حوار عن الأدب والترجمة والجوائز..

ريما بالي لعنب بلدي: حلب تكمل المشهد الإنساني في “خاتم سليمى”

الكاتبة السورية ريما بالي (تعديل عنب بلدي)

camera iconالكاتبة السورية ريما بالي (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

وسط الحزن الذي يعيشه السوريون منذ سنوات، يفرحون لخبر تفوق أبناء جلدتهم، أو تحقيقهم لإنجاز ما، وكأنه ضوء ضعيف وسط ظلام حالك لا نهاية له.

في المقابل، وبين عالم الجوائز والوصول للجمهور، وفوضى النشر والإنتاجات الأدبية السورية والعربية، وتفوق الرواية العربية على الشعر في الحضور والانتشار، يعيش المشهد الثقافي السوري فوضى، لا تنفصل عن فوضى البلاد كلها.

“خاتم سليمى” رواية سورية للروائية ريما بالي، وصلت إلى القائمة الطويلة لـ”جائزة البوكر العالمية للرواية العربية”، وهي الرواية السورية الوحيدة في القائمة، لينضم اسم بالي إلى أسماء عدد من الروائيين السوريين ممن ترشحوا للجائزة في النسخ السابقة.

انتشار الأدب السوري، لم يأتِ عبر الجوائز فقط، إذ شهدت السنوات الأخيرة ترجمة روايات لعدد من الكتاب السوريين، كخالد خليفة وريما بالي وغيرهما.

“خاتم سليمى”.. رابط روحي بين سوريا وإسبانيا

تدور أحداث رواية “خاتم سليمى” بين مدينتي حلب في سوريا وتوليدو في إسبانيا، تشابه في التفاصيل الروحية للشخصيات، وكأن رابطًا ما يجمع شخصين من ثقافتين مختلفتين وبلدين بعيدتين يحاولان اكتشافهما سويًا.

الرواية الصادرة عن دار “تنمية” في 2022، ضمن 300 صفحة تقريبًا، عالجت عددًا من الموضوعات العاطفية والاجتماعية، بأسلوب سرد يتراوح ما بين الراوي وكلام الشخصيات مع القارئ، في جو من الأساطير والحب والواقع، وعلاقات متشابكة.

وتبدو لافتة التفاصيل البصرية التي صورتها بالي في روايتها، واستغلالها لمواقع الأحداث لنسج الحبكة في الحكاية، وربط الشخصيات المختلفة بمصائرها وآلامها وآمالها سويًا، استغلال الاختلاف للدلالة على التكامل لا الفرقة، وخلق مساحات مشتركة بين بني البشر.

اختيار هذه الأماكن المختلفة- المتشابهة في آن معًا، كان اختيارًا متعمدًا وفق بالي، التي قالت لعنب بلدي إن اختيار بلاد مختلفة كمسارح للأحداث في رواياتها، كان لإيصال رسالة مفادها “مهما اختلفت البلدان فالإنسان واحد، ومهما تعددت الثقافات فالجوهر واحد”.

وأضافت “ليست حلب وفنونها وثقافتها وتاريخها هي الحاضرة الوحيدة في العالم، ثمة حضارات أخرى، كلها رائعة”.

ياسر الأطرش لعنب بلدي: الرواية تفوقت والشعر يعيش فوضى عارمة

حضرت حلب في “خاتم سليمى” بصورة يعرفها السوريون، مدينة قديمة وخانات وسحر الشرق بين الحارات، اختلفت الصورة بعد سنوات الحرب والعمليات العسكرية، لكن بالي أعادتها مجددًا في روايتها.

صنعت حلب، بالي، التي ترى أن المدينة منها وهي من المدينة أيضًا، وتحب أن تراها تكمل المشهد الفكري وتغني الحضارة الإنسانية، لذا كانت التفاصيل البصرية مهمة جدًا لها، باعتبارها صلة الوصل بين القارئ والمكان الذي جرت فيه الأحداث، وبالتالي يحصل على خلفية غير مباشرة لإدراكها وتطوراتها.

الأمر نفسه ينطبق على الشخصيات وتصرفاتها وفكرها، يُضاف إلى ذلك التفاصيل الحسية من روائح الأمكنة وأصوات الموسيقى ومذاق الأطعمة وملمس السجاد وبشرة الحبيبة، وفق بالي.

هذه الطريقة في خلق التفاصيل، تحبها بالي كقارئة قبل أن تكون كاتبة، إذ تحاول إنعاش الحواس الخمس عند القراءة وأن تشرك روحها وجسدها وفكرها في هذا الفعل، وبالتالي تحب أن تقدم للقارئ الأمر نفسه.

وتعرضت حلب لدمار واسع إثر العمليات العسكرية في المدينة في 2016، وطال الدمار مناطق أثرية وأسواق تاريخية.

عبد القادر المنلا بين معهدين.. حكاية بين دمشق والقاهرة

الجوائز الأدبية اعتراف بجودة الكتاب

تشكل الجائزة بطريقة ما اعترافًا بجودة المنتج الأدبي للكاتب، وتساعد الأخير على تحقيق انتشار أكبر، بالإضافة إلى الفائدة المادية التي تساعده على الاستمرار، خاصةً أن ظروف الكتاب في العالم العربي لا تسمح لهم بالاعتماد على الواردات المالية لمبيعات كتبهم، إن وجدت.

وفي 14 من كانون الأول الحالي، أعلنت “جائزة البوكر العالمية للرواية العربية” عن قائمتها الطويلة لعام 2024، التي تضمنت 16 رواية، واحدة فقط من سوريا، هي “خاتم سليمى”.

ومن المقرر أن تعلن القائمة القصيرة للجائزة في 14 من شباط 2024، ثم إعلان الرواية الفائزة في 28 من نيسان.

حصول الكاتب على جائزة أو ترشيحه لها، يعني وفق بالي، أن عمله الأدبي متميز ومتفوق على روايات أخرى، لكن هناك وجهة نظر أخرى تضاف لهذا الأمر، فـ”الحقيقة ليست دائمًا كذلك، إذ أجد أن وصول الرواية للقائمة الطويلة تحكمه عناصر كثيرة في الواقع، جودة الرواية واحد منها وليس كلها”.

حسام الدين درويش: العلمانية ليست فصل الدين عن الدولة

من تلك العناصر قد تكون الذائقة الأدبية لعضو اللجنة الذي يقرر استبعاد الرواية أو رفعها للقائمة ووجهة نظره، وأيضًا توقيت نشر الرواية وسياسة دار النشر، وامتناع المؤلف نفسه عن الترشح، وعناصر أخرى يطول ذكرها.

وقالت بالي، “دائمًا ثمة عشرات من الروايات المنشورة لا ترشح أصلًا للجوائز ولا تخوض المنافسة لسبب من الأسباب، هذا لا يعني أنها أقل جودة من تلك التي تترشح وتصل للقوائم وتفوز”.

بالنسبة لبالي، ورغم إدراكها لكل ما سبق، فهي سعيدة بوصول “خاتم سليمى” للقائمة الطويلة وممتنة للأسباب التي أوصلتها مهما كانت، لأن وجودها يطلقها إلى آفاق مختلفة أوسع من تلك المحدودة والضيقة التي كانت تحاول إيجاد طريقها فيها إلى القرّاء.

وبما يخص المبالغ المالية التي يحصل عليها الكاتب من الجائزة، أو الوصول إلى قوائمها، قالت بالي إن المبلغ النقدي الذي توفره الجوائز، مهم جدًا، إذ يعد في الحقيقة المصدر الأول لسد الحاجات المادية للكاتب مع ما يتبعه من إعادة إصدار الرواية وتحقيق مبيعات عالية.

الكاتب الذي يحقق نسب مبيعات متواضعة “لا يأكل خبزًا”، وعبارة “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، تؤكد على دور الخبز كسبب أساسي من أسباب استمرار حياة الإنسان، والكاتب إنسان، والبحبوحة المادية تساعده على الاستمرار، ولكن ليس لأمد بعيد، فالاستمرار مرهون بعوامل كثيرة أخرى، كتطور المستوى الأدبي والفكري لأعمال الكاتب ووجود ناشر متفهم ومتمكن، وفق بالي.

دمشق.. من حبيبة الشعراء إلى مثار سخرية

ترجمات الأدب السوري

ظهر في سوريا عشرات الكتّاب والأدباء، ترجمت أعمالهم إلى لغات أجنبية، لتخرج إلى إطار جغرافي وثقافي أبعد من العالم العربي، أو الدول الناطقة بالعربية.

ويلعب الأدب دورًا كبيرًا في نشر ثقافة البلد الأم، وتعريفها للثقافات الأخرى، وهو ما يمكن أن ينعكس إيجابًا على عدة مجالات.

وأعلنت بالي، في 5 من تشرين الأول الماضي، عن إطلاق الترجمة الإسبانية لروايتها “غدي الأزرق”، لتنضم إلى كتّاب سوريين آخرين ترجمت أعمالهم.

وترى بالي في حوارها مع عنب بلدي، أن ترجمة الأعمال السورية أو العربية عمومًا هي أرقى وأعلى بند في سلم بنود رسالة الأدب، على اعتبار أنه يجب أن يقرأ العالم أعمالًا تحكي ثقافتنا وفكرنا، وستذكره أننا هنا، جزء لا يتجزأ من المشهد العالمي الكبير، وجوهرة رائعة من الجواهر التي ترصع تاج الإنسانية.

لماذا لا يوجد انتشار واسع لأعمال الترجمة لأدبنا السوري؟ أجابت بالي على سؤال عنب بلدي: ببساطة لأنه ليس ثمة من يسعى إلى ذلك بجدية، وهو أمر مؤسف للغاية.

وأضافت قد تسألني كيف يكون السعي جديًا؟ عندما يقوم بهذا العمل أفراد مختصون ذوو مهنية عالية، وهؤلاء يلزمهم تمويل عالٍ بالمقابل، وإمكانيات الأدباء السوريين محدودة للأسف، بل وشحيحة أيضًا.

لا أعرف ما الحل، لكنني مصرّة على استنباط واحد أو أكثر بمساعدة المفكرين المهتمين بالأدب السوري أينما كانوا، ولن أكتفي بشرف المحاولة، قالت بالي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة