“خواطر حمار”.. الحياة من وجهة نظر مختلفة

"خواطر حمار".. الحياة من وجهة نظر مختلفة
tag icon ع ع ع

“وكانت وهي غاضبة تقول من الكلام ما أحمر خجلًا منه، أنا الحمار”، تعبر هذه الجملة إلى حد بعيد عن فحوى الكتاب الذي ألفته الكاتبة الكونتيسة دي سيجور، وحمل اسم “خواطر حمار”، وهو عبارة عن مذكرات فلسفية وأخلاقية على لسان حمار.

يقلب هذا الكتاب الآية، ويتيح للحيوان النقل عن البشر، وتقديم وجهة نظره في الإنسان، لا العكس، فالكاتبة زودت بطل عملها الأدبي، الحمار، بحاسة النطق، لا في الواقع، بل على الورق، ليسرد قصة متكاملة ذات بداية، ورحلة محفوفة بالمخاطر والتشويق، وقراءة العالم، لكن من منظور فلسفي لدى حيوان لا إنسان.

ويعتبر “خواطر حمار” واحدًا من الكتب الطريفة التي تندرج ضمن نوع من الحكاية والسرد على لسان الحيوانات، لكنه في الوقت نفسه ليس نوعًا غريبًا عن الأدب الشرقي بالمجمل، والعربي على وجه الخصوص، ويبدو ذلك في “كليلة ودمنة” لابن المقفع، وكتاب “العيون اليواقظ” لمحمد عثمان جلال.

يغيب صوت الكاتبة عن السرد، وتمتنع عن النطق، وتتيح المساحة الكاملة لبطل النص والقصة، دون مقاطعة، بعدما منحته اسمًا في البداية، وهو “كديشون”، الذي يهدي خواطره للصغير هنري، الذي كان عطوفًا به.

وفي إهدائه، الذي يتبع مقدمة الناشر، ومقدمة المترجم، يركز البطل “كديشون” على تنميط الحيوان ضمن صفات قد يحمل أضدادها، أو على الأقل جانبًا مغايرًا من معاني هذه الصفات، فينفي عنه وعن أبناء جنسه ونوعه البلادة والجهل والعناد، مشيرًا في الوقت نفسه إلى ذكاء وعلم وتواضع الحمير.

تبدأ الأحداث من السوق، الذي يذهب إليه “كديشون” محملًا بأوزان ثقيلة من المحاصيل والمنتجات، إضافة إلى سيدة المنزل التي ترغب ببيع منتجاتها، وهناك حين لا يلقى بعد طول التحمل والتعب من يتذكر جوعه وعطشه وحقه في الراحة، يأكل شيئًا من منتجات السيدة، فتنهال عليه بالضرب وتستفزه ليرد عليها بصورة عنيفة تشكل انطلاقة رحلته وهروبه خوفًا من أذى البشر، فيسمع أحاديثهم، ويبتسم لغباء بعضهم، ويمثل الغباء على غيرهم، ويحتال لينجو.

لا تبدو صورة البشر بعين الحمار إيجابية بالمجمل، لكنها على الأقل قد تبدو متوازنة، بما تتيحه الحكاية، فإذا كانت الأقدار رمت به إلى سيدة لا ترحم، فإن رحلة طويلة من الهروب تقوده إلى عائلة تراعي فيه ضميرها، وتعامله بالرأفة واللطف، فيتخطى بطل الحكاية بعض البشر في بعض مزاياه، حين لا ينكر معروفًا ولا ينسى أذية، ولا يبالغ “وفق منظوره” بانتقام.

الكونتيسة دي سيجور، روائية فرنسية، ولدت في روسيا، كرست كثيرًا من أعمالها في القرن الـ19 لأدب الطفل، واسمها صوفي فيودور روستوبتشينا، لكنها حملت لقب زوجها “دي سيجور شاتو”.

بدأت الكتابة الكونتيسة دي سيجور الكتابة في سن متأخرة، واستطاعت إنتاج أدب مكثف وصل إلى نحو 20 رواية، تحدثت في إحداها عن مصاعب طفولتها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة