“أم سعد”.. تاريخ فلسطين المعاصر

تاريخ فلسطين المعاصر
tag icon ع ع ع

3“دخلت أم سعد ففاحت في الغرفة رائحة الريف”.

يفتتح غسان كنفاني رواية “أم سعد” بأم سعد ذاتها، المرأة المصرة على الحياة رغم الموت، تحمل بيدها شتلة من دالية عنب يابسة، اقتطفتها لتزرعها أمام الدار، وكلها إيمان بأنها ستورق من جديد، لا بمساعدة البشر، بل بمساعدة الأرض وماء الأرض.

يصف كنفاني تفاصيل أم سعد قلبًا وقالبًا، المرأة القوية كما لا يستطيع الصخر، الصبورة كما لا يطيق الصبر، تعبق منها رائحة بؤس المخيمات ومرارة النزوح، بيدين جافتين كالحطب، وتجاعيد كأخاديد حفرتها السنون.

المرأة المفكرة لا من المدارس والكتب بل من المعاناة.

وبقلب الأم عامة والأم الفلسطينية على وجه الخصوص، تتحدث أم سعد عن اعتقال ابنها وقناعتها بأن الحبس ليس حيث يجلس ابنها سعد الآن، بل إن الحبوس أنواع، “فالمخيم حبس، وبيتك حبس، والجريدة حبس، والراديو حبس، والباص والشوارع وعيون الناس حبس، أعمارنا حبس، والعشرون سنة الماضية حبس، والمختار حبس”، تقول أم سعد.

يفيض حوارها عن التحاق سعد فيما بعد بالفدائيين، بالأمومة والتضحية، وتروي حيرتها ما بين خوفها على بكرها وبين التسليم فداء للبلاد، فـ”إن لم يذهب سعد، فمن يذهب”.

شاخت أم سعد في المخيم، تنتظر ألا تموت فيه، أن تموت بعد النصر، أن تعيش حتى النصر، انتظرت أكثر من 20 عامًا، أكثر مما يستطيع أحد أن ينتظر.

دموع بلا بكاء

في مشهد مكتوب لا يستطيع القارئ إلا أن يتخيله أمامه، يصف كنفاني انفجار أم سعد بالبكاء من مسام جلدها كله، من كفي يديها اليابستين، من شعرها، من الشفتين والعنق والثوب والجبهة والشامة، من كل جسدها ولكن ليس من عينيها.

بكت أم سعد بكاء لا يشبه بكاء الخيبة ولا اليأس والسقوط والحزن، لا يشبه بكاء الوجد والتوسل.

بكت تعبًا وشوقًا لابنها وللوطن.

سعد

تروي بطلة الرواية، على لسان ابنها سعد، أيام حصار عايشه مع رفاقه المقاتلين، حين فقدوا مصادر طعامهم، وظهرت أمامهم امرأة بعمر أم سعد وشبهها، يناديها سعد بـ”يمّا” وتجيبه كأنها أمه، تضع لهم سلة طعام كل يوم وتعود في اليوم التالي.

تقص أم سعد الرواية كحقيقة خيالية لا لبس فيها ولا دقة في الآن ذاته، لكنها تعكس شوق الأم لابنها والابن لأمه.

وتنتقل الرواية لتحكي واقع المرأة في ظل الحروب، وما تتعرض له من عبء اقتصادي واستغلال طبقي.

أبو سعد

يظهر أبو سعد في نهاية الرواية، بطباع ليّنة بعد أن كان الأب الغاضب، وتعزو ذلك إلى الفقر، الفقر الذي يطمس الأعين والقلوب، وتلخصه بحياة المخيم من حاجة وكروت إعاشة وسقوف “زينكو” وطرقات وحل.

بينما تبدأ الحياة تدب في المنزل بعد التحاق سعد بالمقاتلين الفدائيين، فارتدت لأبي سعد الروح مع شيء من الكرامة، وبات يرى في الحياة حياة وفي الشباب الأمل.

لا تخلو روايات وقصص غسان كنفاني من الرموز والتشابيه العميقة، وتنتهي رواية “أم سعد” حين تبدأ الحياة تدب في عروق غصن الدالية اليابس.

“برعمت الدالية يا ابن العم، برعمت”.

صدرت رواية “أم سعد” سنة 1969، وهي شخصية حقيقية بحسب قول كنفاني، وتتناول الرواية مجتمع اللاجئين الفلسطينيين وبدايات العمل الفدائي.

تتكون الرواية من عناوين فرعية يكمل بعضها بعضًا، ضمن 77 صفحة، تلخص حياة الأم العربية الفلسطينية بكلام قلّ ودلّ.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة