظات أخرى قاطعين مسافات طويلة لتلقي العلاج ومتحملين تكاليف باهظة الثمن، لا تتناسب مع مستواهم المعيشي.

وفي تقرير من 19 صفحة قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كانون الثاني 2022، يتناول بالأرقام واقع الوضع الإنساني في سوريا، أكد أن 90% من السوريين تحت خط الفقر، ويعاني 60% منهم انعدام الأمن الغذائي.

اقرأ أيضًا: تقرير أممي يوثق تدهور القطاع الصحي في سوريا

تكاليف ترهق المرضى

فاتن الحمادة، مريضة سرطان تبلغ من العمر 45 عامًا، مقيمة في ريف دير الزور الشمالي، قالت لعنب بلدي، إنها سافرت إلى دمشق لتلقي العلاج، وفي البداية اضطرت لدفع 200 دولار لكل معاينة، كما خضعت لعدد من الجرعات، منها مجاني ومنها دفعت ثمنه بنفسها، إذ وصلت التكلفة إلى مليون ليرة سورية.

تواصلت فاتن لاحقًا مع إحدى المنظمات في دمشق، وقدمت لها جرعة مجانية من العلاج، بينما خضعت لعملية جراحية على نفقتها الشخصية بتكلفة 2.5 مليون ليرة بمستشفى “ابن النفيس”.

تكاليف العلاج مكلفة للغاية، بحسب فاتن، بالإضافة إلى أن استمرارها في زيارة الأطباء كل ثلاثة أشهر يعتبر تحديًا في ظل الوضع الاقتصادي الذي تعانيه المنطقة.

ولم يختلف حال صالح عن فاتن، إذ أجرى عملية قلب مفتوح في مستشفى “الباسل” بدمشق، بعدما أجبره على السفر انعدام المراكز والمشافي المختصة بمعالجة مرضى القلب في ذيبان.

وكلفت العملية صالح عبد الحميد ذا الـ67 عامًا، الذي يتعالج من مرض القلب منذ 2014، حوالي 20 مليون ليرة.

قال صالح لعنب بلدي، إن الأمر لم ينته هنا، فاليوم يحتاج شهريًا إلى أكثر من 200 ألف ليرة لشراء الأدوية اللازمة، إذ أن تكلف علبة الـ”كلوبيد” 30 ألف ليرة، ويستخدمه مرتين يوميًا، في حين يستخدم الـ”ترتنال” ثلاث مرات يوميًا، ما يعادل علبتين في الأسبوع، وتبلغ تكلفته 35 ألف ليرة.

وأضاف أنه لا يستطيع الاستغناء عن الأدوية، ولا يوجد منظمات أو مؤسسات مدنية أو حكومية في المنطقة تساعده أو غيره في هذا الخصوص.

تحديات القطاع الصحي

أحلام (تحفظت على ذكر اسمها بالكامل)، تعمل ممرضة في إحدى مستشفيات ريف دير الزور، قالت لعنب بلدي، إن الخدمات الطبية في المنطقة تشهد تحديًا.

وأرجعت ذلك لعدة أسباب، منها هجرة الأطباء ذوي الكفاءة وقلة المستشفيات والمراكز الصحية وأعداد الكوادر مقارنة بعدد السكان.

وتختلف جودة الخدمات المقدمة في المستشفيات والمراكز الصحية، حسب الجهة الممولة لها، إذ يحتوي مستشفى “هجين”، الذي تأسس العام الماضي، على أجهزة طبية “متطورة” وبنك دم، أما مستشفى “الصور” فيقدم خدمات الإسعاف والتحاليل والمعاينات.

وتعتقد أحلام أن دعم المنظمات الإنسانية يتركز في القطاع الصحي “غالبًا” على الريف الغربي، نظرًا لاستقرارها النسبي، بينما اعتبرت أن مناطق الريف الشرقي “محيطًا خطرًا”، نظرًا لكونها آخر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وفي 2021، أوقفت جمعية “سوسن” للتنمية والرعاية الصحية، العمل في المراكز الصحية التابعة لها داخل مستشفى “البصيرة” في ريف دير الزور الشرقي، إثر تهديدات متكررة تلقاها العاملون بالمركز في محاولة للتأثير على سير عمليات التوظيف، بحسب تعميم أصدرته المنظمة.

ويعتبر بنك الدم الذي جرى إيقافه جراء التهديدات في مدينة البصيرة أحد المراكز التي تقدم الخدمات الطبية لحوالي 17 قرية في المنطقة، بحسب ما قاله مسؤول الجمعية لعنب بلدي.

ويضطر بعض المرضى إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى المشافي، بينما يجد آخرون أنفسهم مضطرين للتوجه إلى مشافي في مدن أخرى مثل دمشق أو حلب للعلاج، بحسب أحلام.

داخل مستشفى "الفرات" في بلدة أبو حمام ريف دير الزور الشرقي - 12 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي _عبادة الشيخ)

مستشفى “الفرات” في بلدة أبو حمام ريف دير الزور الشرقي – 12 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

من جانبه، قال طبيب الداخلية بكر السيد أحبش، الذي يعمل في بلدة الصعوة غربي دير الزور، إن المستشفيات والمراكز الصحية تقدم العلاج لبعض الحالات، إلا أن البعض الآخر يتطلب السفر خارج المحافظة، مثل القسطرة القلبية واحتشاء الدماغ.

وتعاني المنطقة من نقص في تخصصات الأمراض العصبية والقلبية بشكل عام، وأشار السيد أحبش إلى أن نقص التمويل أدى إلى فقدان العديد من الكوادر الطبية، إذ يبلغ إجمالي الأطباء بريف دير الزور العاملين في كافة الاختصاصات 250 طبيبًا مسجلًا لدى الإدارة.

إلا أن هناك أطباء غير مسجلين، يتنقلون بين مناطق سيطرة النظام و”قسد”.

أدى عدم التشديد الرقابي في المنطقة لفتح مجال التزوير، فبحسب السيد أحبش، هناك مطالبات “حقيقية” باتخاذ إجراءات “صارمة” ضد من يُزورون شهادتهم الطبية، لما تشكله من خطورة على القطاع الصحي.

وأوضح أن المنطقة لا تعاني فحسب من قلة الكوادر والأجهزة، بل تعاني من نقص توافر الأدوية، إضافة إلى وجود مشكلة في بعض المختبرات الطبية، إذ أن تباين النتائج المخبرية يعيق تشخيص الأمراض في بعض الحالات.

دور المنظمات

قال أحد العاملين في منظمة “Action For Humanity” المسؤولة عن ثلاث مستشفيات في ريف دير الزور لعنب بلدي، إن المنظمة تضع القيمة التمويلية المطلوبة بعد دراسة النقص والاحتياجات التي تعاني منها المنطقة في جميع المجالات الخدمية ومنها الطبية، فمثلًا مستشفى “هجين” كانت قائمة والمنظمة دعمت تقديم المواد والرواتب والتنظيم، عكس مستشفى “الشحيل” و”المدينة” التي أعادت إنشاءها من الصفر.

وبالنسبة لتوجه المنظمات لدعم الريف الغربي، أوضح أنه بخصوص القطاع الطبي فالأمر شبه متساوي لدى المنظمة، إذ تدعم مستشفيين في الريف الشرقي من أصل ثلاث مستشفيات في المنطقة، إلا أن المنظمات بشكل عام ترغب بالعمل في الريف الغربي لكونه أكثر استقرارًا، بينما يرى أن في الريف الشرقي تحديات أمنية ومشاكل وواقع عشائري “معقد” يعيق تقديم الخدمات.

والتمويل في المنظمة مرتبط بالشراكات والواقع الاقتصادي والعالمي لكونها تتلقى الدعم من الدول الأوروبية أو الأجنبية بشكل عام، إذ أن الحرب الأوكرانية الروسية وزلزال سوريا وتركيا أثرا على القيمة التمويلية في المنطقة، إضافة إلى أن التمويل يمكن أن ينقطع في أي وقت، لأن لا شيء يلزم الطرف الآخر باستمرارية الدعم.

“دعم الإدارة”

أنجز “مجلس دير الزور” عام 2022 خطة استثمارية بقيمة 9.5 مليون دولار تتمثل في 91 مشروعًا خدميًا، بحسب بيان “المجلس التنفيذي في الإدارة المدنية الديمقراطية” لدير الزور، في 3 من كانون الثاني، عن أعماله خلال 2022.

ومن بين المشاريع الخدمية، أنجز المجلس 38 مركزًا صحيًا وأهَل ودعم مستشفيات “هجين” و”أبو حمام” و”الصور”، لتصبح مجموع ثمان مستشفيات في المنطقة، بالإضافة إلى عمله على مشروع مستشفى “الكسرة” الذي أنهت تأهيله في 4 من نيسان الماضي.

وتقدم المستشفى خدماتها الطبية لأكثر من 300 ألف مواطن، بينما مستشفى “أبو حمام” تخدم ما يقارب 300 ألف، إذ تعتبر من أكبر مشافي المنطقة.

مستشفى "الفرات" في بلدة أبو حمام ريف دير الزور الشرقي - 12 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي _عبادة الشيخ)

مستشفى “الفرات” في بلدة أبو حمام ريف دير الزور الشرقي – 12 من تشرين الأول 2023 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

في وسط كل هذا، ما تزال تفتقر المستشفيات للعديد من الأجهزة والخبرات والإمكانيات، بالإضافة إلى أعطال في الأجهزة ومولدات الكهرباء التي تحصر الخدمات المقدمة وتضاعف من معاناة المرضى.

وهذا ما أكد عليه الطبيب بكر السيد أحبش، في قوله إنه رغم وجود دعم من “الإدارة الذاتية” والمنظمات العاملة في المجال الصحي، إلا أنه غير كافٍ لسد احتياجات الرعاية الصحية في ريف دير الزور.


شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة