لماذا يكثف النظام السوري الامتيازات المادية للعسكريين

رئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم وعدد من الضباط من قوات النظام السوري في تدريب قتالي - 20 تموز 2023 (وزارة الدفاع/ فيس بوك)
tag icon ع ع ع

أصدر النظام السوري بشكل مكثف خلال قرابة شهر عدة قرارات تخص المؤسسة العسكرية، يمنحها امتيازات خاصة، غلب عليها الطابع المادي، وعلّل بعضها بأنها تنبع من “اهتمام” رئيس النظام بشار الأسد و”متابعته” لأوضاع العسكريين.

وتأتي هذه الميزات المادية مع نهاية العام الماضي، حين تكون الأزمة الاقتصادية عادة بالنسبة للسكان في ذروتها، وهو ما يعكس ترقب العديد من الموظفين في الدوائر الحكومية لمنحة مالية (لم تصدر) للراتب الشهري الأخير بالسنة.

ومع بداية العام الحالي، ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من خمسة أفراد في مناطق سيطرة النظام السوري إلى أكثر من 12 مليون ليرة (825 دولارًا تقريبًا)، بعد أن كان في نهاية أيلول 2023 نحو 9.5 مليون ليرة، في وقت لم يتجاوز متوسط الرواتب 200 ألف ليرة، وفق جريدة “قاسيون” المحلية.

ما أبرز الامتيازات

من أحدث هذه الامتيازات، منحة مالية لأبناء العسكريين الدارسين في الجامعات والمعاهد الحكومية السورية، صدرت في 4 من كانون الثاني الحالي، وتختلف قيمتها بحسب نوع الدراسة تبدأ من 500 ألف ليرة لطالبي بعض الكليات والمعاهد وتصل إلى 875 ألف ليرة لطلاب كليات الطب والهندسة بفروعها.

وفي 2 من كانون الثاني، أعفى الأسد العسكريين العاملين والمتقاعدين والقتلى من الأقساط المترتبة عليهم لدى “المؤسسة الاجتماعية العسكرية”، وتسديد كافة الأقساط المترتبة على المشتركين في “المشروع التعاوني المنزلي” في “الاجتماعية العسكرية” على مواد منزلية بالتقسيط وإعفائهم من جميع الالتزامات المترتبة عليهم اعتبارًا من بداية شباط المقبل.

نص القانون رقم “6” لعام 2005 على إحداث مؤسسة عامة تسمى “المؤسسة الاجتماعية العسكرية” تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وترتبط بوزير الدفاع، وتتولى نشاطات ذات طابع اقتصادي وإداري وخدمي مثل تأمين حاجات العسكريين والمدنيين وأسرهم من المواد الضرورية الغذائية والكهربائية والقرطاسية والألبسة والأقمشة وغيرها “بجودة مناسبة وبيعها لهم بأسعار مخفضة”.‏

كما ينص القانون على بيع العسكريين والعاملين المدنيين في وزارة الدفاع والجهات التابعة والمرتبطة بها بالتقسيط لبعض المواد المنزلية مثل البرادات والغسالات والمراوح وأفران الغاز والتلفزيونات والسجاد وغيرها، وتقديم المساعدة المالية للعسكريين وأسرهم في حالات الزواج والولادة والمرض والإصابة والعجز والوفاة عن طريق صناديق مالية خاصة.

وأنهى الأسد العام الماضي بقرار يقضي بزيادة مكافأة المهمة القتالية للعسكريين من مختلف الرتب في التشكيلات المقاتلة من عشرة آلاف ليرة سورية شهريًا لتصبح 100 ألف ليرة.

وفي 20 من كانون الأول 2023، أصدر قرارًا بزيادة نسبة علاوة الطيران للضباط الطيارين على الطائرات العسكرية من 4% لتصبح 35% من الراتب الشهري المقطوع.

وعبر تعديل قانوني، أقر الأسد في 11 من كانون الأول 2023 السماح للضباط المحالين للتقاعد من حملة الشهادة الجامعية بالعودة للخدمة الاحتياطية لمدة سنة مع قابلية التمديد حتى إتمامهم سن الـ 70، وترقية الضباط الجامعيين من رتبة عميد إلى لواء دون التقيد بالملاك.

وفي 4 من كانون الأول 2023، أصدر الأسد “أمرًا إداريًا” تضمن إنهاء استدعاء الضباط الاحتياطيين المدعوين الملتحقين اعتبارًا من 1 من شباط 2024، لكل من بلغت خدمته الاحتياطية الفعلية سنة فأكثر، حتى 31 من كانون الثاني الحالي، ضمنًا.

كما أنهى الاحتفاظ والاستدعاء اعتبارًا من التاريخ نفسه لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين المحتفظ بهم والمدعوين الملتحقين، لكل من بلغت خدمته الاحتياطية الفعلية ست سنوات ونصف وأكثر، حتى 31 من كانون الثاني.

من حفل تخريج ضباط في قوات النظام السوري من "الأكاديمية العسكرية العليا"- أيلول 2023 (وزارة الدفاع في حكومة النظام/ فيس بوك)

من حفل تخريج ضباط في قوات النظام السوري من “الأكاديمية العسكرية العليا”- أيلول 2023 (وزارة الدفاع في حكومة النظام/ فيس بوك)

زيادة الملاك البشري

تغيرت إعلانات وزارة الدفاع بما يخص دعوات التطوع في قوات النظام، إذ حمل الإعلان الأحدث، الصادر في 21 من تشرين الثاني 2023، ميزات متعددة بفترتين محددتين للخدمة: خمس سنوات وعشر سنوات، وتضمنت عقود التطوع للفترتين راتبًا يصل إلى مليون و300 ألف ليرة سورية مع التعويضات، بالإضافة إلى مكافآت، منها بدء الخدمة ومكافأة سنوية ومنحة للزواج غير مستردة قيمتها مليونا ليرة.

كما نص بيان وزارة الدفاع على إعفاء المتطوع في هذه العقود من الخدمة الإلزامية بعد إتمامه خمس سنوات من العقد.

الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري يعاني منذ ما قبل العام 2011 من مسألة التخلف عن الخدمة الإلزامية نظرًا لاعتماد الجيش على العنصر المجند لرفده بالقوى البشرية.

ومنذ مطلع العام 2011 واندلاع الثورة السورية زادت نسبة التخلف، إضافة إلى الانشقاق عن صفوفه، وما تكبده من خسائر بشرية في مواجهته للمعارضة السورية المسلحة، كل هذا ترك “ثغرة كبيرة” في نسب الملاك البشري لوحدات النظام.

وحاول النظام عبر أساليب متعددة معالجة ذلك القصور سواء من خلال التعديلات القانونية أو تشكيل الميليشيات أو قبول التطوع بعقود مخالفة لمواصفات العمل العسكري طبيًا وثقافيًا، ولا تنطبق شروط تلك العقود مع طبيعة العمل العسكري كدوام 20 يومًا وتعطيل 10 أيام، ونظرًا لحالة “التململ” من الخدمة الإلزامية والاحتفاظ أصدر النظام القرارات الأخيرة، وفق حوراني.

وتتضمن هذه القرارات، بحسب رأي الباحث، دعوة للمتخلفين عن الخدمة للالتحاق مقابل راتب شهري لا يمكن الحصول عليه في مؤسسات أخرى لدى حكومة النظام، وبذلك يسعى النظام لمنح المتقدمين تلك الامتيازات المالية مقابل انتهاءهم من الخدمة العسكرية كواجب “قانوني ضروري لهم ومأجور في نفس الوقت”.

وبحسب تقرير لمركز “جسور للدراسات“، يحاول النظام استكمال وحداته العسكرية، مثل الفرقة الرابعة التي تبلغ نسبة الاستكمال 40% وفق التقرير، من خلال اعتماده على أساليب وإجراءات وقتية لم تُسهم في حل مشكلته مثل “التسويات” وعقود التطوع، بل كرست العلاقة الإشكالية بين الجيش والمجتمع.

وأظهرت هذه الإجراءات تحوّل غالبية الوحدات إلى هياكل “شكليّة” دون تأثير على الأرض كما هو الحال في الفرقة “الأولى” و”التاسعة”، وفشله في محاولات إظهار المؤسسة العسكرية أنها لا تزال قائمة من خلال المراسيم والقوانين التي يصدرها بين الحين والآخر والمتعلقة بها.

ويرى حوراني أن النظر في تشكيل الفرقة “25” والفيلق “الرابع” يظهر أنها تشكيلات “طائفية” عملت على استيعاب غالبية المنحدرين من مناطق الساحل، وقياسًا على تلك التشكيلات وفي ضوء انعدام فرص العمل ومشاريع التنمية في الاقتصاد السوري، والعوائق التي تقف في وجه من يريد الهجرة وضرورة حصوله على وثائق رسمية، تشكل تلك القرارات دعوة لشباب الحاضنة الشعبية للالتحاق بقوات النظام وامتصاص غصبهم مؤقتًا، لكنها ذات “أثر مؤقت”، وفق تعبير حوراني.

عسكرة الاقتصاد

لم يحدد معظم هذه الميزات المعلنة للعسكريين مصدر تمويلها في نص قرارها، في حين تعد خزينة الدولة المصدر الأول لأي نفقات حكومية، وسط عجز مستمر للموازنة العامة للدولة.

وبلغ إجمالي العجز في الموازنة لعام 2024، 9404 مليارات ليرة، وفق مانقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء “سانا“، ويعد عجز الموازنة هو الحالة التي تتجاوز فيها النفقات حجم الإيرادات خلال فترة زمنية محددة، بحيث يكون إنفاق الفرد أو الحكومة أكثر من الإيرادات المتاحة.

يتصف الاقتصاد السوري في قسم كبير منه “بالعسكرة”، وفق وصف الباحث في الشؤون العسكرية رشيد حوراني، الذي ذكر كمثال “مؤسسة الإنشاءات العسكرية” التي تنفذ مشاريع بنى تحتية بدلًا من المؤسسات المدنية.

ووضع قانون التعبئة الصادر في العام 2011 موارد الدولة كافة لخدمة “المجهود الحربي” بما يخدم رواية النظام عن ضرورة “الحفاظ على الأمن واستعادة الاستقرار من المجموعات الإرهابية”، وبحسب حوراني، فإن تشغيل الملتحقين بالمخدرات وتهريبها يوفر قسم من تلك الميزانية، بحيث يستفيد من “الطابع السري” للعمل العسكري، الذي يُلزم به الملتحقين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة