بإشراف إيراني

مسيّرات انتحارية.. سلاح النظام لتغيير المعادلة العسكرية في إدلب

جندي أوكراني يطلق طائرة بدون طيار من طراز "FPV" مذخّرة (militarnyi)

camera iconجندي أوكراني يطلق طائرة بدون طيار من طراز "FPV" مذخّرة (militarnyi)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

دخلت الطائرات المسيّرة الانتحارية محلية الصنع على خطوط الاشتباكات شمال غربي سوريا، وباتت سلاحًا تستخدمه قوات النظام السوري وحلفاؤها بكثافة منذ مطلع 2024، متبعة نهجًا جديدًا يهدد حياة الناس ويدمر وسائل بقائهم وسبل عيشهم.

ووثقت فرق “الدفاع المدني السوري” 13 هجومًا بطائرات مسيّرة مذخرة انتحارية من قبل قوات النظام وروسيا والميليشيات الإيرانية على مناطق شمال غربي سوريا، منذ بداية العام الحالي حتى 22 من شباط.

سلاح جديد دخل على خطوط التماس التي لم تهدأ رغم اتفاقيات “خفض التصعيد”، وفتح باب التساؤلات عن أسباب اللجوء مؤخرًا للطائرات المسيّرة التي تحمل الذخائر المنفجرة، وأهمية استخدامها ضد مناطق إدلب، وأثرها في تغيير موازين المعركة.

سلاح تكتيكي.. النظام يتباهى به

من أصل 13 هجومًا وثقها “الدفاع المدني”، تعرضت مناطق الشمال السوري لست هجمات بطائرات انتحارية خلال يوم واحد، واستجابت فرقه للهجمات التي استهدفت البيئات المدنية، وأدت جميعها لإصابة سبعة مدنيين بينهم طفلان.

وتركزت الهجمات الست على منطقة الغاب بريف حماة الشمالي، في حين حذر “الدفاع المدني” من تهديد خطير يواجهه المدنيون مع استخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية، وهو تكتيك يهدد حياة السكان الأبرياء، ويدمر وسائل بقائهم على قيد الحياة وسبل عيشهم، بسبب الطبيعة الممنهجة للهجمات.

“المرصد 80” (أبو أمين)، المختص برصد التحركات العسكرية في المنطقة، قال لعنب بلدي، إن الطائرات الانتحارية هي “درونات” من طراز “FPV”، محلية التصنيع بإشراف روسي- إيراني، وتستخدمها قوات النظام السوري.

وأضاف أن من يستخدم هذه المسيّرات هم قوات “الحرس الجمهوري” و”الفرقة 25″ (مهام خاصة معروفة محليًا باسم “قوات النمر”)، و”الفيلق الخامس”، لافتًا إلى أن قوات النظام صارت تستخدم المسيّرات الانتحارية كسلاح تكتيكي بشكل شبه يومي، بعد أن كانت تستخدمه بشكل قليل سابقًا.

وأوضح “أبو أمين” أن مسافة التحكم بالطائرة تصل من 3 إلى 3.5 كيلومتر، وبارتفاع من 30 إلى 35 مترًا، حاملة ذخيرة ومتفجرات محلية التصنيع، وتستهدف الدشم والسيارات والدراجات النارية، وأي آلية متحركة أو هدف ثابت ضمن هذا المدى قرب خطوط التماس.

صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري قالت إن المسيّرات الانتحارية باتت تشكل سلاحًا نوعيًا جديدًا بيد الجيش السوري، يمكّنه من قتل من وصفتهم بـ”إرهابيي” منطقة “خفض التصعيد” في إدلب والمناطق المجاورة لها، وإعاقة تنقلاتهم وتعطيل طرق إمدادهم، ما فرض معادلة جديدة أربكت “الإرهابيين ومشغليهم”، حسب وصفها.

وذكرت، في 14 من شباط الحالي، أن معظم مناطق إدلب بات يغطي سماءها الطيران المسيّر الانتحاري التابع للجيش السوري، كما تنقل صفحات وشخصيات مهتمة بالأخبار العسكرية تسجيلات مصورة تحتفي بامتلاك قوات النظام الطيران الانتحاري (FPV)، مع توعد باستهداف مزيد من الأهداف.

ما “FPV”؟

تُسمى طائرات “FPV” بهذا الاسم لأنه يتم التحكم بها من خلال وظيفة “عرض الشخص الأول”، وهذه هي وظيفة نقل الفيديو في الوقت الحقيقي من الكاميرا المثبتة في الجزء الأمامي من الطائرة، ويتحكم المشغل بالطائرة بجهاز تحكم عن بعد، ويرى المنطقة المحيطة بالطائرة في الوقت الفعلي بفضل نظارات خاصة، كما لو كان يجلس داخل الطائرة نفسها على غرار الطيار، وفق موقع “Militarnyi” الأوكراني لتغطية أخبار القتال والصناعات العسكرية.

لا تعد “FPV” من المعدات العسكرية، وتُستخدم في الحياة المدنية للترفيه، في السباقات الرياضية مثلًا، ويمكنها حمل الحمولات، لكن في الوقت نفسه، لا تحتوي على طيار آلي، وتطير دون نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

وتُظهر طائرات “FPV” قدرة استثنائية على المناورة وتغيير الاتجاه بسرعة، وهذا يتطلب أن يتمتع المشغل بمهارات ومستويات تدريب قوية لأنه يتعين عليه التحكم يدويًا بجميع عمليات الطيران.

تعتمد خصائص الطائرة دون طيار على الطراز المحدد (المتطور)، ولديها القدرة على الوصول إلى سرعات تزيد على 100 كيلومتر في الساعة أو أكثر، ويمكنها أن تحمل ذخيرة من أنواع مختلفة وأوزان مختلفة، وتطير إلى الخنادق ونوافذ المباني، بالإضافة إلى أنها قادرة على السقوط في فتحات وأبواب معدات العدو، وتتيح مثل هذه الطائرات ضرب أهداف العدو على مسافات تصل إلى عشرة كيلومترات وربما أكثر.

وأدى استخدام طائرات “FPV” في الحرب بين القوات الأوكرانية والروسية إلى تغيير جذري في نمط الحرب الحديثة، كما يمكن الاستخدام الناجح لواحدة أو أكثر من هذه الطائرات تدمير معدات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.

ومن مزايا طائرات “FPV” سعرها ودقتها العالية، إذ تصل قيمة أفضل الموديلات إلى 1000 دولار أمريكي، ويمكن أن تحمل شحنة متفجرة، وفي حال نجاحها، يمكنها ضرب وحتى تدمير مركبة قتال مدرعة أو دبابة معادية تبلغ قيمتها عدة ملايين، وفق موقع “Militarnyi” العسكري.

جندي أوكراني يحمل طائرة بدون طيار من طراز "FPV" مذخّرة (Territorial Defense Brigade)

جندي أوكراني يحمل طائرة بدون طيار من طراز “FPV” مذخّرة (Territorial Defense Brigade)

بتوجيه من “الحرس الثوري” و”حزب الله”

في 16 من كانون الأول 2023، بدأت قوات النظام السوري تدريب مجموعة من عناصرها على استخدام الطائرات المسيّرة، في دورة عسكرية مغلقة مدتها 65 يومًا، وفق ما نقلته منصة “Political Keys” الإخبارية نقلًا عن “مصادر خاصة” لم تسمِّها.

الدورة نُظمت داخل مدرسة “المكننة” وسط مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، التي تتخذها قوات النظام السوري ثكنة عسكرية لها منذ سنوات عديدة، وضمت قرابة 100 عنصر لديهم ولاء كبير للنظام السوري وإيران، وهدفها التدريب بشكل خاص على التحكم بالطائرات المسيّرة، ودراسة برامجها وكيفية تطويرها وصيانتها، إضافة إلى التعليم على أجهزة الرادار التي ترصد الطائرات المسيّرة عن بعد.

ويتم تدريب العناصر نظريًا وعمليًّا على تفكيك أنظمة الطائرات المسيّرة والعمل عليها داخل المدرسة، ثم يُنقلون إلى بادية تدمر بريف حمص الشرقي للتدريب العملي على إطلاق الطائرات المسيّرة والتحكم بها.

الدورة جاءت بإشراف مباشر من خبراء عسكريين من “حزب الله” اللبناني وضباط بـ”المخابرات الجوية” وفرع “الأمن العسكري” التابعين للنظام السوري، وبتوجيه من “الحرس الثوري” الإيراني، ومن قياديين في “حزب الله” اللبناني هما “حاج أبو صادق” و”كمال أبو حيدر”، وثلاثة قياديين آخرين، وفق المنصة.

المنصة ذكرت أن أربعة ضباط من قوات النظام السوري يقومون على التدريبات لحماية المنطقة وتأمين المستلزمات اللازمة للتدريب، منهم رئيس فرع “المخابرات الجوية” بمدينة حمص، العميد شفيق صارم، ورئيس فرع “الأمن العسكري” بمدينة تلبيسة، الرائد قصي الحسن.

ويتدرب العناصر ضمن الدورة على طائرات من طراز “أبابيل-3″، وهي قادرة على حمل قنابل موجهة وبرنامجها يحمل نظام تشفير عالي الدقة، وطائرات من طراز “قاصف-1″، وكلا النوعين هجومي مطور على عدة مراحل على أيدي خبراء من “الحرس الثوري” داخل إيران.

جندي أوكراني يحمل طائرة بدون طيار من طراز "FPV" مذخّرة (Heroesukraine)

جندي أوكراني يحمل طائرة بدون طيار من طراز “FPV” مذخّرة (Heroesukraine)

إيران تستعرض قوتها

العقيد الطيار السابق في قوات النظام مصطفى بكور، قال لعنب بلدي، إن إيران تحاول إيصال رسالة للعالم بأنها تستخدم أسلحة ذات دقة عالية، لذلك لجأت إلى الطائرات المسيّرة الانتحارية باعتبارها سلاحًا دقيقًا، رغم أن الضحايا لهذه الهجمات كانوا مدنيين أبرياء.

وذكر بكور أن إيران تريد تجربة هذا السلاح على الأرض السورية، لافتًا إلى أن هذه الأنواع من الطائرات أثبتت فعاليتها في أوكرانيا من حيث دقة التصويب والاقتصاد بالذخيرة، محذرًا من تأثير سلبي كبير بارتفاع عدد الضحايا المدنيين كون العسكريين عادة محصنين، إذا ما توسع نطاق استخدامها على الساحة السورية.

ولا يعد استخدام إيران للطائرات المسيّرة في سوريا جديدًا، ويعود إلى عام 2012، لكن جهودها كانت تركز أكثر على تأمين البنية التحتية المادية والبشرية لهذا السلاح، إذ اعتمدت بشكل كبير حتى عام 2022 على روسيا في توفير الغطاء الجوي للميليشيات التابعة لها، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا تراجع هذا الاعتماد، وأصبحت إيران تلجأ أكثر للطائرات المسيّرة مع تقليص روسيا لمجهودها الحربي في سوريا، وفق تقرير أعده مركز “جسور للدراسات“.

وبحسب المركز، تريد إيران في ظل غياب الدور السابق لروسيا في مناطق سيطرة المعارضة تنبيه تركيا إلى قدرتها على إحداث واقع ميداني جديد بإمكانية تقويض حالة الاستقرار الهشّ التي تشهدها المنطقة منذ ثلاث سنوات تقريبًا، إضافة إلى الضغط على تركيا، نتيجة رفضها المستمر لخطة انسحاب قواتها من سوريا، والتي تقدمت إيران بها في أيلول 2023، ثم جدد النظام السوري المطالبة بها خلال اللقاءات الثلاثية والرباعية التي جرت برعاية موسكو.

في المحصلة، تسعى إيران من خلال تكثيف استخدام الطيران المسيّر في سوريا إلى استعراض القوة والتهديد بتقويض الاستقرار في مناطق شمال غربي وشرقي البلاد، والتأثير على مصير القوات التركية والأمريكية فيها، وفق تقرير المركز.

سوريا “مختبر للطائرات المسيّرة”

تحولت سوريا خلال سنوات النزاع إلى “مختبر للطائرات المسيّرة” لدول ومجموعات مسلحة متنوعة، بحسب تقرير لمنظمة “باكس” الهولندية لبناء السلام.

وجاء في التقرير الصادر في تشرين الثاني 2022، أن كلًا من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا وقوات النظام السوري، استخدمت 39 نوعًا مختلفًا من المسيّرات خلال فترة النزاع المستمر منذ عام 2011.

وقالت المنظمة إن سوريا شكّلت مختبرًا سمح للدول والمجموعات المسلحة باختبار أنواع جديدة من المسيّرات، ودرست كيف يمكن لاستخدامها أن يحسن من التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية.

وخلال العقد الماضي، أظهرت الطائرات المسيّرة المطوّرة في الأجواء السورية كيف بدأت الجهات العسكرية المتعددة بمرحلة تعلم، وكيف عززت من معرفتها من ناحية التصميم والإنتاج.


شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب إياد عبد الجواد




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة