لقمة العيش مقابل “الترويج”.. ما حدود التوثيق لأعمال المنظمات الإغاثية في سوريا

camera iconأطفال في محافظة إدلب يتلقون المساعدة من منظمة Spotlights (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ديانا رحيمة

“الله يجزيكن الخير. جبتولنا هالأكل كنا جوعانين”، تقول فتاة صغيرة في فيديو ترويجي لأعمال منظمة “Spot light” الإغاثية في أحد مخيمات إدلب شمالي سوريا، نُشر نهاية تشرين الأول الماضي، وهو ما أثار غضب ناشطين اعتبروا أن المنظمة لقنت الطفلة تلك الجملة، كطريقة “مهينة” لنشر أعمالها وكسب مزيد من الدعم.

أُطلقت حملة ضد المنظمة من قبل ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، أواخر تشرين الأول الماضي، وجهوا فيها رسالة إلى مديرية الشؤون القانونية بوزارة التنمية والشؤون الإنسانية التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، لاستدعاء المسؤولين في المنظمة وإحالتهم إلى القضاء “بعد إساءتهم للنازحين للمرة الثانية”، إذ كانوا قد أُوقفوا في السابق، وخرجوا بتعهد خطي واعتذار بمقطع مصوّر.

وبعد مرور نحو 20 يومًا على نشر المقطع، أصدرت الوزارة بيانًا أدانت فيه التجاوزات والإساءات التي تقوم بها المنظمات من الناحية الإعلامية التوثيقية.

وجاء في البيان المنشور في 22 من تشرين الثاني الماضي، “تعاملنا في حالات سابقة مع بعض هذه الإساءات التي قامت بها المنظمات من الناحية الإعلامية التوثيقية، والتي تظهر أهلنا بطريقة تنتهك فيها مبادئ العمل الإنساني، وكانت أولى خطواتنا متابعة مصدر المادة، وطلب حذفها من قبل الجهة التي نشرتها، ومن ثم توجيه خطاب تحذيري لتجنب تكرار هذه الإساءة، وإحالة الأمر إلى القضاء المختص”.

وطالبت حكومة “الإنقاذ” في البيان جميع الجهات العاملة في المجال الإنساني، وخاصة في المجال الإعلامي، بالحفاظ على مبادئ العمل الإنساني، وحفظ كرامة السوريين في الشمال عند تقديم المساعدات الإغاثية لهم، والالتزام بمدونة السلوك التي تضمن كرامتهم وعزتهم.

استعطاف أم ضرورة؟

الصحفي والناشط محمد الفيصل، الذي شارك في الحملة الناقدة للمنظمة، قال لعنب بلدي، إن المقاطع المصوّرة المنشورة “تستغل حاجة المستفيدين إلى المواد الإغاثية، وتصورهم بطريقة مذلة، لنيل استعطاف الجهة الداعمة بأقصى درجة على حساب كرامة النازحين”.

وأضاف محمد أن مطلب الحملة هو الالتزام بأخلاقيات التوثيق الصحيح، وذلك بعدم إظهار وجه النازح (المستفيد)، وإجبار الأطفال على التفوه بكلمات مذلة لشكر الجهة الداعمة.

وبحسب المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج” الإغاثية العاملة في الشمال، هشام ديراني، فإن التوثيق الإعلامي لعمليات المنظمات أمر مطلوب لعدة أسباب، وهو أمر محرج في بعض الأحيان لعمال الإغاثة، كما هو لمستحقي المساعدة.

إذ تعتمد المنظمات في التوثيق على جزأين، الأول إعلامي والآخر إداري، لضمان صحة العملية، ويوقع المستفيدون على صحة المعلومة المقدمة من طرفهم، التي تصف الاحتياج أو طبيعة الخدمة التي قدمت لهم.

ويرافق ذلك تصوير لكيفية تنفيذ المهمة من قبل الفريق، وذلك لضمان الالتزام بمعايير التوثيق، بحسب ديراني.

وترى مسؤولة قسم المناصرة في جمعية “عطاء” الإغاثية، ديمة معراوي، أن تصوير الوجوه كمبدأ لا يوجد فيه أي خطأ أو انتهاك، “وإنما الغرض من التصوير وطريقة التصوير هما من يحددان ذلك، فصورة الوجه وحدها أحيانًا لا تعتبر معلومة أو خصوصية، طالما لم يرافقها الاسم والمكان، المسمى بمثلث الخطر”.

لكن الإعلامي في منظمة “مرام” جابر البكري، أشار إلى أن عرض الوجوه في حالة التوثيق أمر تعتمده المنظمات العالمية أيضًا، لكسب استعطاف الجهات المانحة، وخصوصًا عند إظهار وجوه الأطفال أو النساء أو الشيوخ.

الحدود الأخلاقية

بحسب معراوي فإن “التصوير مهم كإحدى أدوات المراقبة لتنفيذ سير العمل وفق الخطة المعتمدة، إذ لا تكفي التقارير المكتوبة ولا الفواتير المرفقة لإثبات أن هذه الخدمة قد تم تنفيذها بالفعل، بل تحتاج إلى إثبات مصوّر للخدمة المقدمة”.

وتابعت في لقاء مع عنب بلدي، “هنا تظهر الحدود الأخلاقية بين الحصول على الدليل المادي، وهو الصورة، لإثبات تنفيذ الخدمة، وبين عدم انتهاك خصوصية أو كرامة المستفيد من خلال التصوير”.

وحول الصور، يجب أن تؤخذ بشكل عام دون التركيز على المستفيدين فقط، “وفي حال الحاجة إلى تصوير مستفيد معيّن تؤخذ الموافقة منه، وإذا كان طفلًا تؤخذ من والديه، وعند وجود أي اعتراض من قبل المستفيدين توقف عملية التصوير”، وفق معراوي.

وأضافت، “يتم الالتزام بسياسة التوثيق التصويري والحفاظ على سرية المعلومات المقدمة من قبل المستفيدين، بالإضافة الى تعهدات خطية موقعة من العاملين بالمنظمة بعدم استخدام المواد الإعلامية لأي غرض، وهناك مواد خاصة ضمن التعهدات توضح العقوبات في حال خرق ذلك”.

المدير التنفيذي لمنظمة “بنفسج” الإغاثية، هشام ديراني، أكد أيضًا أن منظمتهم تتبع “سياسة التوثيق الإعلامي المعترف عليها لحفظ كرامة المستفيدين وعدم الإساءة لهم، وأهم ما فيها عدم تصوير أو أخذ مادة إعلامية لأي شخص إلا بعد شرح المادة له وموافقته عليها”.

قانونيًا

من حيث المبدأ، يحق لأي مؤسسة توثيق ما تقوم بتوزيعه أو إنفاقه، ولكن على ألا تنشر عمليات التوثيق المصورة علنًا، بل أن تكتفي بإرفاقها مع تقاريرها المالية للجهة المانحة، بحسب المحامي غزوان قرنفل.

كما يتعيّن على المنظمة التي تقوم بالتصوير أن تحصل على إذن خطي ممن يتم تصويره، وأن تخبر المستفيد بأنها ستنشر للعلن، وعليها أن تحصل أيضًا على موافقة خطية ممن تم تصويرهم مسبقًا.

وأضاف قرنفل في لقاء مع عنب بلدي أن منظمة “Spotlight”، من خلال طريقتها في التوثيق، تستثمر في مآسي الناس لاستجرار تبرعات وتمويل دون احترام أو وضع أي اعتبار لخصوصية وكرامة من يتم تصويرهم.

وعلى الرغم من أن جريمتي القدح والذم الواردتين في القانون السوري لا تنطبقان على ما ورد في مضامين الفيديوهات المنشورة، “فإن هذا لا يلغي أن تلك المنظمة تقوم بأعمال التشهير والتعرض لمقامات الناس وكرامتهم الإنسانية”، بحسب قرنفل.

وهذا يرتب عليها مسؤولية مدنية على الأقل، “بالتعويض المادي والمعنوي للمتضررين، بالإضافة إلى المنع من مزاولة العمل، أو الالتزام بالموجبات القانونية والأخلاقية التي تحفظ كرامات الناس، لا أن تجعلهم مطية لمسعاها في استدرار مشاعر الآخرين للحصول على تبرعات أو دعم مالي”.

آثار نفسية

لا تقتصر الآثار السلبية لتصوير المستفيدين من المساعدات بطريقة غير مهنية على الإساءة للشخص الذي يظهر في التسجيل، بل غالبًا يخلف ظهور الإنسان بمظهر المحتاج أمام المجتمع المحيط أضرارًا نفسية واجتماعية.

الاستشاري في الطب النفسي الدكتور جلال نوفل قال لعنب بلدي، في وقت سابق، إن الهدف المفترض من تقديم المساعدات، في وقت الأزمات، هو تمكين المحتاجين، وليس إظهارهم بمظهر الضعف والعجز.

وقد تتشكل عند المحتاج “سيكولوجيا المتسوّل” جراء تكرار ذلك السلوك، كما قد تنشأ لديه مشاعر سلبية طويلة الأمد إزاء الجهة التي أساءت إلى إنسانيته وكرامته، لتعمّدها إظهاره في موقف الضعف.

أما بالنسبة للأطفال، فيرى الدكتور نوفل أن تلك السلوكيات قد تشكل لديهم بالمستقبل شعورًا بالخجل والإحراج لظهورهم بشكل غير لائق، وقد يسود لديهم شعور باللاعدالة، ومشاعر سلبية ضد ذويهم لموافقتهم على تصويرهم بتلك الظروف.

لا غنى عن المساعدات

موجات النزوح المتتالية، وتعثر الأنشطة الاقتصادية، وارتفاع نسبة الفقر في سوريا، جعل من المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية قضية حيوية بالنسبة للمدنيين.

وبحسب نائب منسق الإغاثة الطارئة في للأمم المتحدة، راميش راجاسنغهام، فإن “أكثر من ثلاثة ملايين شخص في أنحاء سوريا يحتاجون إلى المساعدة خلال شتاء قاسٍ للغاية”، مشيرًا إلى أن النازحين ما زالوا “معرضين للخطر بشكل خاص”، وفقًا لما نقله الموقع الرسمي للأمم المتحدة، في 25 من تشرين الثاني الماضي.

وأضاف أن 6.7 مليون سوري نزحوا داخليًا، موضحًا أن ثلثهم يفتقرون إلى المأوى المناسب ويقيمون في مبانٍ متضررة أو أماكن عامة مثل المدارس أو الخيام.

كما تحدث نائب منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة عن الوضع الاقتصادي المتدهور، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مؤكدًا أن “الناس صاروا غير قادرين بشكل متزايد على إطعام أسرهم”، لافتًا إلى أن 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون انعدام الأمن الغذائي.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة