غزة مؤثرة في تقارب أنقرة- دمشق.. لماذا تصر موسكو؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف- (نوفوستي)

camera iconوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف- (نوفوستي)

tag icon ع ع ع

رغم إعلان روسي في وقت سابق عن انهيار مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري منذ نهاية عام 2023، عزت موسكو مؤخرًا تعطل مسار التطبيع للأوضاع في غزة، والحرب الدائرة منذ خمسة أشهر في القطاع.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأسبوع الماضي، إن الخطوات العملية لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا مستحيلة حاليًا بسبب الوضع في قطاع غزة.

ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية، عن لافروف في 2 من آذار، أن موسكو تؤكد اهتمامها بتعزيز تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، “لقد عملنا على ذلك، وفي الواقع نواصل العمل، لكن الخطوات العملية الأن مستحيلة، بسبب حقيقة ما يحصل في غزة”.

وخلال مؤتمر صحفي عقب مشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، اعتبر الوزير الروسي أن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تؤثر بشكل مباشر على جميع المشاركين في هذه العملية (تطبيع العلاقات).

وبحسب لافروف، فإن القصف الذي شنه الأمريكيون على أهداف معينة تابعة لقوات موالية لإيران وقصف العراق وسوريا واليمن، لا يمكن إلا أن يصرف الانتباه عن تطبيع علاقات البلدين، سوريا وتركيا.

“منتدى أنطاليا” بحضور المعارضة

عقدت فعاليات منتدى أنطاليا الدبلوماسي، في 1 و2 من آذار، بحضور دولي، وتمثيل دبلوماسي واسع.

وافتتح المنتدى أعماله بجلسة نقاشية حول سوريا، حضرها، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، وحملت عنوان “الطريق إلى الاستقرار في سوريا”.

وفي الوقت الذي غاب به النظام السوري عن المنتدى، سجلت المعارضة السورية حضورها من خلال مشاركة رئيس “هيئة التفاوض السورية”، بدر جاموس، ورئيس “الائتلاف السوري”، هادي البحرة، ورئيس “الحكومة السورية المؤقتة” عبد الرحمن مصطفى.

تصريحات لافروف تزامنت مع نفي تركي رسمي، لوجود أي خطط لعقد اجتماع في موسكو، بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد.

ونقلت وكالة “نوفوستي” الروسية عن مصدر في إدارة الرئيس التركي، لم تسمه، أن الخطط لاجتماع الطرفين غائبة.

هذا النفي جاء بعد أنباء جرى تداولها عن لقاء محتمل بين أردوغان والأسد في موسكو، إذ نشر الصحفي في “haberturk” تشيتينر تشيتين، عبر “إكس”، أن الرئيس أردوغان والأسد قد يلتقيان في موسكو.

ما علاقة غزة؟

الباحث في العلاقات التركية، محمود علوش، أوضح لعنب بلدي، أن الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها الإقليمية صرفت الاهتمام عن مسار الحوار بين أنقرة ودمشق، لكن هذا الحوار واجه عقبات ما قبل اندلاع الحرب، وهي عقبات معروفة تتمثل باشتراط النظام السوري وضع جدول زمني للانسحاب التركي من سوريا.

ويرى علوش أن أسباب تعطل مسار الحوار لا تزال موجودة، وستظل قائمة في المستقبل، لكن دون أن يعني ذلك أن الحوار وصل إلى طريق مسدود، أو أن الأطراف الفاعلة لم تعد بحاجة له.

وحول أسباب حرص موسكو على مواصلة الحوار، بيّن الباحث أن هذا المسار أدى إلى انخراط تركيا بشكل متزايد في الرؤية الروسية لإنهاء أو تسوية الصراع في سوريا، فتركيا لم تعد فقط جزءًا من منصة “أستانة” التي أحدثت تغيرًا كبيرًا في سياستها تجاه النظام السوري الذي أصبحت تتعامل معه كطرف فاعل في المسألة.

ما غاية موسكو؟

تهدف موسكو أيضًا من استمرار الحوار بين أنقرة ودمشق، إلى مواصلة لعب دور “ضابط الإيقاع” في تشابكات وتداخلات الأطراف الإقليمية المؤثرة في الحالة السورية، ورعاية مسار التقارب تشير إلى أن تركيا مؤثرة في هذه الحالة، سيما أن هذا المسار جاء بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتأثيرها على دور روسيا في السياسة الخارجية، ما يعكس رغبة موسكو بالحفاظ على الحالة التي كرستها منصة “أستانة” لإدارة المصالح المتداخلة مع تركيا في سوريا، وفق الباحث محمود علوش.

“روسيا بحاجة لهذا الحوار رغم العقبات التي تواجهه، لكن مشروع خارطة الطريق الذي يجري العمل عليه قد يحدث خرقًا في هذا المسار”، أضاف الباحث.

الحوار بين أنقرة ودمشق لا يزال يشكل مصلحة لجميع الفاعلين في هذه المسألة، بدءًا من تركيا إلى النظام السوري، مرورًا بروسيا وإيران، والعوامل التي خلقت بيئة لإطلاق الحوار ما تزال قائمة فيما يتعلق بالحالة السورية.

محمود علوش- باحث في العلاقات الدولية

وفي 4 من شباط الماضي، وجه وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، انتقادات للنظام السوري، وآليته التفاوضية، إذ اعتبر فيدان محاولة النظام السوري القيام بخطوة دبلوماسية عبر وضع شروط مسبقة على تركيا “طريقة خاطئة”، موضحًا أن أنقرة نقلت هذه الفكرة إلى دمشق.

أنقرة.. البحث عن بدائل

في معرض تقييمه للمحادثات التي تجري بين تركيا والنظام السوري من وقت لآخر عبر قنوات مختلفة، أضاف وزير الخارجية التركي، أن بلاده تبقي باب الحوار مفتوحًا، معتبرًا أن تركيا لم تقم بأي محاولة لانتهاك عملية “أستانة”، والجهة التي تدعمها تركيا (في إشارة إلى المعارضة السورية) لم تتخذ أي خطوة لتعطيل عملية “أستانة”، وفق تعبيره.

وقال فيدان في 4 من آذار، إن النظام السوري لا يزال غير قادر على الاجتماع مع تركيا لأسباب مختلفة، “عندما يجتمعون لا يمكنهم أن يكونوا على طبيعتهم بأي حال من الأحوال، ومع ذلك ليست لديهم فرصة للقاء، هناك دائمًا دولة أخرى معهم، هذه ليست مشكلة بالنسبة لنا، لأن لدينا ثقة كاملة في أنفسنا، ونعرف ما نريد أن نفعله”، أضاف فيدان.

وحول غاية تركيا من مسار التقارب مع النظام السوري، يرى الباحث محمود علوش أن تركيا لا تنشد التطبيع، مقدار ما ترى في هذا الحوار وسيلة لإيجاد بدائل أخرى تعزز حضور تركيا في الملف السوري وتجعلها أكثر فاعلية في الحالة السورية لتلبية مصالحها على مستوى محاربة الإرهاب ودفع مسار التسوية السياسية في سوريا، وهو أحد أولوياتها في السياسة الخارجية.

كما لا ينبغي النظر أن هذا الحوار سؤدي إلى إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، كأن شيئًا لم يكن، فتركيا ما تزال معنية بوجودها العسكري في سوريا لتحقيق أهدافها ومنها دفع التسوية السياسية في سوريا.

المسار مع وقف التنفيذ

حين أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي، ألكنسدر لافرنتييف، في 29 من كانون الثاني الماضي، تعثر مسار التقارب التركي مع النظام السوري، بشكل واضح، مبينًا توقف المسار منذ نهاية الخريف الماضي، عزا ذلك إلى أن الجانب السوري شعر أن من الضروري الحصول على ضمانات من الجانب التركي بأن القوات العسكرية الموجودة في سوريا ستنسحب “على المدى الطويل”.

ووفق ما نقلته وكالة “تاس” عن المسؤول الروسي، فإنه “لا أحد يقول إن هذه القوات العسكرية سيجري سحبها في الوقت القريب”، ومع ذلك فهذا غير مقبول لأنقرة، لأسباب معينة.

كما بيّن أن أنقرة لا تريد جعل هذا المسار رسميًا، ما يشكل عقبة كبيرة أمام دمشق، لأن الشعب لن يفهم تصرفات حكومته (أي الشعب السوري) التي ستتفاوض مع دولة “تحتل” جزءًا من الأراضي السورية بضعف مساحة لبنان تقريبًا، مشددًا على أن مسألة تطبيع العلاقات التركية مع دمشق لا تزال في طليعة النهج الروسي تجاه سوريا، مع الاعتقاد أن هذه القضية مهمة، وتحتاج إلى إحراز تقدم.

وعند سؤاله عن أهداف العملية العسكرية في العراق وسوريا، خلال مقابلة مع موقع “الجزيرة نت”، في كانون الثاني الماضي، قال وزير الدفاع التركي، يشار غولار، إن موقف أنقرة واضح بشأن مكافحة “التنظيمات الإرهابية”.

وأضاف، “عندما تنتهي التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها بلادنا من شمالي سوريا والعراق، وعند إرساء بيئة سلام وأمان، سنفعل ما هو ضروري مثل أي طرف آخر، عندما تتوفر الظروف اللازمة”.

اقرأ المزيد: بعد مكابرة روسية.. انهيار مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة