وفاة هنري كيسنجر.. المتنبئ بمستقبل سوريا

خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إلى دمشق ولقائه رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد -30 كانون الثاني 1974( AFP)

camera iconخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إلى دمشق ولقائه رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد - 30 من كانون الثاني 1974( AFP)

tag icon ع ع ع

توفي عملاق الدبلوماسية الأمريكية وزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، عن 100 عام، الأربعاء 29 من تشرين الثاني، تاركًا وراءه ذكريات علقت بأذهان السوريين.

وقالت المؤسسة الاستشارية التابعة لهنري كيسنجر والمسماة باسمه في بيان، إن “كيسنجر الذي كان وزيرًا للخارجية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، وأدى دورًا دبلوماسيًا محوريًا خلال الحرب الباردة، توفي اليوم في منزله بولاية كونيتيكت”.

ويعد كيسنجر من أبرز السياسيين في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، وترك بصمة واضحة في السياسة الخارجية الأمريكية، حين برز في سبعينيات القرن العشرين، خلال عمله كوزير للخارجية، وأدت جهوده إلى الانفتاح الأمريكي الدبلوماسي مع الصين، وإلى محادثات الحد من الأسلحة الأمريكية السوفييتية التاريخية، وكان له دور دبلوماسي خلال الحرب بين مصر وإسرائيل، كما أسهم في التوصل إلى اتفاقيات “باريس” للسلام مع فيتنام الشمالية.

وكان كيسنجر الشخص الوحيد الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض ومنصب وزير الخارجية.

وأثارت جائزة “نوبل” للسلام التي حصل عليها عام 1973 مناصفة مع لو دوك ثو من فيتنام الشمالية، والذي رفض الجائزة، الكثير من الجدل حينها، إذ استقال اثنان من أعضاء لجنة “نوبل” بسبب اختياره، وسط حديث عن دوره في القصف السري الأمريكي لكمبوديا.

رؤيته في سوريا

“هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار للأسد، انتصار للفصائل المعارضة السنّية، أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معًا، ولكن في مناطق مستقلة ذاتيًا على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها بعضًا، هذه هي النتيجة التي أفضّل رؤيتها تتحقق، لكنها وجهة نظر لا تحظى بشعبية”، بهذه الكلمات علّق هنري كيسنجر على مآلات الملف السوري، خلال ندوة شهدتها مدينة نيويورك عام 2013، ونظمتها “مدرسة جيرالد فورد للسياسة العامة“.

وأضاف كيسنجر أن “سوريا، بداية، ليست دولة تاريخية، لكنها خلقت في هيئتها الراهنة، سنة 1920، وأعطيت هذه الهيئة بغرض تسهيل سيطرة فرنسا على البلد، وكان ذلك قبل انتداب الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن “الوحدة الوطنية السورية مصطنعة”، ولا “تقوم إلا على قبائل مختلفة ومجموعات إثنية”.

ويرى كيسنجر أن “الصحافة الأمريكية تصوّر الحرب في سوريا وكأنها نزاع بين الديمقراطية والدكتاتور، والدكتاتور يقتل شعبه ومن واجبنا معاقبته، لكن الحالة عبارة عن نزاع إثني وطائفي”.

وأوضح موقفه حينها أنه “مع الإطاحة بالأسد، لكن الخلاف بيننا والروس حول هذه المسألة هو إصرارهم على أن الإطاحة بالأسد ليست المسألة، بل هي كسر إدارة الدولة على غرار العراق، بحيث لا يتبقى من يمسك بها، وهو ما يشعل حربًا أهلية أسوأ”.

وفي مقال رأي بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في آب 2012، تحدث كيسنجر عن الأحداث التي شهدتها المنطقة عام 2011، فما يعرف بثورات “الربيع العربي”.

وقال في مقاله، “توصف الأزمة في سوريا عمومًا بأنها صراع من أجل الديمقراطية، ومن المفترض أن تبلغ ذروتها بإطاحة بشار الأسد، ولا تتناسب أي من السمتين مع جوهر المشكلة، والقضية الحقيقية تتلخص في الصراع على الهيمنة بين العلويين التابعين للأسد، والمدعومين من قبل العديد من الأقليات السورية الأخرى، والأغلبية السنّية”.

ورجح كيسنجر في مقالته استمرار الصراع في سوريا لمدة طويلة، بناء على شخصية الأسد “المعروف بالتردد” من جهة، واعتبار “عشيرة الأسد والأقلية العلوية”، المهيمنة في قوات النظام، نفسها في صراع من أجل البقاء.

وأقر كسينجر بأن بناء بديل سياسي للنظام السوري “أكثر تعقيدًا” من المسار الذي اتبع في مصر أو بلدان “الربيع العربي” الأخرى، لأن “الفصائل المتنافسة أكثر عددًا وأقل وضوحًا، والخلافات بينها أكثر حدة”، وهو ما سيؤدي إلى انقسام سوريا إلى كيانات عرقية وطائفية، وفق رأيه.

ووصف كيسنجر وضع الولايات المتحدة بما يخص الملف السوري بـ”الحرج”، لأن لديها مصلحة استراتيجية في “كسر تحالف الأسد مع إيران”، وهو ما تتجنب الاعتراف به، مقابل “الهدف الأخلاقي المتمثل في إنقاذ الأرواح البشرية، والذي لا نستطيع تنفيذه من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، على حد تعبيره.

دوران تاريخيان في الذاكرة السورية

يرتبط هنري كيسنجر، في ذاكرة السوريين، بمنعطفين تاريخيين، الأول، اتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل في أيار 1974، التي منحت الأخيرة حدودها المستمرة منذ نحو أربعة عقود حتى الآن.

وكانت حرب الـ16 يومًا التي بدأت في 6 من تشرين الأول 1973 بهجمات منسقة على إسرائيل من قبل مصر وسوريا، أصعب الاختبارات في حياة كيسنجر المهنية، بحسب ما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست“.

وتفاوض كيسنجر على إنهاء حرب “يوم الغفران”، كما تسميها إسرائيل، التي أشعلتها الهجمات المشتركة بين مصر وسوريا على إسرائيل، وفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال“.

كان لكيسنجر الدور الأبرز في لعب دور ما كان يعرف بـ”الوسيط الدبلوماسي المتنقل في الشرق الأوسط” لإنقاذ إسرائيل من الحرب، وما تبعه من تكريس حالة “السلام” المبطّن بين إسرائيل والنظام السوري برئاسة حافظ الأسد.

وتعرض تفاصيل المفاوضات التي قادها وزير خارجية أمريكا الأسبق بين دمشق وتل أبيب في أيار 1974، والتي عرفت بـ”الجولات المكوكية” التي أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار في 25 من تشرين الأول 1973، وتوثق المحاضر أن كيسنجر “ذهل وفوجئ” بموافقة حافظ الأسد على اتفاق الفصل.

أما المنعطف الثاني، فهو دخول القوات السورية إلى لبنان في حزيران عام 1976، بضوء أخضر أمريكي، هندسه ودعمه كيسنجر نفسه، الذي وصف في نيسان 1976، الطرف السوري، بأنه يتميز بروح “المسؤولية” والحفاظ على “سلامة الطوائف”، وذلك في إفادة قدمها حينها أمام “الكونجرس” الأمريكي.

وعمل كيسنجر حينها على هندسة خطة دخول حافظ الأسد إلى لبنان، ففي الجزء الأول من مذكراته، كتب أنه “إذا كان التاريخ يعلمنا شيئًا، فهو عدم وجود سلام دون توازن”، مشيرًا بذلك إلى دور النظام السوري في لبنان مقابل الدور المصري في عهد أنور السادات، الذي كان يدعم “الحركة الوطنية” بقيادة الراحل كمال جنبلاط والمتحالفة يومها مع منظمة “التحرير الفلسطينية” بقيادة الراحل ياسر عرفات.

دفع كيسنجر إسرائيل لإعطاء الضوء الأخضر لدخول قوات النظام حينها إلى لبنان، بعد تفاهمات بين الولايات المتحدة وحافظ الأسد، تعرضت لهزّات عدة، لكن واشنطن ظلت محافظة عليها لنحو ثلالة عقود، حين أجبرت الأسد الابن في عام 2005 على الانسحاب من لبنان عقب جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري.

ووجد كيسنجر أن حافظ الأسد سيحقق كل عناصر الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، من حيث إبقاء السوفييت خارج الوضع الدبلوماسي والعسكري في الشرق الأوسط، وإضعاف نفوذهم، وإعادة رسم موازين القوى الإقليمية، عبر طرد مصر من منطقة بلاد الشام، وكفّ يدها عن التدخل في الشؤون الفلسطينية واللبنانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة