الغريب.. حالة إشكالية تمهد لمحاكمات المنشقين السوريين في أوروبا

السوري إياد الغريب أمام محكمة ألمانية في كوبلنز لاتهامه بارتكاب جريمة ضد الإنسانية حين كان ضابطًا في جهاز أمن الدولة السوري في فرع الخطيب الأمني- 24 من شباط 2021 (AFP)

camera iconالسوري إياد الغريب أمام محكمة ألمانية في كوبلنز لاتهامه بارتكاب جريمة ضد الإنسانية حين كان ضابطًا في جهاز أمن الدولة السوري في فرع الخطيب الأمني- 24 من شباط 2021 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – براءة خطاب

خرج المسؤول السابق في المخابرات السورية إياد الغريب من السجون الألمانية، بعد أربع سنوات ونصف قضاها بموجب حكم قضائي صدر فيما يعرف بمحاكمة “كوبلنز”، لتظهر عدة تساؤلات حول أثر هذه المحكمة على مسار تقاضي السوريين في أوروبا، وهل تحدث تغييرًا في قضية المعتقلين بالسجون السورية، وطالبي اللجوء المنشقين عن النظام.

كانت نتيجة المحاكمة الصادرة منذ نحو سنتين ونصف مخيّبة لآمال بعض الناشطين الذين اعتبروا أن الحكم مخفف، وأن إياد الغريب يستحق السجن مدة أطول لكونه جزءًا من المنظومة الأمنية الضالعة باعتقال وتعذيب مدنيين ومتظاهرين سلميين.

بينما يعتقد آخرون أن الحكم تعسفي، لأن الغريب انشق عن النظام منذ بداية الثورة السورية، وساعد معتقلين خلال الفترة التي قضاها في الفرع “40” بدمشق قبل انشقاقه.

ورحب بعضهم بالحكم الذي وصفوه بـ”المنصف”، لأنه يشكل إدانة لجرائم النظام السوري ككل بحق المعتقلين، وليس فقط لشخص الغريب، ولكون المحكمة راعت جميع إجراءات المحاكمة العادلة.

وأفرجت المحكمة الإقليمية العليا في بلدة “كوبلنز” جنوب غربي ألمانيا، في 19 من أيلول الحالي، عن المسؤول السابق إياد الغريب، الذي أُلقي القبض عليه عام 2019، وهو نفس العام الذي حصل فيه على اللجوء في ألمانيا.

وصدر قرار محكمة “كوبلنز” بحقه في 24 من شباط 2021 بالسجن أربع سنوات ونصف (تُحسب الفترة من تاريخ توقيفه).

بغض النظر عن الانتماء؟

الوصول إلى قناعة كاملة بإثبات المسؤولية الجنائية لشخص معيّن عن انتهاك في سوريا، يكون بمقاربة نفس الواقعة الجرمية بطرق مختلفة يجب أن توصل إلى نفس النتيجة، لأن الأدلة المستقاة من مصادر مختلفة يمكن أن تصل في النهاية إلى نفس الاستنتاجات وتعززها بشكل كبير لدى مكتب الادعاء العام.

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن المحاكمات العادلة في أوروبا لا تنظر إلى الموقف السياسي، بصرف النظر إن كان الشخص “مناصرًا للثورة السورية أو مؤيدًا للنظام السوري”.

وتجري المحاكمات وفق الأدلة، ومن الواضح أن القضاء الأوربي يأخذ الطرفين، أي أنها تشمل أي شخص ارتكب انتهاكًا يقع في إطار القضاء الأوروبي بموجب مبدأ “الولاية القضائية العالمية”، أو “الاختصاص العالمي لحقوق الإنسان”، وبصرف النظر عن موقفه السياسي.

ويضرب الحقوقي محمد العبد الله مثالًا توضيحيًا بعلاء موسى، الطبيب المتهم بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية في أثناء عمله طبيبًا لدى النظام السوري، واعتقلته الشرطة الألمانية ووجهت الاتهامات له، وأنور أرسلان الضابط السابق في المخابرات العامة السورية، الذي حكم قاضي المحكمة في ألمانيا عليه بالسجن المؤبد غير المشدد، مع تحمل كامل التكاليف للمتضررين.

موقف الأشخاص من الثورة ليس موضع حساب لدى القضاء الأوروبي، وبشكل رئيس في ألمانيا.

الشخص الذي ارتكب انتهاكًا يجب أن يحاسب دون النظر إلى موقفه السياسي، وهذا سيكون له أثر إيجابي بأي مرحلة انتقالية في مستقبل سوريا.

محمد العبد الله – مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”

الغريب.. حالة إشكالية

لا يعتقد العبد الله أن يكون لقضية الغريب أثر مباشر أو قريب على مسار العدالة الانتقالية، لكن هذه المحاكمات بدأت “ترسخ فكرة محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات دون النظر إلى موقفهم تجاه الثورة ورأيهم السياسي”.

ويرى أن قضية الغريب شائكة إلى حد ما، لأنه تقدم للمحاكمة طوعًا كشاهد ضد ضابط المخابرات السابق المتهم أنور رسلان، وجاءت تهمته الرئيسة بناء على الشهادة التي أدلى بها أمام “المكتب الاتحادي للهجرة” (بمقابلة اللجوء)، والشرطة الاتحادية، عندما استدعي كشاهد في قضية رسلان، وتحدث عن حادثة إطلاق النار على مظاهرة خرجت أمام الجامع “الكبير” في مدينة دوما، في أيلول أو تشرين الأول من عام 2011، إذ تجمّع عناصر أمن يتبعون للفرع “40”، وبينهم الغريب، بحضور رئيس الفرع، حافظ مخلوف، الذي أطلق النار على المتظاهرين السلميين موقعًا ثلاث ضحايا.

وكانت هذه إحدى النقاط الإشكالية في المحاكمة، لأن شهودًا آخرين شبيهين بإياد الغريب كان تحدثوا عما رأوه وشاهدوه وشاركوا به ولم تحاكمهم المحكمة، بحسب العبد الله.

ورغم عدم مشاركة الغريب بإطلاق النار، أسهم في اعتقال ما لا يقل عن 30 متظاهرًا، جرى اقتيادهم إلى فرع “الخطيب”، حيث كانوا سيتعرضون للتعذيب وربما القتل، بحسب المدعي العام، ويعتبر الادعاء أنه كانت لدى الغريب فرصة للانشقاق عن المخابرات خلال المظاهرة، إلا أنه لم يفعل.

واستند الادعاء إلى شهادة الغريب التي أكد خلالها أنه كان قادرًا على سماع أصوات تعذيب المعتقلين حتى من “الكافيتيريا” التابعة للفرع، وهو ما جعل الادعاء يصر على أن المتهم كان على دراية بما يحدث هناك، ومع ذلك سلّم 30 متظاهرًا سلميًا.

وحمّل المدعي العام الغريب المسؤولية عن عمليات التعذيب الممنهجة ضد المعتقلين في فرع “الخطيب” خلال وجوده، والتي أكدتها تقارير أممية وشهادات مدّعين وخبراء، بما فيها شهادة “حفّار القبور”.

وأضاف العبد لله أن مسار التقاضي مستمر وليس له حدود، “ولن يكون هناك عدد محدود في القضايا، فكلما ظهر شخص وثبتت عليه أدلة أنه شارك بانتهاكات في سوريا سيجلب للمحاكمة”.

ابن عم إياد الغريب وشقيق زوجته مهدي الناصر قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن تعليل الحكم ليس منطقيًا، لأنه لم يستند إلى شهود ضده، أو فيديوهات وصور تثبت تورطه، بل تمت إدانته بناء على شهادته، التي أُخذ جزء منها فقط، لعدم تمكن المحققين من إثبات الجزء الآخر، بحسب قولهم.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع إياد الغريب بعد الإفراج عنه، لكن مقربين منه قالوا إنه لا يريد إجراء مقابلات صحفية.

الغريب عامل مساعد..

ما الأثر على المنشقين؟

“باعتبار أن لا أحد من المنشقين يشكك بنزاهة القضاء الألماني، فإن قضية إياد الغريب قد تشكل عاملًا مساعدًا لمثول المجرمين الحقيقيين الموجودين في أوروبا وجرائمهم موثقة بالصوت والصورة أمام ذات القضاء النزيه، للقصاص منهم على ما اقترفت أيديهم من جرائم بحق الشعب السوري الأعزل”، بحسب ما قاله العميد المنشق عن النظام السوري عام 2012 إبراهيم الجباوي.

ويرى الجباوي، الذي قدم لجوءًا في ألمانيا عام 2022، أنه عندما أثيرت قضية الغريب لم يكن هناك من يفكر بالانشقاق لأن عمليات الانشقاق توقفت تمامًا مع منتصف عام 2013، ومن بقي بعد ذلك التاريخ ممن لم تتلطخ أياديهم بالدماء السورية واختاروا البقاء داخل سوريا منهم من استقال، ومنهم من أحيل إلى التقاعد، ومنهم من لا يثق بهم النظام السوري.

ويعود سبب قرارهم البقاء داخل مناطق سيطرة النظام إلى ما عومل به المنشقون الأوائل من تهميش، وعدم الاكتراث بهم وبخبراتهم، وتسليم مدنيين قيادة الفصائل، بحسب الجباوي.

اعتقلت السلطات الألمانية الضابطين المنشقين أنور رسلان وإياد الغريب خلال عمليتين أمنيتين في مدينتي برلين وزويبروكن، في شباط عام 2019، وفق ما ذكرته صحيفة “دير شبيغل” الألمانية.

وفي شباط 2021، حكمت المحكمة على إياد الغريب بالإدانة، والسجن لمدة أربع سنوات ونصف السنة بتهمة “جرائم ضد الإنسانية”.

يعتبر إياد الغريب المسؤول الأدنى رتبة في القضية بعد الضابط السابق في المخابرات العامة السورية أنور رسلان، الذي اُتهم سابقًا بالتحريض على ارتكاب التعذيب بحق المعتقلين، واحتجاز أشخاص عام 2011، وتسليمهم إلى الفرع “251” حيث تعرضوا للتعذيب لاحقًا.

وفي 13 من كانون الثاني 2022، وبحسب ما نشرته “فرانس برس“، حكم قاضي المحكمة الإقليمية العليا في بلدة كوبلنز على أنور رسلان بالإدانة، والسجن المؤبد غير المشدد، مع تحمل كامل التكاليف للمتضررين.

أنور رسلان (57 عامًا) متهم بـ58 جريمة قتل وجريمة اغتصاب واحدة على الأقل واعتداءات جنسية متعددة في أحد سجون دمشق حيث تعرض 4000 ناشط معارض على الأقل للتعذيب في عامي 2011 و2012.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة