كيف يتحكم صراع الإقليم بقواعد الاشتباك على ضفتي الفرات

مقر لقوات النظام في بلدة الدوير شرقي دير الزور على الضفة الغربية لنهر الفرات- 16 من كانون الثاني 2024 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

camera iconمقر لقوات النظام في بلدة الدوير شرقي دير الزور على الضفة الغربية لنهر الفرات- 16 من كانون الثاني 2024 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

tag icon ع ع ع

تشتعل بين الحين والآخر اشتباكات مسلحة بين ميليشيات تدين بالولاء لـ”الحرس الثوري الإيراني” تتمركز على الضفة الغربية لنهر الفرات في محافظة دير الزور، مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يدعمها التحالف الدولي على ضفة النهر الشرقية.

أحدث هذه المواجهات شهدتها ضفتا النهر، في 19 من آذار، إذ قصفت “قسد” مدينة الميادين، عقب قصف مشابه أطلقته الميليشيات الموالية لإيران باتجاه مناطق سيطرتها شرق النهر.

تبدو المواجهات محكومة بقواعد اشتباك، إذ لم تتوسع لكنها لم تنقطع أيضًا، في الوقت الذي تغيب فيه التعليقات الرسمية للنظام السوري عمّا يحصل في مناطق سيطرته بدير الزور.

وفي منتصف شباط الماضي، قالت “قسد” في بيان نشره مركزها الإعلامي، إنها أفشلت محاولة تسلل لمجموعة من “المرتزقة المدعومين من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري” باتجاه بلدات ذيبان، والكشمة، والشعفة، عبر نهر الفرات.

وأضافت أنها تمكنت من إجبار المجموعة على الانسحاب إلى الضفة الغربية لنهر الفرات حيث يسيطر النظام السوري، بعد أن أوقعت عددًا منهم بين قتيل وجريح، لكن النظام لم يعلّق على الحدث.

ما جذور المشكلة؟

في آب 2023، شهد ريف دير الزور الشرقي والشمالي معارك مسلحة بين مقاتلين من “مجلس دير الزور العسكري” مدعومًا بمقاتلين من العشائر العربية و”قسد”، التي ينضوي “المجلس” تحت مرتباتها.

واشتبك الطرفان بمناطق جغرافية متفرقة، لكن المواجهات تركزت بشكل أساسي في ريف دير الزور الشرقي، ذات التماس المباشر مع مناطق سيطرة النظام السوري.

المواجهات جاءت حينها عقب اعتقال قائد “مجلس دير الزور”، أحمد الخبيل (أبو خولة)، بعد خلاف بين الجانبين دام أكثر من شهرين، بينما بقي قادة الصف الأول في “المجلس” محاصرين بمدينة الحسكة.

وبعد أيام على المواجهات غاب اسم “المجلس” بالكامل عن المواجهات المسلحة، وبقي طرفاها “قسد” ومقاتون من أبناء عشائر المنطقة يقودهم أحد شيوخ عشيرة “البكارة” ابراهيم الهفل، الذي يتهم من قبل “قسد” بالتبعية للنظام السوري.

اقرأ أيضًا: هل تدخل النظام بـ”الانتفاضة العشائرية” في دير الزور

ومنذ ذلك الحين، حاول النظام السوري استغلال الميليشيات الموالية له في المنطقة كميليشيا “أسود العشائر” التي أسسها المعارض السابق وأحد وجهاء قبيلة “البكارة”، نواف البشير، التي لطالما حاولت تصوير نفسها على أنها داعمة لما أسمته “انتفاضة عشائر دير الزور”.

من جهة أخرى نفى شقيق الشيخ إبراهيم الهفل مصعب الهفل (يقيم في قطر)، لقناة “الجزيرة” القطرية وجود أي علاقة لحراك العشائر العربية بالنظام السوري أو إيران، مشيرًا إلى أن تحرك العشائر جاء للمطالبة بحقوقها وكف يد “قسد” عن ممارساتها في المنطقة.

وحتى اليوم، تؤمن قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران غرب الفرات، التغطية النارية لمقاتلين يقال إنهم يتبعون لإبراهيم الهفل، يهاجمون مواقع “قسد” شرق نهر الفرات.

مرتبطة بعامل إقليمي

تزامنت المواجهات المسلحة على نهر الفرات مع تصعيد أمريكي- إيراني طال المنطقة، إذ استمرت ميليشيات موالية لإيران باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية بشكل يومي، وردت أمريكا بضرب مقار هذه الميليشيات مرارًا، حتى توقفت مطلع شباط الماضي عقب هجوم أمريكي واسع النطاق، شمل 85 هدفًا في سوريا والعراق.

الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، يرى أن التصعيد القائم بين شفتي الفرات مرتبط بجزء كبير منه بعوامل إقليمية، أهمها التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

وأضاف أن عناصر من “قسد” قتلوا سابقًا خلال استهداف ميليشيات موالية لإيران لقاعدة “حقل العمر” التي تتمركز فيها قوات أمريكية شرقي دير الزور، ما يدفع حليفة واشنطن في سوريا إلى أن تكون طرفًا في التصعيد، وتحافظ على وجودها وكونها ليست طرفًا ضعيفًا، لكنها تحافظ على قواعد الاشتباك في المنطقة.

وفي الوقت نفسه يحاول النظام السوري أن يكون حاضرًا على خط الأحداث، إذ يستغل الضغط الذي تشكله الميليشيات الإيرانية على “قسد” في دير الزور، عبر مقاتلي العشائر الذين يعبرون الفرات لينفذوا عمليات في مناطق سيطرة “قسد”.

وأضاف الباحث أن ظهور “قسد” في حالة ضعف سببه ضغوط تتعرض لها بأكثر من اتجاه، من حيث التصعيد التركي شمالًا، وهجمات تنظيم “الدولة الإسلامية” شرقًا، وهجمات مقاتلي العشائر، وبالتالي يحاول النظام استغلال الضغوط لتحقيق مكاسب من “قسد”، خصوصًا أن المفاوضات بين الجانبين معلقة تمامًا منذ نحو عام.

لا سعي لمواجهات مفتوحة

منذ بدايتها، لم تشهد هذه المواجهات عامل تغيير مفصلي في تسلسل الأحداث، كما لم تشهد ضربات نوعية أو ذات تأثير واسع النطاق من كلا الطرفين، إذ تقتصر على المناوشات المسلحة، والقصف المتبادل بالأسلحة المتوسطة.

ويرى الباحث أسامة شيخ علي أن الطرفين لا يحاولان تحويل المواجهات إلى حرب مفتوحة، لكن أطراف التصعيد تحاول ممارسة ضغوط على الطرف المقابل لها باستمرار.

شيخ علي قال لعنب بلدي إن لدى “قسد” المنظور نفسه تجاه النظام السوري، إذ تحاول ممارسة ضغوط عليه عبر خط التماس الموجود في دير الزور، على اعتبار أن “قسد” ترى أن النظام السوري ليس بأفضل حالاته حاليًا.

وأضاف أن النظام بدوره لا يجرؤ على التصعيد بشكل واسع في مناطق شرق الفرات بسبب تداعيات حرب غزة، إذ يحاول النأي بنفسه عنها، وسط الوجود الأمريكي الداعم لإسرائيل في المنطقة.

ورغم الضغوط التي تحاول الأطراف ممارستها، يعتقد الباحث أن الأطراف قد تحاول أيضًا توجيه رسائل نحو بعضها، لكن في الوقت نفسه يرى أن المكاسب التي يمكن الحصول عليها من خلال تصعيد من هذا النوع محدودة جدًا.

لماذا دير الزور

على الرغم من حالة التوتر الأمني التي تعيشها ضفتا نهر “الفرات” بمحافظة دير الزور، يتمركز الطرفان في نقاط عسكرية مشتركة بمحافظات أخرى كالحسكة ومناطق من أرياف حلب.

وتعتبر مدينة تل رفعت شمالي حلب مثالًا على تداخل القوات العسكرية، إذ تتشارك قوات النظام و”قسد” الحواجز العسكرية والنقاط المنتشرة على خطوط التماس مع “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.

وتنتشر قوات النظام أيضًا على الحدود السورية- التركية بمحافظة الحسكة، وأخرى في مدينة عين العرب شرقي محافظة حلب، كما لها وجود في البربعات الأمنية داخل مدينتي الحسكة والقامشلي، في عمق مناطق سيطرة “قسد”.

أرجع الباحث أسامة شيخ علي حالة تداخل القوى والانتشار في الشمال السوري، والعداء في محافظة دير الزور على وجه الخصوص، إلى امتداد خط التماس بين الجانبين على طول نهر الفرات بين منطقة نفوذ إيراني، مع منطقة نفوذ أمريكي، وبالتالي فإنها تخضع لضوابط متعلقة بحالة التوتر الإقليمي في المنطقة.

وتختلف حالة الانتشار بالنسبة للأطراف بمحافظات أخرى مثل الحسكة وريف حلب، إذ تتمركز روسيا إلى جانب قوات النظام في هذه المحافظات، وتغيب عنها إيران بشكل فعال.

وبالنسبة لروسيا، لا توجد أي رغبة حاليًا بالتصعيد في أي منطقة كانت من الجغرافيا السورية.

الباحث اعتبر أن تصعيد النظام ضد “قسد” في مناطق أخرى ينتشر فيها قد ينتج عنها خسارة هذا التمركز، وهو ما لا يرغب فيه، خصوصًا مع وجود القوات العسكرية التركية على مقربة من هذه المناطق، وفي نفس الوقت لا يرغب بإغضاب الروس من خلال عمليات تؤدي إلى تصعيد ما.

ومن جهة أخرى، ليس من مصلحة “قسد” الضغط على النظام في هذه المناطق نظرًا لكونها تواجه تهديدًا تركيًا مستمرًا بشن عمل عسكري نحو المنطقة في أي لحظة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة