قضايا الريف ومشكلات الاغتراب في “أصوات” سليمان فياض

tag icon ع ع ع

يقدّم الكاتب المصري سليمان فياض، في روايته “أصوات”، نظرة معمقة لواقع مجتمعات الريف المصري والقرية المصرية، التي يمكن أن تشبه إلى حد بعيد مجتمعات وأريافًا عربية أخرى، تتشارك مع هذا الريف ذات العادات والتقاليد التي ينتقدها فياض في هذه الرواية.

البطل، حامد مصطفى البحيري، المصري الذي اغترب 30 عامًا، ثم قرر العودة إلى قريته “الدراويش”، وشقيقه أحمد، والمأمور، أبرز شخصيات الرواية التي تتمحور ككل حول عودة الابن من باريس بعد طول اغتراب.

يسرد الكاتب أحداثه على لسان شخصيات متعددة، كل منها تقدم الحدث وفق منظورها، متأثرة بموروثها الثقافي، ومنظومة القيم والأعراف التي تغذّت عليها، فالابن العائد يصطحب معه زوجة فرنسية غريبة وبعيدة كل البعد عن تقاليد المجتمع المصري، ما يضعها تحت مجهر نساء هذا الريف اللواتي يجدن فيها تهديدًا لسلامهن “الأنثوي”.

هذه العودة، وما يرافقها من أحداث، تعكس في رواية فياض حالة الغربة الثقافية بين بلدين، ليس على المستوى الجغرافي فقط، بل وعلى المستوى الزمني، فابتعاد حامد 30 عامًا لا يمكن ردمه في أيام، لا بينه وبين عالمه الجديد وقريته البسيطة وأهلها “الدراويش” كاسمها فقط، بل وبينه وبين عائلته أيضًا، فالأم معجبة “مؤقتًا”، والأخ حاسد بسذاجة.

وعلى طريق انتقاد سلوكيات المجتمع، التي تبرز بوضوح أكبر على لسان وعبر مواقف نساء القرية، ونظرتهن إلى الضيفة الفرنسية، يتناول سليمان فياض مسألة ختان الإناث، كواحدة من العادات الموجودة في مصر، وتحديدًا في المجتمعات الضيقة، ويربطها بالأساطير والخرافات التي تدور حولها، دون إخفاء حالة خنوع وقبول ضمني من بعض النساء بها، ومحاولتهن أنفسهن فرضها على الغير، ما يعني محاولة الضحية جعل غيرها من النساء ضحايا أيضًا، ترسيخًا لفكرة أن عدو المرأة مرأة أيضًا.

الجهل والتخلف، وضعف الخدمات وغياب معظمها، والتفاوت بين الريف والمدينة، قبل التفاوت بين بلدين، والتصرّف خارج عباءة الدولة بمختلف مؤسساتها، وغياب الثقافة الطبية، والجهل مرة أخرى، الذي يمكن أن يحول صاحبه إلى مجرم، كل هذا الخليط يجتمع في رواية فياض، التي تقفل أبوابها على نهاية حزينة، بعد شحن نفسي وعاطفي واجتماعي مكثّف، واقتصاد لغوي، وتركيز على المشهد والحدث.

سليمان فياض روائي مصري، ولد عام 1929 في إحدى قرى محافظة المنصورة، حائز على بكالوريوس في اللغة العربية عام 1956، وقضى وقتًا طويلًا من حياته بين التدريس والعمل في الصحافة، وإعداد الأحاديث والبرامج التلفزيونية، وفي أرشيفه العديد من المجموعات القصصية مثل “عطشان يا صبايا”، وهي أولى مجموعاته، وصدرت عام 1961، ومن رواياته أيضًا “أيام مجاور”، إلى جانب كتب عديدة للتعريف بأعلام العرب للأطفال.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة