“ممرات روسيا الإنسانية” في أوكرانيا.. تهجير قسري عايشه السوريون

camera iconعائلات أوكرانية نازحة 27 من شباط 2022 (AP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مأمون البستاني

لم تمر سوى أيام قليلة على بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، لتعلن وزارة الدفاع الروسية عن وقف لإطلاق النار وفتح “ممرات إنسانية”، لإجلاء المدنيين إلى وجهات أغلبها تخضع لسيطرة روسيا أو حلفائها.

الاستراتيجية التي تتبعها روسيا ليست بالأمر الجديد، إذ سبق أن استخدمتها مرارًا في مختلف مناطق المعارضة بسوريا، بعد أن فرضت مع قوات النظام السوري حصارًا على تلك المناطق، انتهى بإعادة سيطرة النظام السوري على مساحات واسعة من البلاد، كانت خارج سيطرته قبل التدخل الروسي عسكريًا لدعم النظام في العام 2015.

باحثة سوريا لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة كيالي، شكّكت في نجاح استراتيجية “الممرات الإنسانية” في أوكرانيا، وذلك انطلاقًا من التجربة السورية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن كيالي قولها، “هاجم تحالف القوات السورية- الروسية ومجموعات المعارضة الممرات. وفي بعض الحالات، وجد مدنيون استخدموها أنفسهم قيد التوقيف أو الإخفاء، عوضًا عن بلوغ برّ الأمان”.

“الممرات الروسية”.. استخفاف أخلاقي

بعد أكثر من أسبوعين على بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، أعلنت روسيا ثلاث مرات عن فتح “ممرات إنسانية”، كان آخرها في 11 من آذار الحالي، في مدن كييف وتشيرنيهيف وسومي وخاركوف وماريوبول، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وفي 7 من آذار الحالي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية وقفًا لإطلاق النار، لتأمين “ممرات إنسانية” من مدن كييف، وماريوبول، وخاركوف، وسومي، وجومشافت، بعد طلب توجّه به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اتصال هاتفي بينهما.

إلا أن ماكرون دان “استخفاف” بوتين بالمبادئ “السياسية والأخلاقية”، حين اقترح إقامة “ممرات إنسانية” لسكان عدة مدن أوكرانية “لنقلهم إلى روسيا”.

وقال ماكرون في مقابلة مع قناة “إل سي إي” الفرنسية، “ليست هذه الممرات ببساطة ما هو مهم، أو هذا الخطاب المنافق القائم على قول، (سنحمي الناس لنقلهم إلى روسيا)”.

وأضاف، “كلّ هذا ليس جديًا، إنه استخفاف أخلاقي وسياسي لا يُحتمل بالنسبة لي”.

ولفت ماكرون إلى أن الوضع في أوكرانيا يزداد سوءًا كل يوم، وأن فرنسا ستواصل الضغط على روسيا من خلال العقوبات.

وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت، في 5 من آذار الحالي، في بيان عن وقف إطلاق النار وفتح “ممرات إنسانية”، لخروج السكان المدنيين من ماريوبول وفولنوفاخا.

وبحسب البيان، “تم الاتفاق مع الجانب الأوكراني على الممرات الإنسانية وطرق خروج المدنيين من هذه المدن”.

“الممرات” الروسية في الحالة السورية

منذ عام 2016، وبعد أشهر قليلة على تدخلها العسكري في سوريا دعمًا للنظام السوري، بدأت روسيا باللجوء إلى استراتيجية “الممرات الإنسانية” في عدة مناطق سورية، وذلك عقب عمليات القصف والتدمير والحصار.

ومع الإعلان الروسي عن فتح “الممرات الإنسانية” في أوكرانيا، وانتشار صور المهجرين الأوكرانيين عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عادت إلى أذهان عشرات آلاف السوريين صور معاناة التهجير القسري الذي عايشوه بكل تفاصيله خلال السنوات السابقة، قبل تهجيرهم من مناطقهم على يد روسيا الحليف الرئيس للنظام السوري.

“رشا” (34 عامًا)، اسم مستعار لسيدة سورية مقيمة في مدينة اسطنبول التركية، طلبت عدم الكشف عن اسمها الصريح لأسباب اجتماعية، قالت لعنب بلدي، “عندما رأيت المدنيين الأوكرانيين يفرّون من القصف الروسي على مدنهم، عاد بي الزمن إلى العام 2016، عندما أُجبرت أنا وعائلتي على الخروج من أحياء حلب الشرقية”.

وأضافت أنه “رغم اختلاف الظروف، فإن الفاعل الذي يهجّر المدنيين العزّل هو واحد. هُجّرنا من حلب إلى إدلب، وبعد ذلك دخلنا إلى الأراضي التركية”.

“رشا” أشارت إلى أن “روسيا الآن تقوم بتهجير المدنيين الأوكرانيين أيضًا، مثلما فعلت معنا، هي والنظام مسؤولان عن تشريدنا وإبعادنا عن منازلنا”.

أما مصطفى الوائل (26 عامًا)، من أبناء الغوطة الشرقية بريف دمشق، فقال إن الصور التي يشاهدها للمدنيين الأوكرانيين وهم يغادرون مجبرين مدنهم، تذكّره باللحظات الأخيرة التي عاشها في الغوطة قبل تهجيره إلى الشمال السوري في العام 2018.

وأضاف لعنب بلدي، أن “روسيا تتبع نفس الأسلوب لتهجير المدنيين الأوكرانيين عبر القصف والتدمير، رغم أننا نشاهد التضامن الأوروبي والغربي بدرجة أكثر مع أوكرانيا مما حدث في سوريا”.

“الشبكة السورية”: ممرات تشريد قسري

مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن “الممرات الإنسانية” من ناحية المبدأ أمر مطلوب وضروري، إذ إن توقف القتال وفتح “الممرات” يسمح للمدنيين بالخروج من مناطق القتال، وعدم بقائهم هدفًا للأطراف المتحاربة.

وأوضح عبد الغني أن فتح “الممرات الإنسانية” يكون قبل الهجوم على المنطقة، من خلال إنذار المدنيين الذين يريدون الخروج من مناطق القتال، وتقوم الجهات المسؤولة عن المنطقة التي يوجد فيها المدنيون بتأمين إجلائهم وتسهيل عبورهم وعدم منعهم من الخروج.

وأضاف أنه في الحالة الأوكرانية تأخّر فتح “الممرات الإنسانية”، لأن من المفترض فتحها قُبيل الهجوم على أي مدينة، وكذلك خلال المعارك، لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين.

أما في الحالة السورية فالأمر مختلف تمامًا، بحسب عبد الغني، مبينًا أن فتح “الممرات الإنسانية” تأخر جدًا في معظم المناطق السورية، حتى إن مناطق كثيرة لم تشهد فتح أي “ممرات”، في حين تعرضت مناطق أخرى لقصف عنيف على مدار أشهر، إضافة إلى حصارها بشكل مطبق قبل أن يتم فتح “ممرات” لا يمكن وصفها بـ”الإنسانية”.

وبيّن عبد الغني أن “الممرات” التي أعلنت روسيا عنها في بعض المناطق في سوريا، هي “ممرات تشريد قسري”، كتلك التي فُتحت في حلب والغوطة الشرقية بريف دمشق ودرعا، بعد قصف المدنيين وسحقهم، عقب فرض اتفاقيات إجبارية لـ”المصالحة”.

وقال مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إنه “بناء على ما تعرّض له السوريون على يد قوات النظام السوري وحليفته روسيا، يمكننا القول إن فتح الممرات الإنسانية في أوكرانيا مختلف تمامًا عمّا جرى في سوريا، التي في الواقع لم تشهد وجود ممرات إنسانية بالمعنى الحقيقي، إذ كانت ممرات لمن نجا من القصف فقط”.

روسيا “مهندسة” التهجير في سوريا

تحاول روسيا اتباع نفس الاستراتيجية التي اتبعتها في سوريا عبر تفعيل “الممرات الإنسانية” في أوكرانيا.

ووصفت كييف تلك “الممرات” بأنها حيلة دعائية، لأن العديد من طرق الخروج تؤدي إلى روسيا أو حليفتها بيلاروسيا، ويتهم الجانبان بعضهما بعضًا بخرق وقف إطلاق النار.

الباحثة في معهد “الشرق الأوسط” إيما بيلز قالت، “في أوكرانيا، نشهد بعض المخاطر التي رأيناها في سوريا”، بحسب ما نقلته عنها وكالة الصحافة الفرنسية.

وأضافت أنه في بعض الأحيان، تقود طرق الإجلاء إلى أراضٍ يسيطر عليها أحد أطراف النزاع، وتكون لدى الخارجين مخاوف تتعلق بالأمن والحماية.

وأشارت بيلز إلى أنه في بعض الحالات، تتم مهاجمة الطرق خلال عمليات الإجلاء، ما يتسبّب بإصابة أو مقتل مدنيين.

وتعتبر روسيا “مهندسة” استراتيجية فتح “الممرات الإنسانية” وإبرام اتفاقات “المصالحة” في سوريا، التي أدت إلى إجلاء وتهجير عشرات آلاف المدنيين من مناطق عدة كانت تحت سيطرة المعارضة السورية.

في شباط من العام 2016، أسست روسيا “المركز الروسي للمصالحة”، بموجب اتفاق روسي- أمريكي على وقف إطلاق النار في سوريا، بهدف إنجاح مفاوضات السلام بين أطراف المعارضة والنظام السوري.

وكان من مهام المركز حينها، تنسيق وصول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق، ليتضح لاحقًا أن دوره ينحصر في تحقيق اتفاقات سلام “على مقاس روسيا والنظام السوري فقط”، بحسب ما قالته مديرة قسم التقارير في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، سمية الحداد، في حديث سابق إلى عنب بلدي.

وأضافت الحداد أن “المركز” عمل على رعاية معظم اتفاقات “التشريد القسري”، والترويج لفتح “معابر إنسانية” وتوزيع المساعدات الإنسانية للعائدين عبرها.

واعتبرت أن اتفاقيات “خفض التصعيد” في المحصلة كانت وسيلة لـ”تسهيل استعادة النظام سيطرته على هذه المناطق بشكل متتالٍ، وتشريد سكانها قسرًا” باتجاه شمال غربي سوريا.

أبرز عمليات التهجير في سوريا برعاية روسية

حلب 2016

في تموز 2016، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن موسكو بدأت “عملية إنسانية” مع النظام السوري في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، لتؤمّن “ممرات” لخروج المدنيين والمسلحين، بعد حصار خانق ومحكم.

وصرح شويغو حينها أن ما وصفها بـ”العملية الإنسانية” بدأت، مضيفًا أن المدنيين الذين يريدون مغادرة حلب يستطيعون الخروج عبر ثلاثة “ممرات”، بينما سيكون هناك “ممر” رابع قرب طريق “الكاستيلو” للمسلحين الراغبين في الاستسلام وإلقاء السلاح، على حد تعبيره.

وفي 19 من كانون الأول 2018، وصلت الدفعة الأولى من مهجري مدينة حلب إلى مناطق الريف الغربي.

وأفاد مراسل عنب بلدي في ريف حلب حينها، أن قرابة ثلاثة آلاف مدني وصلوا إلى منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، تزامنًا مع خروج حافلات من بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب.

وتمت عملية التهجير، بموجب اتفاق أبرمته روسيا وإيران مع تركيا، وانتهت عمليات الإجلاء في 22 من كانون الأول 2016.

حمص 2017 و2018

في أيار 2017، وصلت آخر دفعة من مهجري حي الوعر في حمص، إلى مخيم “زوغرة” في ريف جرابلس بريف حلب الشمالي.

وخرجت الدفعة الأولى من مهجري الوعر في 18 من آذار 2017 إلى مدينة جرابلس، بموجب اتفاق رعته روسيا، نص حينها على خروج مقاتلي المعارضة ومن يرغب من المدنيين من الحي.

وقدّرت عنب بلدي حينها بحسب المعطيات التي حصلت عليها، أن أعداد المهجرين من حي الوعر تراوحت بين 20 و25 ألف شخص، بنسبة تتجاوز 80% من عدد قاطني الحي.

وفي أيار من العام 2018، أبرمت روسيا اتفاقات مع فصائل المعارضة السورية، خرجت بموجبها دفعات من مهجري ريف حمص الشمالي إلى الشمال السوري.

الغوطة الشرقية 2018

عانت الغوطة الشرقية التي شكّلت أبرز معقل للمعارضة قرب دمشق منذ عام 2012 من حصار محكم لسنوات، فاقم مأساة نحو 400 ألف من سكانها.

وشنت قوات النظام المدعومة روسيًا هجومًا على الغوطة شرق دمشق، في شباط 2018، وانتهت الحملة بعد أن قُسّمت الغوطة إلى ثلاثة جيوب تسيطر عليها ثلاثة فصائل مختلفة.

وفي 26 من الشهر ذاته، أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بـ”هدنة إنسانية يومية”، وأعقب ذلك توقيع اتفاقات رعتها روسيا لإجلاء مقاتلي المعارضة، والمدنيين غير الراغبين بالبقاء في المنطقة إلى الشمال السوري.

ووقّع فصيل “حركة أحرار الشام الإسلامية” أول اتفاقية تقضي بنقل مقاتليه والمدنيين غير الراغبين بـ”تسوية” أوضاعهم مع النظام السوري إلى الشمال السوري، في 21 من آذار 2018.

وبعدها بيومين، اتفق “فيلق الرحمن” والجانب الروسي على خروج الفصيل من القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، بالإضافة إلى المدنيين غير الراغبين بالبقاء تحت سيطرة النظام السوري.

وكان “جيش الإسلام” آخر الخارجين عقب توقيعه اتفاقية، في 8 من نيسان 2018، وبعد أقل من خمسة أيام خرج آخر عنصر مقاتل من الغوطة شرق العاصمة دمشق.

وبلغت أعداد المهجرين من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري 67 ألفًا، وفق أرقام مجلس محافظة ريف دمشق حينها.

درعا 2018 و2021

توصلت قوات النظام وروسيا، في تموز 2018، إلى اتفاق “تسوية” في درعا عقب حملة عسكرية تلت سيطرة النظام على محيط دمشق وريف حمص الشمالي بـ”تسويات” عملت روسيا على تمريرها.

وتسبّبت الحملة العسكرية حينها بنزوح 234 ألف شخص من محافظة درعا، وفق إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة في 11 من تموز 2018، ووُضعت فصائل المعارضة أمام خيار “تسوية” أوضاعها أو التهجير نحو الجيب الأخير للمعارضة في إدلب.

ورغم تطبيق الاتفاق الذي صار يُعرف باسم “تسوية 2018″، لم تلتزم روسيا بالتزاماتها تجاه الاتفاق الذي كان من المفترض أن يجري من خلاله إطلاق سراح المعتقلين من أبناء درعا، وسحب قوات النظام إلى ثكناتها العسكرية خارج المنطقة.

بعد هدوء نسبي لنحو ثلاث سنوات، شهدت مدينة درعا، في نهاية تموز 2021، تصعيدًا عسكريًا دفع أكثر من 38 ألف شخص إلى النزوح خلال شهر تقريبًا، وفق الأمم المتحدة.

وقادت روسيا مرة جديدة مفاوضات بين الطرفين أثمرت اتفاقًا في آب 2021، أدى إلى إجلاء عشرات المقاتلين المعارضين إلى شمالي سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة