في حديث عن الدراما السورية والمصرية

عبد القادر المنلا بين معهدين.. حكاية بين دمشق والقاهرة

الممثل السوري عبد القادر المنلا (تعديل عنب بلدي)

camera iconالممثل السوري عبد القادر المنلا (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

أنشئ المعهد العالي للفنون المسرحية في العاصمة المصرية القاهرة عام 1930، وتوقف بعد عام واحد قبل إعادة افتتاحه في عام 1944، وهو جزء من أكاديمية الفنون التابعة لوزارة الثقافة المصرية، التي تضم بدورها عددًا من المعاهد الفنية.

بعد ثلاثة عقود تقريبًا، شهدت العاصمة السورية دمشق افتتاح معهد مشابه، تخرج فيه الممثل السوري عبد القادر المنلا، الذي غادر لاحقًا إلى القاهرة ليحوز شهادتي الماجستير والدكتوراه من أكاديمية الفنون.

التنقل بين مدينتين شكلتا مركز الإنتاج الدرامي العربي في تسعينيات القرن الـ20، ومطلع القرن الـ21، والدراسة في معهديهما للفنون المسرحية، منح المنلا تجربة أوسع على الصعيدين الأكاديمي والعملي، بمشاركته في أعمال درامية مصرية وسورية.

إلى جانب عمله في الدراما، لمنلا كتاب وحيد لم ينشر سواه بعد انتشار المعارك العسكرية في سوريا، واختيار النظام السوري الحل الأمني في مواجهة المتظاهرين المنادين برحيله في 2011.

كما نشر المنلا عبر قناته في “يوتيوب” تسجيلات مصورة، تحدث خلالها عن بعض الفنانين السوريين ممن وقفوا إلى جانب النظام السوري، وروى حكايات غير معروفة عنهم.

عنب بلدي حاورت المنلا حول الفوارق بين تجربتي مصر وسوريا، وأسباب عدم نشر بقية مؤلفاته، بالإضافة إلى الجدل الذي أثارته تسجيلاته.

محاكاة البطل.. نموذج التأثيرات السلوكية للدراما السورية

حكاية بين دمشق والقاهرة

ولد المنلا في مدينة حلب شمالي سوريا عام 1969، وحصل على إجازة في الأدب العربي من جامعة “دمشق”، ثم التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

شارك المنلا مطلع حياته الفنية في مسلسلات “جريمة في الذاكرة” 1992، و”موزاييك” 1994، ثم اتجه إلى القاهرة ليحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه.

فارق التجربتين بين معهدي دمشق والقاهرة يتركز لدى عبد القادر المنلا، في حواره مع عنب بلدي، على المدارس المختلفة التي تتبعها كل من المؤسستين، ففي حين يعتمد معهد دمشق على المدرسة الروسية، وأحد أبرز روادها قسطنطين ستانسلافسكي، يعتمد معهد القاهرة على مدارس متعددة ومختلفة.

وقال المنلا لعنب بلدي، إن معهد القاهرة ضم عبر سنوات مدرسين من جنسيات مختلفة، وهو ما انعكس على تنوع المناهج الدراسية، وبالتالي هناك انفتاح أكبر.

ويرتبط هذا الأمر بانفتاح مصر في بداية تأسيس المعهد على أوروبا وفنونها، بينما ارتبط معهد دمشق بالاتحاد السوفييتي ومدارسه الفنية لأسباب سياسية، بحسب رأيه.

وأوضح المنلا أن معهد القاهرة ضم في فترة ما مصادر معلومات أكبر، وهو ما ينعكس على التجربة نفسها، بالإضافة إلى الأسماء اللامعة في المسرح العربي، ككرم مطاوع ونبيل منيب وعبد الرحمن عرنوس وجلال الشرقاوي وغيرهم ممن يملكون خبرات عملية ونظرية.

وهذا الأمر، وفق المنلا، لا يقلل من أهمية معهد دمشق، وإنما هناك فوارق في المناهج والمدارس المسرحية، خاصة أن معهد دمشق ضم أسماء مهمة أيضًا، كنائلة الأطرش ووليد القوتلي وفواز الساجر.

كيف منع النظام السوري إنتاج أعمال فنية عن حرب “تشرين”

فوارق درامية

لاحقًا شارك المنلا في عدد من المسلسلات المصرية، منها “ناصر” 2008، و”أدهم الشرقاوي” 2009، و”مطلوب رجال” 2010، و”السائرون نيامًا” في العام نفسه.

وسبق مشاركته في الدراما المصرية وجوده في الدراما السورية أيضًا، ضمن مسلسلات “حديث المرايا” 2002، و”بقعة ضوء” 2003، “وحمام القيشاني” في جزئه الرابع 2001.

خلال سنوات، خاضت الدراما السورية مع نظيرتها المصرية منافسة حادة على سوق العرض العربي، وانتشر النجوم السوريون على القنوات الفضائية العربية، مع احتفاظ كل دراما منهما بخطها ومدرستها وطريقة صناعتها.

الفوارق ما بين الدراما السورية والمصرية يلخصها المنلا بعد مشاركته فيهما بثلاث نقاط أساسية: النص والإخراج والتمثيل، وهي عوامل مترابطة بطبيعة الحال.

ويتكون العمل الفني من عدة عناصر، تبدأ بالنص المكتوب (السيناريو)، ثم التصوير والديكور والشريط الصوتي (الذي يتضمن الموسيقا أيضًا)، والديكور والممثلين، وعملية المونتاج، ضمن عملية تكاملية بقيادة مخرج العمل، الذي يعد مسؤولًا عن دمج وتكامل هذه العناصر كلها، لإنتاج عمل فني يحقق النجاح التجاري والفني.

خلال سنوات الإنتاج الغزير للدراما السورية، اتجهت النصوص نحو الحديث عن قضايا اجتماعية وسياسية، ومنحت القضية في العمل الأولوية على حساب بقية العناصر الفنية، وفق المنلا، وهذا الفارق الأول بينها وبين الدراما المصرية المقتبسة بشكل أكبر من الشارع نفسه.

وقال المنلا خلال حديثه إلى عنب بلدي، إن الأمر نفسه ينطبق على الأداء التمثيلي للممثلين، وفي حين يميل الممثل السوري للجوانب التقنية للشخصية الدرامية، ورسم معالمها بشكل خاص، يذهب الممثل المصري للاقتباس من الشارع المصري نفسه.

وأوضح أن ارتباط الممثل المصري بالشارع، يجعل أداءه ينبض بحيوية وعفوية أكبر، وهذا لا يعني أن الممثلين المصريين أفضل أو أكثر قوة في أدائهم من نظرائهم السوريين، بقدر ما هي فوارق واختلافات في أنماط ومدارس التمثيل.

على الصعيد الإخراجي، فإن الإخراج يدور أيضًا حول القضية التي يطرحها العمل، ويمنحها المساحة على حساب العناصر الفنية، بحسب رأي المنلا.

ممدوح حمادة: الظروف الأمنية أوقفت أعمالًا بلهجات الدير وإدلب وحمص ودرعا

سقوط الأحلام

شهد عام 2011 صدور كتاب “هبوط اضطراري: قراءة بيضاء في الصندوق الأسود” لعبد القادر المنلا، الذي عالج من خلاله الظروف الثقافية عبر شهادات نقدية مختلفة.

لم ينشر المنلا كتابًا ثانيًا، رغم وجود مؤلفات جاهزة وفق ما قاله لعنب بلدي، إحداها رسالة الدكتوراه، وكذلك رواية أدبية.

يعود توقف المنلا عن النشر إلى انتشار الموت في شوارع سوريا، بحسب ما قاله لعنب بلدي، إذ إن المشاريع الثقافية هي بطبيعتها مشاريع شخصية وأحلام ومساهمات يودّ الإنسان تقديمها لمجتمعه، ومع اختيار النظام الحل الأمني ونشوب المعارك، أصبحت الأولوية لديه للخوف على سوريا.

“سقطت مشاريعي الشخصية بعد الخطر المحدق بسوريا وطريقة تعامل الأسد ومخابراته وقواته العسكرية مع السوريين”، قال المنلا.

توقف النشر لم يوقف المنلا عن مشاركات درامية، أو الحديث عن مواقف زملائه الفنانين ممن أعلنوا تأييدهم للأسد، المتهم بقتل 201 ألف و110 سوريين، واعتقال 135 ألفًا و638 سوريًا بشكل تعسفي، بالإضافة إلى مقتل 15051 شخصًا في المعتقلات تحت التعذيب، وفق أرقام “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.

بعد اندلاع الثورة السورية وتعرضه للتهديد، اتجه المنلا برفقة أسرته إلى مصر، وشارك في مسلسلات درامية هناك، ضمن مسلسلات “فرقة ناجي عطا الله” 2012 و”العراف” 2013 وكلاهما مع عادل إمام.

كما أدى دور عبد الحميد السراج في مسلسل “صديق العمر” عام 2014، الذي يحكي قصة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وصديقه المشير عبد الحكيم عامر.

في حين كانت آخر مشاركاته مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” 2023.

وقال المنلا لعنب بلدي، إن التمثيل كان عملًا عليه أن يؤديه، لا مشروعًا ثقافيًا يطمح إليه كما المؤلفات الشخصية.

دراما سورية في خدمة السياسة

وحول التسجيلات المصورة التي نشرها عبر قناته في “يوتيوب”، وتحدث خلالها عن فنانين سوريين ومواقفهم من الثورة السورية، قال المنلا إن هدفه كان تفكيك الرواية التي يروَّج لها.

وأوضح أنه وخلال آخر انتخابات رئاسية في سوريا عام 2021، بدأ بعض الفنانين ممن لم يعبروا عن ولاء خالص للنظام بالترويج لنصر أخلاقي للأسد، بمعنى من وقف ضد النظام السوري هزم أخلاقيًا، باعتبار أن أي شخص عارض النظام هو سلفي أو ينتمي إلى تنظيم “الدولة” أو جماعة “الإخوان المسلمين”.

وجاء حديث هؤلاء الفنانين في ظل توجه عربي ودولي لقبول الأسد مجددًا وإعادة تعويمه وفق المنلا، لذا سعى ليكون هناك مرجع آخر يروي الحكاية من وجهة نظر أخرى، بحسب المنلا.

كما اعتبر في حديثه لعنب بلدي، أنه لم يتناول أسرارًا شخصية للفنانين، بقدر ما تحدث عن أمور عامة يعرفها الفنانون السوريون، وتحدث فقط عن ادعاءات أخلاقية غير صحيحة.

وأضاف أن من تناولهم من الفنانين بشكل شخصي قلّة للغاية، ولم يذكر جميع أسرارهم الشخصية والخاصة التي لا يجوز أن تروى، خاصة أنها رويت له بشكل شخصي وسري لا علنًا أمام آخرين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة