كامي نوفو: سيعرف الفرنسيون من “البستان الدمشقي” معنى الديكتاتورية

كامي نوفو وغلاف روايتها "البستان الدمشقي" (تعديل عنب بلدي)

camera iconكامي نوفو وغلاف روايتها "البستان الدمشقي" (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

مدينة مدمرة بالكامل بفعل الحصار والبراميل المتفجرة، خالية من سكانها بشكل كامل، واحتضنت ما عرف بـ”الثورة البيضاء”، كدلالة على العمل المدني الكبير الذي نفذه أهلها خلال الثورة السورية، جمل بسيطة لا يمكن لها أن تلخص حكاية مدينة “داريا”، في ريف العاصمة السورية دمشق.

بعد سنوات من انتهاء الحصار وتهجير أهل المدينة، أصدرت الصحفية الفرنسية، كامي نوفو، روايتها “le verger de damas” (البستان الدمشقي)، التي تروي حكاية عائلة من داريا منذ تسعينيات القرن الـ20 وحتى عام 2024.

خلال رحلتها لتأليف الرواية، التقت كامي بعشرات الأشخاص المنحدرين من المدينة، مع مساعدة من زوجها غيث شربجي، وفق ما قالت لعنب بلدي ضمن لقاء خاص.

حكاية خيالية بتفاصيل حقيقية

أربعة أفراد من عائلة واحدة ينحدرون من داريا، الأب والابنة والابن والحفيدة،  تروي كامي نوفو حكايتهم في كتابها التي أطلقته رسميًا مطلع نيسان الحالي.

أرادت كامي أن تروي حكاية سوريين، وسوريا من خلال الرواية، للفرنسيين أولًا، باعتبار أن لا فكرة لديهم بالمطلق، حول معنى ان يعيش شعب كامل تحت نيران الديكتاتورية لسنوات طويلة، وفق ما قالته لعنب بلدي.

وصل غيث شربجي إلى فرنسا، وتعرف على كامي، وفي أحد الأيام جلسا سويًا مع شخص ثالث، تحدث لهما عن رؤيته بأن ديكتاتورية جيدة أفضل من ديمقراطية سيئة، أثارت هذه النظرية التساؤلات في عقل كامي، وحينها قررت أن هناك ما يجب أن يروى لشعبها، ومعنى أن يعيش الملايين لعقود تحت حكم حافظ الأسد ثم ابنه بشار الأسد، الذي ورث حكمه في عام 2000، بعد تعديل الدستور عبر مجلس الشعب، ودون انتخابات نزيهة.

وكان الأسد الأب وصل لسدة حكم سوريا، بعد أن انقلب على رفاق دربه في عام 1970، ضمن ما أطلق عليه لاحقًا “الحركة التصحيحية”، ونجح بالتخلص من المعارضة السياسية في البلاد، بما في ذلك استغلاله لصراعه مع جماعة “الإخوان المسلمون” في ثمانينيات القرن الـ20، وزج بالآلاف بالسجون، عدا من قتل ضمن محاكمات ميدانية، ذلك كله قبل أن يكسر سوريون الصمت في 2011، ويخرجوا بمظاهرات عارمة في مدن وبلدات وقرى سورية، طالبوا بإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه، بشار الأسد.

في روايتها، أرادت كامي، وفق ما قالته لعنب بلدي، أن تروي ما حصل في سوريا عبر حكاية روائية لا وثائقية، على اعتبار أن الكثير مما نشر في سوريا كان وثائقيًا، كما أن للرواية قوتها بحسب رأيها.

يظهر ذلك من خلال تعاطي القارئ مع الرواية واندماجه معها، حيث ينسى أن ما يحصل من أحداث تدور في مكان قد لا يعنيه، ويمكنه أيضًا أن يكتشف شخصيات وعوالم جديدة، كما ترى أن على الفرنسيين إعادة اكتشاف سوريا ما بعد الثورة، كما كانوا يكتشفونها قبل ذلك.

وأضافت أن الكثير من الفرنسيين ممن زاروا سوريا، يقولون كانت بلدًا جميلًا ورائعًا، ومدنًا قديمة وتراثية، هذه حقيقة، لكن السوريين عاشوا تحت حكم ديكتاتوري قاس، ومهمة الكتاب أن يكشف هذه التفاصيل.

أخبر غيث شربجي، كامي، حكاية داريا التي أثارت مخيلتها مع المعلومات التي تعرفها سلفًا عن سوريا وثورتها باعتبار أنها صحفية مهتمة بالشرق الأوسط، وسبق لها أن التقت بالكثير من السوريين على الحدود السورية مع لبنان وتركيا.

وفق كامي، فإن القصة حقيقية عن داريا بشخصيات خيالية، مستمدة من غيث وأصدقاء وعائلات التقتهم كامي خلال السنوات الماضية، وتدور في داريا بالإضافة لأحداث أخرى في دمشق العاصمة ودرعا، لقربها الجعرافي، بالإضافة لأحداث أخرى على الحدود اللبنانية.

وتناقش خلالها ماذا يعني أن يغادر الإنسان وطنه ويعيش في لبنان.

مقاومة لانفتاح محتمل

طوال السنوات الماضية، عانى النظام السوري من العزلة الدولية والإقليمية، وبات دون علاقات دبلوماسية رسمية مع معظم دول العالم، باستثناء حلفائه، روسيا وإيران، وبعض الدول الأخرى.

لكن الأمور بدأت تسير باتجاه مختلف، عقب الاتفاق الإيراني السعودي في أيار 2023، ثم ما عرف بـ”المبادرة الأردنية” التي تضمنت شروطًا عربية لعودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، والانفتاح الدبلوماسي العربي تجاهه، وسط مخاوف من امتداد موجة الانفتاح لتشمل دولًا أوروبية أيضًا، مع الظروف الإقليمية والدولية المعقدة الحالية، وتأثيرها المباشر على الملف السوري.

كامي كما السوريين، تخشى من هذا الانفتاح، وترى أن الفرنسيين عمومًا تعاطفوا بالفعل مع مشاهد الدمار للمدن وظروف اللاجئين، لكنهم ينظرون اليوم أن هناك مدنًا لا تعاني من الحرب، وأن الأخيرة انتهت.

ومن هنا يكون السؤال: لماذا يصل اللاجئون إلى أوروبا؟، هذا ما يحاول الكتاب توضيحه أيضًا، على اعتبار أن العودة أمر غير ممكن للاجئين، لأن الديكتاتورية مستمرة والظروف سيئة، عكس ما يحاول الأسد وماكينته الإعلامية تصويره.

وجاء اختيار داريا، للحركات المدنية التي نشأت فيها، وهي مثال ممتاز على أن الثورة السورية عند انطلاقتها لم تكن بشكلها الحالي، وأن الكثير من الأمور العميقة جرت فيها، بما في ذلك محاولات إنشاء مجتمع مدني حقيقي وحياة مدنية، ومن هذه النقطة تشرح كامي كيف تتصرف الديكتاتورية وأنظمتها لتدمير أي أمل مقبل، وفق رأيها.

من جهة ثانية، تستضيف العاصمة الفرنسية، باريس، الألعاب الأولمبية في صيف 2024، وسيشارك رياضيون سوريون فيها، وهو ما تراه كامي “عارًا”، باعتبار أن الفريق “يتبع للنظام السوري”، وعندما سيقرأ الفرنسيون كتابها سيعرفون  ما هي الديكتاتورية التي تحكمت بالسوريين، وماذا فعل الأسد بشعبه مذ كانوا في طلابًا في المدرسة وحتى كبرو والدعاية التي يستخدمها.

كان لدى كامي ملايين الأسئلة، وأرادت تفاصيل حقيقية حول ما حصل في سوريا، لذا لجأت لغيث وفق ما قالته لعنب بلدي، لتعرف  ما هو شكل المدارس والشوارع وما تفاصيل ما يحدث فيها؟، وخاضت عشرات الأحاديث لنجد حلولًا للمشاكل التي واجهتها خلال الكتابة، ثم كانت محظوظة لأنها وجدت وكيلًا تحمس  للمشروع ثم نشر الكتاب.

وفق كامي، ما يزال الناس متحمسون ليعرفوا ما جرى ويجري في سوريا حتى اليوم، وهذا امر مهم للغاية أيضًا، ومن المهم للمراهقين والأجيال الجديدة، أن يعرفوا ما حصل ليتعلموا أيضًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة