تعا تفرج

ردًا على صديقي “ميم ميم”

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

صديقي “ميم ميم”، مثقف سوري متميز، صاحب رأي حصيف. قال لي، حرفيًا: مللنا، والله يا خطيب، من الحكي عن جرائم النظام، و”داعش”، و”جبهة النصرة”، وعن خلافات معاوية وعلي، وصراع الأمويين مع العباسيين.

وقال: بماذا يفيدنا، اليوم، الحديث عن استبداد السلطان عبد الحميد الثاني، ومشانق جمال باشا، وانتهاء الخلافة 1918، وكتاب علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم” الذي أثبت أن الإسلام لم يضع نظامًا للحكم، فقامت قيامة شيوخ الأزهر عليه، ورد عليه حسن البنا بتأسيس جماعة “الإخوان”؟ يا أخي، أما آن الأوان أن نحكي عن الحاضر والمستقبل؟

بدا لي كلام “ميم ميم”، لأول وهلة، غاية في الصحة، وأيّدته، ولكنني تراجعت عن تأييده، قلت له: اسمع يا حبيبي “ميم”، أما عن الحاضر، فلا أظن أن هناك وضعًا أشد منه زفتًا وقطرانًا، وأما عن المستقبل، فنحن نحتاج إلى عقل يشبه عقول الألمان الذين هُزموا في الحرب العالمية الثانية، ووقعت مدنهم وقراهم على الأرض، وفي غضون سنوات قليلة بدأوا يسابقون الأمم التي لم تخض الحرب أصلًا، لأنهم، كما تقول أنت، قطعوا مع الماضي، وعالجوا الأسباب التي أدت إلى دمار بلادهم، وتصالحوا مع الشعوب التي حاربوها، فأمنوا شرورها، وقاموا إلى العِلم والعمل وبناء الدولة، أو مثل عقول اليابانيين الذين ضُربوا بقنبلتين نوويتين، طحنتا أخضر بلادهم ويابسها، ومع ذلك هبوا، وتطوروا. وإذا قلت لي إننا لا نمتلك مثل عقولهم، سأرد عليك قائلًا يا ليتنا كنا كذلك وحسب، فنحن لا تعجبنا عقول الألمان واليابانيين أصلًا! وأنا، محسوبك، كتبت على “تويتر”، مرة، أن عقول بعض شباننا تسوغ لهم التحرش بفتياتنا، وحكيت عن مساوئ التحرش، وأنه يدل على اختلال في تركيبة مجتمعنا، وتشوه في العلاقة بين الرجل والمرأة، فتدفق عليّ مناصرو التحرش مثل السيل، لا ليؤيدوا كلامي أو يعارضوه، بل ليثبتوا لي أن التحرش ليس شأنا خاصًا بمجتمعاتنا وحدها، بل هو شائع في أمريكا وأوروبا ودول آسيا المتقدمة، وأتوني بإحصائيات لا يمكن لأي ذي لب أن يعرف كيف فُبْرِكَتْ، تثبت أن الشبان، في تلك الدول المتقدمة، لا همّ لهم ولا كار غير الركض وراء الفتيات، وتلطيشهم بعبارات مثل “تيجي نيجي”؟ أو “حتندم يا جميل”، أو، إذا كانت الفتاة ترتدي الملحفة الخراطة، يقول لها: “ياما تحت الملاحف متاحف”. ومرة، يا سيدي، ضمن مؤسسة “الائتلاف”، ممثلة معارضتنا التي يفترض بها أن تكون البديل الديمقراطي للنظام المستبد، اكتشفتُ أن إصرار جماعة ميشيل عفلق على تسمية سوريا “الجمهورية العربية السورية” أقل بكثير من إصرار بعض المعارضين، والطرفان كلاهما، جماعة النظام وبعض المعارضين، يصران على أن يُذكر في الدستور أن دين رئيس الدولة الإسلام، مع أن حافظ الأسد لم يذكرها في أول نسخة من دستوره، وعندما شهدت البلاد ردود فعل غاضبة، أضافها، واعتذر، وقال لهم: أنا مسلم مثلكم وطجة. فسكتوا.

هذا غيض من فيض، وأنا، وبناء على اقتراح صديقي العزيز، سأنشر عدة زوايا، عن انقضاض الماضي على أي محاولة لتطوير حاضرنا ومستقبلنا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة