أبناء اللعبة يعرّون منظومة كرة القدم في سوريا

camera iconماهر السيد (يمين) وجوزيف شهرستان وجمال الكشك (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

يشهد واقع كرة القدم في سوريا تخبطات مستمرة، وتثير ملفات الفساد التي يكشف عنها الإعلام تفاعلًا واسعًا في الشارع الرياضي السوري الذي لم يعد يعوّل على كلام ووعود اتحاد الكرة، بحسب منشورات وتعليقات المتابعين على وسائل التواصل.

دوري لم ينطلق وأندية مثقلة بالعقوبات المالية، وسط احتمالية غياب الجمهور عن الملاعب، ولاعبون كانوا جزءًا من ذاكرة كرة القدم السورية وسجلوا أرقامًا في تاريخها تُركوا دون اهتمام أو متابعة، بعضهم مشردون في شوارع سوريا، وبعضهم متروكون لأقدارهم يصارعون الظروف للحصول على أدوية وعلاج أو لقمة عيش.

وعود لا تُنفّذ، وإصلاحات لا تزال حبيسة البيانات، ومذكرات تفاهم لا تبصر بنودها النور، وسط وجود كيانين هما اتحاد كرة القدم الذي يرأسه صلاح رمضان، والاتحاد الرياضي العام الذي يرأسه فراس معلا.

ما سبق ليس جديدًا على متابعي كرة القدم في سوريا، لكنه لم يعد حبيس صدور المشجعين، وبات يخرج عبر شتائم خلال المباريات أو خلف الشاشات، أو بتعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، وأفصح عنه لاعبون ومدربون وإداريون ليعرّوا منظومة اتحاد الكرة الهشة والمكشوفة أمام الجميع.

صافرة الدوري معطّلة

لا تزال عجلة الدوري السوري لكرة القدم متوقفة عن الدوران، بعد سجال بين مدربين واتحاد الكرة، وانتقادات من وسائل إعلام حكومية ورياضيين، لتأجيل بدء المنافسة التي كان من المقرر أن تنطلق في 25 من آب الماضي، لكنها أُجّلت إلى 22 من أيلول الحالي.

في 21 من آب الماضي، قال اتحاد الكرة إنه قرر تأجيل الدوري لمدة شهر، بناء على طلب 11 ناديًا أرسلت كتبًا بتأجيل أول مرحلتين لعدم الجاهزية الفنية والبدنية والتنظيمية، رغم تأكيدات سابقة لصلاح رمضان بعدم التأجيل واستغرابه من المطالب، معتبرًا أن ذلك سيرتب أعباء مالية على الأندية التي تعاني ماليًا.

صحيفة “تشرين” قالت حينها، إن من عوامل قرارات التأجيل “غياب الرؤية والخبرة التنظيمية لدى أعضاء الاتحاد”، في حين هاجمت صحيفة “البعث” الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا الاتحاد، معتبرة وفق “مراقبين” أن القائمين على المسابقات لم يراعوا مصلحة الأندية بوضع أجندة مباريات مقبولة ومنطقية وواقعية وسهلة، وأن المعاناة ستستمر كما المواسم الماضية.

مطلع آب الماضي، وقبل التأجيل، توجه رئيس مجلس إدارة نادي الوحدة، ماهر السيد، إلى صلاح رمضان في المؤتمر السنوي للجمعية العمومية للاتحاد قائلًا، “السؤال الذي أريد طرحه، الملاعب ما جاهزة، وأنا لدي معلومات أن جميع الملاعب ما جاهزة بمختلف المحافظات، والدوري بدون جمهور ما بينلعب”.

وتابع السيد، “أنا كرئيس نادي الوحدة لا أبدأ الدوري بدون جمهور، لأن حلاوة كرة القدم وقوة الدوري بالجمهور، إذا أرضية الملاعب ما جاهزة والجمهور ما رح يحضر، معناها ما في تطور لمستوى اللعبة”.

لاعبون يبحثون عن رواتبهم

يعاني لاعبون وإداريون بأندية كرة القدم في سوريا عدم القدرة على تحصيل حقوقهم المالية المنصوص عليها في العقود والمترتبة على أنديتهم حتى بعد اعتزالهم، رغم وجود اتحاد الكرة ووجود قانون يمنع مشاركة النادي بالدوري قبل أن يبرّئ ذمته المالية.

ولا يزال لاعب كرة القدم السابق عبد القادر دكة الذي لعب لأندية سورية عديدة وللمنتخب يبحث عن حقوقه المالية من نادي عفرين، رغم إقرار اتحاد الكرة بها، واعتبر اللاعب أن حكم اتحاد الكرة له بمبلغ من النادي هو مجرد “حبر على ورق”، ولا توجد أي جهة تستطيع تحصيل أموال اللاعبين من الأندية.

وقال دكة لبرنامج “الكابتن” الرياضي المحلي، إن اتحاد الكرة يحكم للاعبين بحقوقهم المالية من الأندية، لكن الأموال لا يمكن تحصيلها، رغم وجود قانون يجبر الأندية قبل بدء كل موسم على تصفية الذمم المالية للاعبيها السابقين، لافتًا إلى أن حالته مشابهة للاعبين كثر.

وفي 21 من كانون الأول 2022، أعلن نادي الاتحاد (أهلي حلب) فسخ عقد مهاجمه النيجيري أوكيكي أفولابي بالتراضي، بعد أن غادر اللاعب سوريا منذ أكثر من شهر لعدم دفع مستحقاته المالية.

وجاء فسخ العقد حينها بعد أكثر من 40 يومًا على مغادرة النيجيري الأراضي السورية، وكانت آخر مباراة خاضها في 21 من تشرين الأول 2022 أمام نادي الطليعة.

وتعاني الأندية في سوريا ضائقة مادية، ترافقها عقوبات مالية لاتحاد الكرة بسبب حوادث الشغب المتكررة، تتبعها انتقادات تطال الاتحاد، منها انتقاد رئيس نادي الاتحاد (أهلي حلب)، رصين مارتيني، الذي اعتبر أن العقوبات “مجحفة وغير واقعية” بحق الأندية، مطالبًا بتوجيهها للأشخاص المسؤولين.

وذكر مارتيني أن كل ملاعب العالم فيها كاميرات مراقبة وعناصر حفظ نظام مدربون لحالات الشغب، ويقع على عاتقهم معرفة وتحديد المسيئين، وفرض عقوبات عليهم دون غيرهم.

ذاكرة الكرة في سوريا منهكة

تفتقد منظومة الكرة في سوريا إلى الاهتمام باللاعبين السابقين، أو تخصيص دعم لهم، أو الاهتمام بالمرضى منهم، وسط ظروف معيشية واقتصادية متردية وأزمات متلاحقة تشهدها سوريا.

ويحتاج لاعب منتخب سوريا سابقًا جمال كشك إلى ما لا يقل عن 2.5 مليون ليرة سورية (نحو 180 دولارًا) شهريًا قيمة علاج لأمراضه التي يعانيها، إذ لاحقه مرض السرطان بأماكن مختلفة من جسده منذ 2001، في حين يتلقى معاشًا شهريًا من الاتحاد الرياضي يبلغ 90 ألف ليرة سورية (سبعة دولارات).

وقال كشك لـ”شبكة غلوبال” المحلية في تموز الماضي، إنه يحتاج من عملية جراحية إلى اثنتين كل عام، وهذه العمليات تحتاج إلى تكاليف عالية، لافتًا إلى أن من يساعده هم رياضيون سابقون ورجال أعمال، وهناك دعم بسيط من الاتحاد الرياضي حسب الإمكانيات.

وذكر أن مرضه غير مشمول في تأمينات الاتحاد الرياضي العام، مطالبًا بتشكيل صندوق أو إيجاد حل لدعم الرياضيين المحتاجين.

وفي 6 من حزيران الماضي، أثار ظهور لاعب منتخب سوريا لكرة القدم سابقًا، جوزيف شهرستان، مشتكيًا من وضعه المعيشي والاجتماعي، عبر مقابلة مصورة بعنوان “من الشهرة إلى التشرد”، تفاعلًا واسعًا في الشارع الرياضي السوري، واستياء من عدم اهتمام الاتحاد الرياضي برموز اللعبة.

وطالب شهرستان القائمين على الرياضة في سوريا بدعم لاعبي ونجوم الكرة في سوريا ورعايتهم طبيًا، حتى يتمكنوا من إكمال حياتهم، لا سيما أنهم رفعوا اسم سوريا في عالم الرياضة.

ودعا إلى الاهتمام بالرياضيين “الدراويش الأوادم”، لأن معظم لاعبي كرة القدم السورية قادمون من عائلات متواضعة، ومن المفترض أن يتلقوا دعمًا، وقال شهرستان، إن صاحب المنزل الذي يستأجره أبقاه في الشارع، وإن “الحزن موجود والزعل موجود، لأن الرصيد المالي ضعيف، والاجتماعي مع كبار القوم الرياضيين مفقود”.

وعود حبيسة البيانات

أمام هذا الواقع الرياضي المتردي، يقدم اتحاد كرة القدم في سوريا ورئيسه صلاح الدين رمضان، الذي تولى المنصب في 23 من أيار 2022، وعودًا كثيرة، ويوقع مذكرات تفاهم، أحدثها في 13 من آب الماضي مع رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، ياسر بن حسن المسحل، قال الاتحاد السوري، إنها تركز على استضافة معسكرات تدريبية للمنتخبات السورية في المملكة، وتطوير فئات البراعم، وتدريبات شاملة للحكام وورشات عمل للمدربين.

وتشارك المنتخبات للفئات العمرية في كلا البلدين بمباريات وبطولات ودية في المستقبل، وتوفر فرصة للفرق الوطنية للسيدات كي تستفيد من معسكرات تدريبية تنافسية في المستقبل، كجزء من المذكرة.

ووافق الاتحاد السعودي على تزويد نظيره السوري بتقنية “اللايت فار”، مع تكليف المعنيين في الاتحادين ببحث الأمر والبدء بتجهيز الكوادر لذلك من حكام وتقنيين، وفق الاتحاد السوري.

الاتحاد السعودي لكرة القدم قال عبر الحساب الرسمي، إن المسحل بحث مع رمضان سبل تعزيز التعاون بين الاتحادين خلال الفترة المقبلة، “بما يخدم كرة القدم العربية والآسيوية”، دون أي تفاصيل أخرى.

وفي تشرين الأول 2022، قال رمضان، إن اتحاد الكرة يسعى لاستخدام تقنية الفيديو “VAR” في مباريات الدوري السوري ابتداء من الموسم المقبل، ويحاول تأمين كل التجهيزات اللازمة لها.

كلام رمضان قوبل بموجة سخرية على مواقع التواصل، لأنه جاء بعد يومين من وفاة مدرب حراس كرة القدم في نادي معضمية الشام خالد الشيخ (أبو محمد)، نتيجة أزمة صحية تعرّض لها خلال مباراة في سوريا، وسط غياب سيارات الإسعاف في الملعب.

وعلى مستوى الملاعب، يعاني ملعبا “الفيحاء” و”العباسيين” ضعف البنية التحتية ورداءة الأرضية، ويحتاجان إلى إعادة تأهيل، ويحاول اتحاد الكرة استجلاب الدعم عبر إطلاع وفود رياضية على واقع الملعبين لكن دون جدوى.

وتعتبر الرياضة في سوريا بعيدة عن أولويات النظام السوري، التي يوظفها لتأكيد حضوره خارجيًا، وسط اتهامات بـ”الفساد والواسطة” للمنظومة الرياضية في سوريا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة