العقوبات الأمريكية تعيق أطماع إعادة الإعمار في سوريا

camera iconالرئيس الأمريكي دونالد ترامب (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – اقتصاد

عملت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الماضية على “تصيّد” رجال أعمال سوريين من أجل فرض عقوبات مالية عليهم نتيجة دعمهم للنظام السوري ماليًا، إضافة إلى فرض عقوبات على شركات محلية وأجنبية (روسية خاصة) بتهمة التحايل على العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري وتقديم الدعم له ومساعدته.

العقوبات متعددة وتنص على تجميد الأصول في البنوك الأمريكية لأي من الأشخاص أو الكيانات والشركات التي فرضت عليهم تلك العقوبات، ومنع جميع الشركات الأمريكية من التعامل معهم.

وإلى جانب العقوبات المفروضة من قبل الخزانة الأمريكية، يعمل الكونغرس الأمريكي على تمرير قرار من حزم متراكمة من العقوبات ضد النظام السوري من أجل منع مساعدته في عملية إعادة الإعمار، التي يتم الحديث عنها في سوريا، بحسب ما قال مدير مركز العدالة والمساءلة في واشنطن، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي على هامش ورشة أقيمت في اسطنبول شاركت فيها منظمات مجتمع مدني سورية، للحديث عن عملية إعادة الإعمار.

أسماء بارزة على لائحة العقوبات

بعد اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السوري في 2011، بدأت الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على شخصيات مقربة من الأسد بدءًا من شقيقه ماهر الأسد مرورًا بأقربائه من آل شاليش ومخلوف، وفي مقدمتهم رجل الأعمال المعروف، رامي مخلوف، إضافة إلى فرض عقوبات على رجال أعمال معروفين سابقًا وفي مقدمتهم محمد حمشو.

لكن مع تطور أحداث الحرب السورية واستخدام الأسد للقوة العسكرية بشكل واسع، بدأت الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على رجال أعمال وشخصيات وكيانات لم تكن معروفة لدى السوريين سابقًا وإنما برزت خلال الحرب، ليطلق عليها ما يسمى “حيتان الحرب”.

أسماء كثيرة من رجال الأعمال “حديثي الظهور” على الساحة الاقتصادية، وضعتها أمريكا على لائحة عقوباتها السوداء، منهم مازن ترزي الذي شملته لائحة العقوبات في 2015، وجمدت أصول ممتلكاته داخل أمريكا. وأسهمت واشنطن، في آذار الماضي، بإيقاف بيع أربع طائرات من شركة “إيرباص” الفرنسية لترزي بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا ببيع الطائرات وقطع الغيار، كون الشركات الأمريكية تملك حصة تزيد على 10% منها.

كما اتجهت أمريكا إلى فرض عقوبات على وسطاء النفط، وفي مقدمتهم جورج الحسواني، الذي اتهمته بعقد صفقات مع تنظيم “الدولة الإسلامية” لشراء النفط منه في أثناء سيطرته على آبار دير الزور في 2015 لصالح النظام السوري، إلى جانب بناء شركة HESCO الهندسية لتخديم حقول النفط التابعة للتنظيم.

كما فرضت عقوبات على ياسر ناصر، منسق أعمال شركة الشحن الروسية “سوفراخت” في سوريا، وفريد بيطار وغابريل بيطار اللذين يعملان مفتشين للنفط في ميناء بانياس، بسبب إرسال الشركة الروسية وقود طائرات إلى سوريا وتحويل أموال بالعملة الأمريكية إلى كيانات خاضعة للعقوبات دون الحصول على ترخيص من وزارة الخزانة الأمريكية.

أما أحدث العقوبات فكانت على شركة “القاطرجي” النفطية في سوريا، في 7 من أيلول الحالي، بسبب لعبها دور الوسيط بين النظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية”، عبر تسهيلها نقل شحنات نفطية بين الطرفين، بالإضافة إلى تزويد النظام بالفيول وشحنات أسلحة وتقديم الدعم المالي، كما فرضت على أصحابها، الأشقاء محمد براء وحسام القاطرجي، عقوبات اقتصادية، بالرغم من قلة ظهورهم على الساحة الإعلامية كمقربين من الأسد.

لكن ما الذي يدفع الخزانة الأمريكية لملاحقة من يدعم الأسد ويتعامل معه والتهديد باستهداف كل من ينفذ عمليات مالية معه؟ وما الفائدة من هذه العقوبات؟
يتحدث الإعلام الرسمي السوري بشكل دوري عن إجراءات تتخذها الحكومة على طريق إعادة الإعمار، وذلك لتشجيع الشركات الأجنبية لدخول السوق السورية.

لكن هناك تساؤلًا تطرحه منظمات المجتمع المدني السورية، خاصة المعنية بالمحاسبة على جرائم الحرب، وهو عن الدور الذي ستلعبه هذه الشركات في تعزيز دور النظام في ارتكاب هذه الجرائم والتغطية عليها، أو مشاركتها في الانتهاكات الإنسانية التي وقعت وتقع في سوريا، بالإضافة إلى الآثار السلبية التي يحتمل أن تنجم عن دخول تلك الدول إلى الساحة السورية خصوصًا على الصعيد البيئي.

وطالما أنه لم يحدث انتقال سياسي للسلطة في سوريا، فإن بدء عملية إعادة الإعمار في الوقت الراهن يعني أن يكون النظام هو الموجه لها، وبالتالي سيكون المجال مفتوحًا أمام الفساد والرشاوى التي تقدم بعض الشركات للحصول على توكيلات للبناء والإعمار، بحسب ما قاله مدير مركز العدالة والمساءلة في واشنطن، محمد العبد الله، وبالأخص إذا كان أصل التعاقد مبنيًا على ما يعتبره القانون الدولي جريمة وانتهاكًا لحق من حقوق الإنسان وهو الملكية، كما يحصل في مشروعي “ماروتا سيتي” في منطقة المزة وبساتين الرازي، و”باسيليا سيتي” جنوبي دمشق.

“ماروتا سيتي” مشروع عمراني أعلن عنه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 2012، في منطقة خلف الرازي وبساتين المزة العشوائية، وبدأ العمل به في 2017 من قبل محافظة دمشق وشركة “دمشق القابضة”، التي أطلقتها المحافظة في 2016 برأسمال قدره 60 مليار ليرة سورية، بهدف تنفيذ المشروع، ومن مهام الشركة توقيع اتفاقيات مع مساهمين وشركات أخرى للاستثمار في المنطقة.

في حين أعلنت محافظة دمشق عن مخطط تنظيمي جديد باسم “باسيليا سيتي” (اسم سرياني يعني الجنة)، جنوب المتحلق الجنوبي، في آذار الماضي، يمتد من جنوب المتحلق الجنوبي إلى القدم وعسالي وشارع الثلاثين، وتصل مساحته إلى 900 هكتار بما يعادل تسعة ملايين متر مربع، وعدد عقاراته أربعة آلاف عقار.

واستقطب مشروع “ماروتا سيتي” رجال أعمال مقربين من النظام السوري، ومنهم سامر الفوز ومازن الترزي، ورامي مخلوف (ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد)، الذين أسسوا شركات هدفها الأساسي الاستثمار في هذه التنظيمات.

هذه المشاريع وتحالف الشركات استبقها النظام السوري بسن قرارات تقابل بانتقادات حقوقية تقول إنه هدفها الاستيلاء على أملاك المهجرين والمعارضين السوريين، واستملاك أملاكهم العقارية من قبل جهات سياسية، وأهم هذه القرارات القانون رقم 10 الصادر في 2 من نيسان 2018، وينص على “إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية”.

ويرى العبد الله أن تأمين حد أدنى من الرقابة على عمل هذه الشركات ومنعها من المشاركة في إعادة الإعمار إذا كانت متورطة في جرائم النظام ضرورة مجتمعية، يفرضها الواقع السوري للحفاظ على ملكيات الناس من جهة، وعدم طمس أدلة جرائم النظام من جهة أخرى، فيما يتعلق بإقامة أبنية فوق مقابر جماعية أو مخلفات حروب غير منفجرة.”

ولأن الإدارة الأمريكية تصر على عملية الانتقال السياسي بحسب ما ذكر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أكثر من مرة، مؤكدًا أن “لا مساعدات لنظام الأسد”. وريثما يتم فرض عقوبات أكثر تأثيرًا في الكونغرس، تلجأ الخزانة الأمريكية إلى فرض هذه العقوبات التي من شأنها أن تعرقل عمل هذه الشركات أو رجال الأعمال وإن كانت غير مؤثرة بشكل جدي على المدى النظور.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة