توجه غربي لكبح الاندفاع العربي

“المبادرة الأردنية” تصطدم بالمتغيرات السياسية وفتور “دمشق”

لقاء جانبي للجنة الاتصال العربية قبل الاجتماع الرسمي مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لمتابعة تطورات الملف السوري- 15 من آب 2023 (المتحدث باسم الخارجية المصرية- موقع إكس)

camera iconلقاء جانبي للجنة الاتصال العربية قبل الاجتماع الرسمي مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لمتابعة تطورات الملف السوري- 15 من آب 2023 (المتحدث باسم الخارجية المصرية- موقع إكس)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

عقدت “لجنة الاتصال الوزارية العربية”، في 15 من آب الماضي، لقاءها الأول والوحيد، حتى إعداد هذه المادة، في العاصمة المصرية القاهرة، ولم يقدم البيان الختامي للقاء جديدًا باستثناء الاتفاق على إجراء آخر مقبل في بغداد، دون تحديد موعد رسمي.

وبعد اللقاء الذي جاء لمتابعة ما جرى الاتفاق عليه مع النظام السوري في اجتماعات وزارية سابقة (عمان، جدة)، تتابعت المؤشرات التي تعكس حالة عدم توافق بين دول “لجنة الاتصال” والنظام السوري، تعززها الأحداث التي تجري على الأرض بما يخالف حرفيًا “المبادرة الأردنية” وأي طرح أو تصوّر عربي للحل السياسي في سوريا.

في 8 من تشرين الأول الحالي، قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إن “لجنة الاتصال العربية” بدأت بحماسة، لكن ثمة ضغوطًا غربية شديدة على اللجنة حتى لا تعطي أي شيء قبل النظام السوري، من منطلق “يكفي أنكم أعدتم الحكومة السورية إلى الجامعة العربية”، وفق ما نقلته صحيفة” الشرق الأوسط” السعودية.

وخلال مقابلة أجراها مع قناة” الشرق”، في 27 من أيلول الماضي، وفي معرض رده على سؤال حول التغيير الذي أحدثه التواصل الأردني مع النظام السوري في ملف المخدرات، أحد ملفات “المبادرة الأردنية” التي تنتظر التطبيق، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إن الأردن أعطى أهدافًا وإحداثيات، وجرى الحديث عن التهديدات التي يجب التصدي لها.

وأشار الصفدي إلى أن النظام وعد بالعمل على مواجهة ذلك التحدي، لكن الوضع على الأرض لا يزال شديد الصعوبة، وأعداد عمليات التهريب في ارتفاع.

تصريحات الصفدي سبقها حديث للملك الأردني، عبد الله الثاني، في 20 من الشهر نفسه، خلال قمة الشرق الأوسط العالمية في مدينة نيويورك، وقال حينها، إنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن، وأضاف، “أعتقد أن بشار لا يريد أن يحدث ذلك، ولا يريد صراعًا مع الأردن، لا أعرف مدى سيطرته”.

في الوقت الذي تداولت به صحف عربية حديثًا حول تجميد عمل “لجنة الاتصال العربية”، نفى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، صحة هذه المعلومات، وقال لشبكة “CNN”، إنها “غير صحيحة”.

هذا النفي مسبوق بحديث عن “فجوة” في لقاء “لجنة الاتصال” بين النظام من جهة وأعضاء اللجنة من جهة أخرى.

مجلة “المجلة” السعودية قالت إن مضمون النقاشات بين الوزراء العرب (المصري والسعودي والعراقي والأردني واللبناني) ووزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، خلال اجتماع القاهرة، أظهر الفجوة الكبيرة والبطء الشديد للتقدم فيه.

وبحسب ما نشرته “المجلة”، في 21 من آب الماضي، تحت عنوان “سوريا المنسية هذا حالها”، فإن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، وافق، على مضض، على أن يسلمه وزير الخارجية الأردني نسخة من الورقة العربية- الأردنية، باسم “خطوة مقابل خطوة”، تضمنت المطلوب من دمشق والمعروض عليها، لكن المقداد تسلم الورقة بشرط ألا تكون ملزمة.

في 2 من تشرين الأول الحالي، ذكرت “المجلة”، في تحليل سياسي بعنوان “سوريا غارقة في التفاصيل”، أن الورقة الأردنية التي تسلمها النظام السوري “للاطلاع”، لم يجد الوقت بعد لقراءتها والاطلاع عليها.

ترتيب أولويات.. غزة أولًا

الدكتور عمر باشا الرداد، الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي، لا يرى أن الأردن سيعلن فشل مبادرته، على اعتبار أن المبادرة “عربية” وجرى تبنيها من قبل الجامعة العربية، دون أن ينفي ذلك أن النظام السوري أفشل المبادرة عبر رفض تقديم أي التزام بقرارات القمة، كما أنه يسوق لمقاربة انتصاره على العرب والمسلحين، وهي مقاربة تؤكد أن النظام لن يقبل تسوية إلا بشروطه، وتحديدًا في ظل علاقته مع إيران.

الخبير الأردني قال لعنب بلدي، إن الاندفاع العربي تجاه المصالحة مع النظام السوري تحول نحو مستويات أقل، ويبدو ذلك في سلوك بعض الدول العربية.

كما لفت الخبير إلى أن موقف النظام السوري اليوم المنسجم مع الموقف الإيراني تجاه حرب غزة سيكون محددًا جديدًا في الموقف من دمشق، ولن تستطيع الدول العربية التي تبنت “المصالحة” تسويق الأسد دوليًا أمام ارتهانه لإيران، وقد تؤكد ذلك سيناريوهات متوقعة في حال إطلاق سوريا يد الميليشيات الإيرانية للمشاركة في الحرب الحالية من بوابة الجولان.

ولا يشير سلوك النظام خلال الفترة التي أعقبت قمة “جدة” إلى اتخاذ خطوات فعلية تؤكد الاستجابة لـ”المبادرة الأردنية”، واقتصر الأمر على إعلان وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك، لموقع “إندبندنت عربية“، في 11 من تشرين الأول الحالي، تبلغ الحكومة اليمنية الشرعية والمعترف بها دوليًا، “رسميًا من وزير الخارجية السوري أنهم أخرجوا الحوثيين من مبنى السفارة اليمنية في دمشق”، في إشارة إلى إمكانية تسليم السفارة للحكومة الشرعية، إلا أن الإعلام التابع للنظام السوري لم يؤكد أو ينفِ هذه المعلومات.

الرداد أشار أيضًا إلى ترتيب مختلف للأولويات في المرحلة الحالية، ربما يتراجع فيه حضور الملف السوري، ويتأجل بالنسبة لـ”لجنة الاتصال العربية”، أمام ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

أوضح الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، لعنب بلدي، أن الولايات المتحدة رغم معارضتها منذ البداية للتطبيع العربي مع النظام السوري، فإنها قدمت مساحة لحلفائها لاستغلال الفرصة، واعتبروها مرحلة “بناء ثقة” يجري تقييمها، ويتضح حاليًا أنها لم تكن مجدية، والنظام السوري لم يقدم الكثير، فهو مقتنع بأنه “حقق إنجازًا”.

ويرى الخبير أن العامل الأخطر حاليًا هو تغير الأولويات على المستوى السياسي، فرغم أحداث سوريا في تشرين الأول (هجوم الكلية الحربية في حمص، وتصعيد النظام شمال غربي سوريا)، هناك أيضًا تصعيد كبير في قطاع غزة، وتركيز أمريكي على الأوضاع في الأراضي المحتلة، لحماية إسرائيل.

ويرتبط الملف بسوريا وإيران والسلاح الذي يأتي إلى غزة، وكل هذا سيعمق حالة التعطيل في المساعي العربية تجاه سوريا، وتحديدًا أن الدول المتحمسة لم تجد فائدة ملموسة من مساعيها ولم تحقق نتائج منشودة.

وتشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة تصعيدًا بدأ في 7 من تشرين الأول، وأوقع آلاف القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى جانب قصف إسرائيلي متواصل للأحياء والمباني السكنية في القطاع دون استثناء المرافق الحيوية.

“بتغيير الأولويات ووجود الولايات المتحدة في المنطقة وعدم تهاونها في كثير من الأمور، تقل مساحة المناورة وتتعطل مثل هذه المبادرات”.

عامر السبايلة – خبير استراتيجي أردني

بيّنت قراءة تحليلية صادرة عن مركز “جسور” للدراسات، في آب الماضي، أن النظام يسعى لإغراق “لجنة الاتصال العربية” بالتفاصيل، وأن سلوكه في كل مسارات الحل التي فُرضت عليه واضطر للانخراط فيها كان قائمًا بشكل أساسي على المماطلة وعدم الالتزام بأي إطار زمني، ما بدا بوضوح في مسارات “أستانة” و”جنيف” و”اللجنة الدستورية”، وبالتالي من غير المعلوم عدد الجولات التي ستعقدها اللجنة الوزارية العربية التي بدأت للتو عملها.

كما أشارت القراءة إلى أن الاجتماع انتهى بحالة عدم ارتياح من العرب (السعودية والأردن على الأقل) تجاه سلوك النظام في تنفيذ مخرجات “لقاء عمان” وقرارات الجامعة العربية، مع احتمالية تطور ذلك إلى مواقف رسمية تعبر عن الاستياء قبل انعقاد الجامعة على المستوى الوزاري، مطلع أيلول الماضي.

دعوات بلا مجيب

في 10 من تموز الماضي، دعا وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا النظام السوري للالتزام بـ”المبادرة الأردنية”، وبدء اتخاذ خطوات ضرورية للتوصل إلى حل شامل لـ”الأزمة”.

وجاء في البيان الختامي بعد الاجتماع الوزاري المشترك للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا، الذي انعقد بدورته السادسة في موسكو، أن الوزراء “عبروا عن أملهم بأن تأخذ الحكومة السورية على عاتقها المبادرة، والبدء باتخاذ جميع الخطوات الضرورية للتوصل إلى حل شامل للأزمة”.

وبعد نحو ثلاثة أشهر، وخلال لقائهم مع نظرائهم الأوروبيين، أكد الوزراء الخليجيون والأوروبيون التزام بلادهم بالتوصل إلى حل سياسي شامل في سوريا وفق القرارات الدولية، ودعمهم للعملية السياسية بقيادة الأمم المتحدة.

جاء ذلك في بيان عقب اختتام الاجتماع الـ27 للمجلس المشترك لدول الخليج العربي والاتحاد الأوروبي، الذي عقد في 10 من تشرين الأول، بالعاصمة العُمانية، مسقط.

المجلس المشترك جدد تأكيده حينها الالتزام بالتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية، بطريقة تحافظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، وتلبي تطلعات شعبها، وتتوافق مع القانون الإنساني الدولي، وتتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي “2254”.

وأكد البيان دعم العملية السياسية ونهج “خطوة مقابل خطوة”، للتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254”.

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة